حوارات

القيادي بالحركة الاسلامية دكتور (معتصم عبد الرحيم) في حوار مع (المجهر)

  يعدّ الدكتور (معتصم عبد الرحيم الحسن) من صقور  الإنقاذ أو كما يصفه المراقبون, ولعب  دوراً بارزاً أيام  الإنقاذ الأولى، وفي تفاوض حزبه مع الاتحاديين في القاهرة وحزب الأمة والشيوعيين لإضافة آخر من بقي خارج (قطار الإنقاذ). وظهر (عبد الرحيم) وكيلاً لوزارة التربية والتعليم الاتحادية في وظيفة (معلم كبير)، وقبل التقشف انسحب من الوكيل واحتفظ بنقيب المعلمين.
 و(معتصم) من الحركيين القدامى ما زال ينظر للأشياء بمجهر الحركة الإسلامية، وقد كان متسقاً في إجاباته في الحوار الذي أجريناه معه، وواضح في طرح كل وجهة النظر بلياقة سياسي يرى الأمور من كل زوايا الدائرة.. جاء للإنقاذ من الولايات المتحدة الأمريكية بعد دراسة العلوم السياسية في إحدى جامعاتها، وأكد أن الحركة الإسلامية هي من بعثهم من أجل إدارة البلد لإقامة دولة إسلامية في عالم معاصر بنفس أدواته.
 تنوع الحوار من الاقتصاد والسياسة والفكر والمجتمع إلى حياة الناس ومواقفهم من الأزمة الكالحة (الغلاء)، لحدود اعتراف الدولة به وقد اعلنت حزمة إصلاحات مريرة على المائدة السودانية وجد قاسية.
{ كنت رئيس اتحاد جامعة الخرطوم وتنادون بالحريات (الآن) تكبتون الحريات وأنتم حكام؟
– لا تجمع وتقول (تنادون)، ونحن في الحركة الإسلامية فخورون بما مُثبت في دستورنا.
{ الحريات يا شيخ؟
– وأقول أكثر، وصلنا للحد الذي أثبتنا فيه أن الحريات وممارستها ليست حقوقاً يمكن للفرد ممارستها، بل هي واجبات على الفرد أن يمارسها، ولا يجوز تحت أي ظرف أو ضغط أن يتنازل عنها.
{ كحزب حاكم.. هل أنتم راضون عن الحريات المُمارَسة؟
– هي أفضل مما موجود في محيطنا الإقليمي وبالقطع هو دون قناعاتنا الفكرية.
{ هل يأمر الدين بالحريات السياسية؟
– عقيدتنا الدينية تقول بحرية الإنسان من مبدأ الكرامة دون اعتبار للجنس واللون والنوع وحتى الدين.
{ ما مقدار الحرية داخل دهاليز المؤتمر الوطني؟
– نمارس حريات لا حدود لها.
{ غريبة؟!
– ما يضرنا هو خلفيات جماهيرنا من أدب التصوف، والخلفيات القبلية من حيث عدم مراجعة الكبير أو الاعتراض عليه.
{ وأين الحركة الإسلامية.. هل تورطت مرة أخرى في مثل هذه الأدبيات؟
– من يجهرون الآن داخل المؤتمر الوطني أو أكثرهم نشأ في كنف الحركة الإسلامية.
{ بعد عشرين عاماً من الحكم ما زالت الحركة الإسلامية صفوة؟
– نحن نفسر المجتمع السوداني كله بأنه عبارة عن تيار إسلامي عام وضمنه الأجهزة القائمة الآن من كيان خاص أو حزب المؤتمر الوطني.
{ إذا كنت تصر على موضوع “الفسحة الوسيعة” للحريات.. فما رأيك في حالة (كرم الله) الذي أُجبر على الاستقالة؟
– بصراحة أكثر من صراحتك (والي القضارف لم يُجبر على الاستقالة)، بل منذ شهور من تاريخ تقديمها قال للقيادة إنه مستعد للاستقالة.
{ قال ذلك لأنه مختلف مع المركز خاصة وزارة المالية الاتحادية.. ماذا تقول؟
– (كرم الله) ليس من النوع الذي يُجبر.
{ نفس الأزمة تتكرر مع الوالي المنتخب لجنوب دارفور (عبد الحميد موسي كاشا)؟
– كاشا لم يتفق مع الأجهزة القائمة نسبة لتقديرات سياسية، وهو الآن عضو قيادي ملتزم في الحزب.
{ أنتم في الحركة الإسلامية لا تؤمنون بالديمقراطية إلا بتقدير مسافة السلطة منكم؟
– قرأت بعيني في منتصف السبعينيات جزءاً من خطة الحركة الإسلامية، كانت الخطة مهربة من السجون، تؤكد أن من أهداف الحركة السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد على أن نشرك الآخرين.
{ لماذا الإصرار على ضرورة السيطرة على مفاصل الحكم؟
– ضرورة أن تكون مفاصل الحكم في أيدينا للتحكم في التوجه العام.
{ هل هذه خططكم للتأثير على الرأي العام والسيطرة عليه؟
– سأكشف بعض الأسرار.. في بدأية التسعينيات اجتمع بنا الأستاذ (علي عثمان) وبالحرف قال: (إننا كحركة إسلامية وبقية الشعب السوداني مثل مجموعة تبني عمارة لا نقصي أحداً، والعمارة هي السودان، ويكفينا فقط الشخص المسيطر ويقوم بتوجيه الآخرين، ولكن ينبغي أن نفسح المجال).
{ وفي رأيك البلد تنعم بالحرية أليس كذلك؟
– أنا مليان حتى (المشاش) بقناعة الحرية هذي، وهي مبدأ أصيل من أفكارنا.
{ يعني كل شيء في صورة بدر التمام؟
– هناك انحرافات، ولكن توجهنا القيادي بريء.
{ تقصد قيادات الحركة الإسلامية أم القيادة السياسية؟
– الناس ما زالوا يذكرون أن الرئيس وقّع على حكم بالإعدام على أحد العاملين في الأمن لأنه تسبب في قتل أحد المواطنين، وهذا عمل لا يقوم به إلا من يؤمن بالحريات.
{ متى كان هذا الحدث؟
– قبل (15) عاماً تقريباً.
{ زمن بعيد والأحداث كثيرة؟
– لا أرى أن الرئيس قد تغير.
{ بعد إعلان نجاح انقلاب الحركة الإسلامية على الديمقراطية الثالثة جئت أنت من أمريكا؟
– كنا في مختلف دول العالم نتعلم لإدارة دولتنا القادمة، ولدينا ناس في أوربا والاتحاد السوفيتي وكل دول العالم،  جئت في مارس 1991م
{ جئت لإقامة دولة الإسلام (مُش كدا)؟
– جئنا لبناء دولة الإسلام (عندك رأي؟).
{ والآن شيء من الخطر يحدق بنا.. هل أنت جاهز لحماية الدين؟
– نحن قمنا على هتافات وعينا عليها (الله غايتنا، والرسول “صلى الله عليه وسلم” قدوتنا، والجهاد أسمى أمانينا
{ مقاطعة.. على أية حال أغلبية الشعب السوداني تتمنى حياة سعيدة ورخاءً عاماً؟
– نحن نعمل لإسعاد الشعب، وهذا لا ينفي ولا ينهي أهمية الجهاد هذا ركن في الدين.
{ الشعب السوداني يريد الديمقراطية.. هل من سبيل؟
– حتى الديمقراطية بمعناها المطلق لن تكون عادلة.
{ أين التداول السلمي للسلطة؟
– أقولها بصدق، إن الحركة الإسلامية جادة وصادقة للتداول السلمي.
{ (يا بتاعين الانقلابات)؟!
– كانت لنا أسبابنا، وكنا أصحاب كتلة نيابية معتبرة في الديمقراطية الثالثة، وقد تغيرت المعطيات. كانت هناك سيناريوهات لعدة انقلابات وكان لابد من الإقدام على هذه الخطوة. كنا إما قاتل أو مقتول، وإذا كانت هناك ظروف تهدد كيانك ولم تتخذ حماية كافية ستكون ظالماً لنفسك.
{ الاقتصاد يحاصرنا من كل الجهات.. ما هو مستقبل الحزمة المعلنة من قبل الرئيس؟
– الكلام على التنفيذ، وكل الأهمية مرتبطة بدور الحكومة والمواطن في تحويل هذه القرارات إلى أرض الواقع.
{ ولكن الجماهير غير مستعدة للعب الدور الذي تعتمد عليه الحكومة لتنفيذ الحزمة المتكاملة؟
– أنتم من يقول ذلك.
{ أنتم لا تلتقون بالناس كثيراً.. ربما هذا هو سبب المفارقات؟
– أنا أطوف على الناس، ونحن من صلب الشعب ولا نسكن أي أبراج عاجية كما يعتقد البعض، وفي كل رمضان أحرص كل ليلة على أن أصلي التراويح في مسجد مختلف، وأيضاً التهجد من 11 للساعة 2 صباحاً المساجد ملئية بالشباب، وانظر للزي الإسلامي والتعابير الإسلامية.. هذا ما أضفناها للحياة العامة.
{ الناس (عاوزة خدمات) ونحنا مسلمين من زمااااااااان؟
– الحساب ولد، ما دمت تتكلم عن الاقتصاد (شوف) كنا وين من سدود وكباري ومصانع وتأمين، وتاريخ السودان في التنمية معروف جداً.
{ عاوز تتكلم عن الإنجازات (مُش كدا)؟
– وليه لا، نحنا جبنا البترول والدهب والمطارات.
{ دي أيام أزمة اقتصادية باعتراف الدولة والحكومة وليس المعارضة؟
– نعم، والأزمة عالمية في معظمها.
