نوافذ

ثرثرة بين الرحيل والجراح

ومن ذا الذي ينكر أنك نبض الحياة وفيض الأمل الذي يهب العمر معنى آخر؟!
ومن يدرك كم من الزمن ولى وأنا أنتظرك بين طيات الممكن وأفواج المستحيل.
يقسم كل من حولي على أن حياتي كلها صبر وجلد، واقسم أنا على أن كل ما مرّ بي من أذى ليس إلا كفارة ذنب أني لم التقك قبل زمن مضى!!
موحشة هي السنين دونك، تغرز أنيابها في جلد أفراحي فتنهش ما تشاء وتترك جرحاً عميقاً هو الحزن!!
الحزن فرعون البقاء الذي لا يترك رأس ابتسامة يانعة إلا قطفها وقطعها إرباً إرباً!!
ومن ثم التقينا، كادت حواسي أن تخذلني حينما أتيت، ولكن وحدها قدرة الله حالت دون ذلك!!
أنت مدادي الذي احتجبت عني الكتابة خلف العجز إلى حين يأتي لتأتي الحروف عجلى على غير إيقاع ولا زمان!!
أنت رونق الحياة الذي يمنح الزهور لونها، ويعطي الربيع تأشيرة الدخول نحو بلدانها!!
أنت عطري الذي يعرفني به الناس عبر كل حواسهم وليس بالشم فقط!!
أنت موسيقى حياتي التي سئمت نشاز كل شيء، فأتت نوتتك لترتب إيقاعي مرة أخرى!!
لن استحي أن اسميك ما تشاء الكلمات، وإنما هي الكلمات التي امتهنت الحياء عند كل طريق من طرق تعبيري عنك وحين كل منعطف و(زقاق).
مواقيت الرحيل كلما خرجت تفتش عنك لتتبع قانونها ولكن حمداً لله أنك كنت حينها تمارس البقاء خفية، فكتبتك غائباً في سجلاتها ومضت نحو عاشق آخر لم يتقن لغة العشق بعد!!
احتاجك أنا وتفهم كل هذي الكائنات لغة الحاجة هذه، فالأمان أنت وكل كائنات الأرض تحتاج الأمان، وحضورك الذي به تزدهر مواسم الكتابة يحتاجه كل من كُتب له أن يقرأ ما كتبت، وبوحك الذي هذب بنات بوحي كان الأقوى دائماً، لذا سيطر العجز على ممتلكات فكري وأحكمت أنت قبضتك على لغتي، فلا غرو أن تطل عبر أحرفي للناس، ولا عجب أن خرج اسمك من بين كل سطرين أو حرفين من كتابتي!!
لأنك أنت ما أكتب، ولأن عشقك الذي يكتبني على أعين العشاق بحبر الخلود.
أنت حي في الروح ما بقيت الروح، ومقيم في الجسد أو في أربطة العظام، أو في كل شيء لا يحتمل فكرة الفناء والرحيل.
أكره مفردات الرحيل هذه لأنها تذكرني بالجراح التي استعصى علاجها، فأدمن صاحبها فكرة التخدير، ومضى نحو الحياة بنصف رجل، الجراح هي الرحيل، والرحيل هو الجراح، فاتكاءة الجرح على يد العقاقير لا تشفى، واتكاءتي على فتات لقياك لا تكفي، وارتياد الجرح لشوارع الألم موجع جداً، وانتظاري لمجيئك الذي يليه الرحيل قاتل!!
تتسع مدارات الشوق جداً لتحتويني وتغلق أبوابها لأنها اكتفت!!
وأنا بين الجراح والرحيل انتظر، وبقاؤك معي يعني التئام جرحي، ولكن إلى أن يلتئم الجرح، سأنتظر جنود سليمان، لا لأرى عرش بلقيس ولكن لأمارس سطوة النفوذ ولو لمرة، وأراك بين يدي قبل أن يرتد حبر كتابتي هذا إلى بصري.

مشاركة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية