(المجهر) في أول حوار مع الأمين العام للحركة الإسلامية "شيخ الزبير أحمد الحسن" (2-2)
الحركة الإسلامية رغم أن نظام “نميري” علماني ولكنها تصالحت معه
نظام “مبارك” كان يعادينا سراً ويدعم التمرد إلا أن علاقتنا به كانت جيدة
خروجي من وزارة المالية كان مفرحاً بالنسبة لي وأديت ما استطعت
أستطيع أن أثبت بالحساب والأرقام ما تم إنجازه في فترة البترول كان أفضل
حوار – صلاح حبيب –
{ إذا ذكرت الحركة الإسلامية يتبادر إلى الذهن حركة الإخوان المسلمين وجبهة الميثاق والجبهة القومية الإسلامية، هل هي حركة خاصة بالإخوان أم تضم كل التيارات الإسلامية؟
– الحركة الإسلامية مرجعيتها الفكرية من حركة الإخوان المسلمين بالرغم من أن مشروعها الأول استجابة للمحلية خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات، ووضع السودان آنذاك من طغيان العلمانية واليسار من أواخر عهد الاستعمار وحتى الاستقلال، ولكنها انتظمت في تيارها العام كجزء من حركة الإخوان المسلمين، ولكن خلال فترة السبعينيات بالذات عام 1977م، بعد المصالحة الوطنية اتجهت الحركة الإسلامية إلى الاستقلال التنظيمي عن الإخوان المسلمين، وأعلنت نفسها الحركة الإسلامية وهي تنسق فقط مع الإخوان المسلمين في الشأن الإسلامي العام ولا تتبع لها ولا تبايعها وهذه واحدة من الأسباب التي أدت إلى انشقاق مجموعة من الإخوان المسلمين وظلوا منذ ذلك الوقت وسببه هذه النقطة والمصالحة الوطنية، فكانوا يرون ألا نصالح نظام “نميري” 1977م، وظلت الحركة الإسلامية بمرجعيتها الفكرية وخطها العام بشمول الإسلام ووسطيته وتفردت في اجتهادات في قضايا الشورى وإلزاميتها وقضايا المرأة والمشاركة السياسية مع حكم نظام “نميري” باعتباره نظاماً علمانياً فتصالحت معه. فكل هذه كانت اجتهادات وتعاملها مع القوى السياسية وبناء التحالفات الوطنية، فكلها اجتهادات انفردت بها الحركة الإسلامية، لأنها استقلت عن التنظيم العام للإخوان المسلمين وصارت ما رأته الدولة القطرية كواقع في العالم سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً وأمنياً تقتضي أن تكون حركة لها استقلال تنظيمي قطري، وينشأ التنسيق بينها وبين الحركات الأخرى. وظلت الحركة في التوجه الإستراتيجي أن تكون علاقتها مع الآخرين التنسيق وليس التبعية وأن تكون مستقلة وتقرر في شأنها العام داخلياً وتنظيمياً وخارجياً بنفسها دون الرجوع لأي جهة خارج السودان.
{ عندما تولت الحركة الإسلامية أو حركة الإخوان المسلمين في مصر نظام الحكم ظهر للعيان أنكم وقفتم بعيداً أشبه بالمتفرجين ما حقيقة ذلك؟
– لم نقف بعيداً ولكن أبعاد الدولة القطرية وواقع كل دولة داخلياً وما حدث من انقلاب على الشرعية بعد تولي حزب العدالة مقاليد الحكم في مصر فلم يكون التعاون كما كان متوقعاً، منذ الأول كان يكون هناك حماس وتعاون فلا شك كانت علاقتنا بهم جيدة وبدأ فيها أوجه لتحسين العلاقات بين السودان ومصر، ولكن في ظل الدولة القطرية حتى لو كنا فرعاً من الإخوان المسلمين ولم نكون حزباً وطنياً سودانياً، لكن مسؤولية الدولة القطرية ستجعل القضايا الرئيسية في شأن كل بلد من القضايا التي تنشأ فيها خلافات بين قطر وآخر، فقضية حلايب ستظل ولكن تبقى الروح الإيجابية في مصالحتها وقضية الحدود ستكون نفسها دولة ومصلحتها ستكون هي القضية ونظرتهم لاتفاقية السلام مع إسرائيل ونظرتنا في العداء مع إسرائيل ستكون فيها مجانبة من الموقع القطري لكل دولة من الدول، فيمكن أن يلقي ذلك بظلاله بألا تكون الحكاية عند وصولهم إلى الحكم عن طريق الانتخابات تندمج في شبه دولة واحدة أو تحدث وحدة بين السودان ومصر، لأن الإسلاميين وصلوا إلى الحكم فليس هذا بهذا اليسر، ولكن أعتقد أن الاتجاه الصحيح مع مصر أياً كان الحاكم فيها سواء كان موالياً لنا في العقيدة الفكرية أو كان مجانباً فالمصالح ينبغي أن تكون هي الرابط بيننا، فنظام “حسني مبارك” رغم أنه كان يعادينا في السر ويدعم التمرد والمحكمة الجنائية، ولكن ظللنا في علاقة جيدة مع مصر.. فليس مهماص الحكومة بقدر ما المهم الدولة.
{ لقد توليت أهم وزارتين في الدولة وزارة المالية ووزارة الطاقة هل ابتعادك عن الموقعين زهد وهل محطة الأمين العام للحركة الإسلامية هي محطتك الأخيرة أم ستعود للمواقع التنفيذية مرة أخرى؟
– المسؤولية السياسية والتنفيذية بالنسبة لنا في أدبنا الإسلامي هي تكليف وهي مسؤولية أمانة وهي خزي وندامة إلا للذي أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها، وهذا مبدأ نشأنا عليه قبل أن تكون لنا دولة ونحاول الحفاظ عليه وأن نلتزم به بالرغم من صعوبات ذلك مع أحوال التغيير المختلفة وأحوال السياسة العامة التي تبرر أحياناً السعي لطلب الوظيفة خدمة للبلد أو وفاءً بالتزامات أو غير ذلك، ولكن هذه المرجعية الرئيسية الأساسية يسعى الإنسان ليتولى منصباً وإذا ولي واختير أن يحسن من هذا المنصب ويحمله بحقه ويدافع عنه بكل ما يستطيع، وتكليفي بوزارة المالية وتدرجي فيها من وزير دولة إلى وزير لفترة ثماني سنوات، أعتقد أنها كافية جداً ولذلك أعتقد أن تغييري من وزارة المالية كان بالنسبة لي مفرحاً جداً وقد أديت دوري واجتهدت فيه بقدر ما استطعت مع الأجهزة من رئاسة الجمهورية والأجهزة التنفيذية المختلفة، أن نحقق للسودان معالم النمو الاقتصادي ونحسن أحوال المواطنين، ولذلك فإن التشبث بالمنصب هو الخطأ وكذلك تكليفي بوزارة النفط وظللت فيها لمدة عامين وكانت بالنسبة لي تكليفاً بهذا الفهم، وهذا يعني وأن نسعى لزيادة إنتاج السودان من النفط. وأعتقد أن فترة الثماني سنوات بوزارة المالية وسنتين بوزارة النفط كافية، ويمكن أن أساهم في مناطق أخرى خارج المهمة التنفيذية.
{ هل كنت راضياً خلال فترة العشر سنوات بوزارتي المالية والطاقة وما الذي حققته؟
– أعتقد أن السياسات الاقتصادية ليست صنع فرد وإنما صنع للحركة وللحزب ولكوادرها التي اتجهت بالسودان منذ 1997م، حتى الآن كانت استجابات لواقع، وأعتقد أن فيها نجاحاً كبيراً ليس لشخصي وإنما للدكتور “عبد الوهاب عثمان” وزير المالية الأسبق الذي استطاع ومن أتوا من بعده “محمد خير الزبير” والأستاذ “عبد الرحيم حمدي”، وقبل أن نصدر باخرة بترول حققنا الاستقرار الاقتصادي وعملنا على تخفيض التضخم لأقل من (10%) ووحدنا سعر الصرف قبل استخراج البترول، ولكن عندما تحركت أول باخرة من ميناء بشائر بالبحر الأحمر كان الاقتصاد السوداني قد تحقق وكان رشد السياسات الاقتصادية هو بسبب إيجابية البترول وإنتاج السودان من البترول بدأ بمائة وخمسين ووصل أقصاه إلى خمسمائة ألف برميل، ويذهب نصفها إلى الشركاء من بترول التكلفة أو بترول الأرباح، وإذا كان صافي بترول السودان يتراوح ما بين (100 –200) ألف برميل في اليوم، وما حدث من استقرار اقتصادي واستقرار للجنيه السوداني ومن نمو معدلاته جعلت الناتج المحلي يزيد من عشرة مليارات دولار يزيد عن بضعة مليار دولار خلال سبع سنوات، فأعتقد أن كل ذلك كان لرشد السياسات الاقتصادية التي بني عليها الإنجاز الرئيسي وهو إنجاز البترول، ولم يكن إنجاز البترول هو الوحيد الذي أدى ذلك.
{ السؤال قائم هل أنت راضٍ؟
– أنا لا أقول أنا راضٍ كل الرضا عما تم إنجازه ولكن راضي عن اجتهادي واجتهاد الحكومة والدولة في اتخاذها للسياسات والإجراءات التي أدت لتحسن النمو الاقتصادي خلال وقت من الزمان 2010 – 2011م.
{ هل تحسبتم لعملية انفصال الجنوب؟
– لقد تم وضع إستراتيجية لأن الانفصال خيار محتمل وقد تمت دراسات ولجان وحددت سيناريوهات للانفصال والتوقعات المتوقعة، وقد أعطيت أولوية للسدود ليكون البديل للكهرباء الحرارية بالكهرباء المائية، وما تم من برامج في السكر كان في هذا الاتجاه وما تم لربط الطرق بمناطق السودان المختلفة من حلفا وحتى الرنك فهذا كان جزءاً من الإستراتيجية التي وضعت في حالة الانفصال، وقد تم جهد كبير في القطاع الزراعي رغم أنه لم يأتِ بثماره لأن آثار المرض الهولندي بمعنى أن الناس يعتمدون على صادرات البترول، وكان لها أثر ولكن ما تم من جهد في القطاع الزراعي كان كبيراً جداً ليكون بديلاً، وتوقعنا لما بعد الانفصال والسياسات التي تمت لوقف التدهور المتوقع من آثار الانفصال وذهاب البترول لدولة الجنوب، فأعتقد أن تلك السياسات خففت الآثار بدرجة كبيرة. صحيح كانت هناك آثار سالبة مثل العملة التي ظهر لها سعران ولكنها بالدراسات العلمية التي كونت لها اللجان برئاسة الدكتور “عبد الوهاب عثمان” رحمه الله والأستاذ “عبد الرحيم حمدي” ولولا وضع السيناريوهات لوصل التضخم إلى (160%) لو لم نتخذ إجراءات احترازية، ووقتها كان سعر العملة تدهور إلى أضعاف ولكن بسيناريوهات البرنامج الثلاثي والبرنامج الخماسي الجديد كانت درجة السلب مثل التضخم وغيرها كانت أقل بكثير. وواضح الآن آثار السياسات في التضخم من (46%) بدأ ينزل إلى أقل من (20%) وعدو الفقراء هو التضخم. فأي السياسات تؤدي إلى خفض التضخم رغم أنها تكون قاسية في شكلها الأولي كالسياسات التي أدت لأحداث سبتمبر لكنها برفع الدعم هي التي أدت لانخفاض التضخم، لأنها خفضت العجز في الموازنة وخفضت الصرف بدون موارد في الموازنة بدرجة مقدرة، فأعتقد أن استجابة الاقتصاد السوداني للسياسات الصحيحة قد تكون دائماً سريعة وإيجابية.
فاختتم حديثي وأقول إن الرضا عن النفس يؤدي إلى الغرور وحتى في الصلاة الإنسان يستغفر ربه سبحانه وتعالى ثلاث مرات بعد أداء الصلاة فأنا لا أقول راضٍ عن نفسي عما تم من إنجازات ولكن راضي بأن السياسات والتوجهات كانت صحيحة وأدت إلى الاستقرار في سعر الصرف، وأدت إلى تحسن أحوال المواطنين بتضاعف الحد الأدنى للأجور عدة مرات بأسعار حقيقية بقرار اقتصادي، لأول مرة يزيد الحد الأدنى للأجور من بضعة وخمسين جنيهاً لما يقارب المائتين جنيه وينخفض سعر الصرف، وهذه زيادة حقيقية لذوي الدخل المحدود واستقرار العملة ما بين جنيهين إلى جنيهين ونصف لعشر سنوات، فأعتقد أنها كانت مشجعة لاستثمارات كثيرة دخلت السودان من قطاعات كثيرة للبترول والاتصالات والعقار وكلها كانت بفضل توجهات الدولة وسياساتها.
{ يقال إن موارد البترول لم تستغل بصورة صحيحة وذهب المال للكماليات ولم يوجه التوجيه الصحيح في المشاريع مثل مشروع الجزيرة؟
– أستطيع أن أثبت بالحساب وبالأرقام ما تم إنجازه في السودان في عهد البترول خاصة البنيات الأساسية والطرق والكهرباء كان بفضل المناخ الذي خلقه البترول، بسماحة خلق علاقات للسودان مع بعض الدول الأخرى بالتمويل من الصناديق العربية ومن الصين ومن خلالها يستطيع أن يسدد القروض في مواعيدها، ولذلك تكون له مصداقية لينال المزيد فيها، فأعتقد أن شبكة الكهرباء في السودان التي كان حدها شمالاً الجيلي شرقاً، القضارف وكسلا وجنوب جبل أولياء، فأعتقد أن وصولها إلى الرنك في جنوب السودان وبور تسودان وإلى حلفا ووصولها الآن إلى الأبيض والفولة واتجاهها أن تصل الآن إلى الجنينة ونيالا، هذا كان من البترول.. وحتى طريق الإنقاذ الغربي الذي وقعنا عقده مع الصين بقرض ثلاثة مليارات دولار منها مليار ونصف دولار لطريق الإنقاذ الغربي والطريق الدائري ومحطة الفولة، وما تم من إنجاز كبير في سد مروي ومحطة كوستي الحرارية قدرتها قدر التوليد الحراري في السودان كله منذ الاستقلال (500) ميقاواط وتوليد سد مروي (1250) ميقاواط، في قمته يعادل ضعف إنتاج الكهرباء قبل البترول وتعلية الروصيرص، وما وفرته من زيادة في إنتاج الكهرباء بزيادة (25%) إضافية ومياه وهذا عدا التعليم والصحة، وما تم من برامج للمياه ووقتها أطلقنا عام المياه في 2004م، فتم فيه توفر درجة المياه في السودان من أقل من (40%) لما يقارب الـ(65 – 70%) بإنشاء الآبار والحفائر والسدود في كل السودان، فأعتقد أن ما تم في عهد البترول كان أكبر من إنتاج (250 – 300) ألف برميل، فالمملكة العربية السعودية تنتج منذ الأربعينيات عشرة ملايين برميل في اليوم، والمقارنة ما بيننا وبينها المقارنة غير عادلة، فالحديث عن البذخ حديث غير صحيح والزراعة نالت نصيباً كبيراً جداً مما كانت تناله قبل البترول، ناهيك عن المشاريع الزراعية وتجديد الطلمبات على طول المشاريع الزراعية الكبيرة.