{ لماذا لا تقول إن دولة الجنوب الوليدة استطاعت أن تفضح اقتصادنا وكأنهم يقولون (نحن في الهمّ شرق)؟
– نحن تفأجنا بقرارات غير متوقعة تشبه الانتحار.
{ تقصد قرار حكومة الجنوب بقفل بلف البترول ليصب شمالاً من خلال الأنبوب قبالة الشمال؟
– تصرف غريب وفيه نكد ومكايدة، وهو لهم أيضاً مثل (قفل) الأنف.
{ (قِدروا عليكم) هل تنكر هذه الحقيقة؟
– العكس صحيح، فنحن قدرنا بالقرارات الأخيرة على قلب الطاولة عليهم.
{ ولكن الآن في تظاهرات ضد الغلاء وزيادة الأسعار؟
– (أيوه) في تظاهرات، لن ننكرها، ومشكلتنا الإعلام الذي لم يهيئ لهذه الجراحة المؤلمة في اقتصاد البيوت والفقراء.
{ في إعلام بدليل أن حديث المدينة لا يتوقف عن تناول المسألة؟
– الإعلام (اشتغل) في قضية المحروقات بـ(القلبة).
{ أين إعلام الحزب الحاكم؟
– هناك إعلام عالمي قوي وطابور خامس يراقب كل شيء عن كثب.
{ أنقل لك الإحساس العام بهذه الزيادات.. (هناك غضب شديد جراء كل السياسات).. ماذا تقول؟
– ما صاح.. الصحيح أن ظروف الناس صعبة، لكنهم يتفهمون الغلاء ويرفضونه، وليس ثمة تناقض.
{ تفتكر إضافة ما خُصم من أموال المخصصات والهيكلة سيضيف للميزانية قيمة تعيد بعضاً من العافية المنشودة؟
– أبداً لا يضيف شيئاً يذكر، ولكن حالة نفسية ومعنوية مهمة تُضاف لمعرفة الشعب أنهم ليسوا وحدهم من يربط الحزام بل الحكومة ذاتها.
{ قال الخبراء بدون أي ظلال سياسية إن الحل في الإنتاج وليس إعادة هيكلة الدولة؟
– هذا بيت القصيد الممنوع من البحث، والشرح ويقول (تجلسون تنبالة كسالى…. وترجون النصر من عنده تعالى).
{ ديل إنتوا (قعدتوا) في العاصمة لتغيير وجه الحياة في السودان (يللا تحمّلوا وزركم)؟
– ما قعدنا في العاصمة ولا تجاهلنا الريف، بل عندنا برامج منفذة ومشاريع، لكن الهجرة للعاصمة (بوظت) كل شيء.
{ ما هي الخطوة المنقذة كلياً لرفع الاقتصاد السوداني لمستوى يعيد الأسعار إلى مستواها القديم؟
– الحل الأساسي أن يسأل كل مواطن صالح نفسه، ماذا أضاف للناتج القومي والميزانية العامة.
{ اشرح شوية لأن القاعدة تبدو سليمة (دور الفرد في اقتصاد البلد)؟
– احسبها معاي، ماذا تضيف (بائعة الشاي) إذا أكملت نشاطها؟ ماذا أضافت وهي تأخذ ربحها وتشتري احتياجاتها الأخرى المنتجة؟ إذا نظرنا فالسكر والشاي ينتجهما المزارع، وعلى الأساس دا فراعي الغنم يحدد سعر الألبان ومنتج الطماطم والعجور.. هذا هو الإنتاج الصحيح الذي يضيف للإنتاج القومي اقتصاداً حقيقياً.
{ أليس من الخطأ أن تختار (بائعة الشاي) لتوضيح وجهة نظر اقتصادية لأنها من الفئات الفقيرة والضعيفة؟
– هذا صحيح، والمثال جاء عفواً.
{ (الأغنياء هم الذين يحكمون) هذا حديث الناس العاديين  لتبديات السلطة والحكم.. ما رأيك؟
– يا أخي في مبالغات كتيرة في هذه الحسبة، وحكم عشرين عاماً له آثاره فيما يقوله هؤلاء الناس من انطباعات وأحكام على من يحكمون، ولا يمكن أن تكون كل العمارات والبزنس في السوق لأناس يحكمون، هذا غير مقبول منطقاً.
{ في هذه اللحظة هناك من يأكل (سخينة) وهو ليس من فقراء وزارة الرعاية الاجتماعية.. كانوا يحسبون على الطبقة الوسطى وما أدراك ما الطبقة الوسطى؟
– أنا آكل (السخينة) وإذا ذهبت للسلفية لا أحد يعطيني سلفية، وأصلاً مافي مرتب كافي.
{ جماعة الشارع العام يصفون الأحداث الحالية بوجود (كتمة)؟
– (الكتمة) الحالية لن تزاح إلا بالصبر، والإخلاص في العمل على تجنب الشق الكارثي فيها. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية