رأي

النشوف اخرتا

نوبه  و نوبه
سعد الدين ابراهيم
عندما قرأت عنوان زاوية الجميل (يوسف عبدالمنان) _خارج النص في عدد الأنيقة (المجهر السياسي) يوم الثلاثاء الماضي “الحوار النوبي” حسبت أن ذلك يخص نوبة الشمال في وادي حلفا وما جاورها وفي أسوان جنوب مصر وما جاورها.. فقد ظلت كلمة (نوبة) والنسب إليها يخص أولئك وذاع حتى في كتب التاريخ .. بينما المقصود أهلنا النوبة في جبال النوبة وهي أيضاً مشهورة بهذا الاسم وهنالك لقب ” ود النوبة” يطلق إيجاباً ومرات ليس كذلك..
لما تنبهت لذلك تذكرت صديقي الراحل  (فيليب عباس غبوش) الرجل المثير للجدل والمغرد خارج السرب وإن لم يكن خارج النص مختلف بشخصيته.. وأفكاره.. وفهمه الديني .. وفي جلسة معه بمنزله الشعبي المتواضع لكن الجميل المبهر.. في بيته ينتمي أفراد أسرته للأديان السماوية كافة دون اختلاف.. كما أنه رجل ممراح.. حين عاتبوه على اعتذاره للراحل “جعفر نميري” أفتى بأنه يعمل بالمثل (دقو واتعضرلو).. بجانب اتقاء حماقته حين يكون غاضباً فقد أعدم في واحدة من تلك اللحظات رفاقه  في العسكرية وفي الانقلاب وفي الضباط الأحرار.. في تلك الجلسة سألنا عن انتمائنا القبلي.. فكل قال قبيلته وكان يسخر من كل قبيلة وحين جاء دوري وقالوا له هذا حلفاوي فعانقني وقال هؤلاء أبناء عمومتنا، وقد كنا قديماً قبيلة واحدة فرقتها التقسيمات الإدارية فقط.. فقلت له ممازحاً ما تجي نتحد تاني ونحكم السودان فقال جاداً: إذا حدث ذلك فسنحكم أفريقيا كلها.. فعندكم الفن والأدب والتحضر وعندنا القوة والبأس والشدة.. فإذا اجتمعت هذه العناصر فهي قوة لا يستهان بها .
تحدث (يوسف) عن مشاكل جبال النوبة ومآلات السلام وإيقاف الحرب ولم يخف وجهة نظره السياسية .. عموماً هذا شيء جميل.. ولكن من يتحدث عن النوبة في الشمال وهم مسالمون لم يحملوا السلاح ولم يتمردوا ولم يعرفوا التحارب إلا قبل سنوات قلائل انتقلت إليهم العدوى فتجابهت قبيلتان (في أسوان) بذلت جهود لإصلاح ذات البين بينهم وربما أطفأوا النار وما يزال تحت الرماد وميض نار.
النوبة في شمال السودان وفي جنوب مصر يعانون. توقفت مشاريع كثيرة زراعية وصناعية.. وهاجر معظم الشباب إن لم يكن لخارج السودان فإلى العاصمة والمدن الكبيرة لم يبق سوى كبار وكبيرات السن يتلمظون الذكريات ويتحسرون على المجد القديم.. هجرهم السد العالي.. وأرهقهم التعايش مع الوطن الجديد.. وحاولوا أن يصنعوا مجداً جديداً وما توانوا.. ثم طاف عليهم طائف.. فإذا كل ما بنوه ينهار.. وكل ما زرعوه حصده غيرهم ..
ومزحة الراحل “فيليب غبوش” يمكن أن تصبح واقعاً لكنها تحتاج إلى زمن.. إلى أن يجئ ذلك الزمن فلابد من الانتباه إلى تنمية النوبة وإعادة الآثار المنهوبة والحرص على الآثار المتبقية.. وتجديد البنيات للاستثمار والسياحة. . والتنمية تحتاج إلى جهد مبذول وأيد نظيفة لكنها متسخة بآثار العمل .. يجب أن تتجه التنمية شمالاً بمعدلات متسارعة ولتعود وادي حلفا إلى ألقها  الساحر وتنفك من  قبضة الرأسمالية الفردية !

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية