دموع على الضفاف
عندما صدنا حراس منزل نائب رئيس الجمهورية مع الأخت “عفاف أحمد عبد الرحمن” مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب من دخول منزل الأستاذ “حسبو” لأن أسماءنا غير مضمنة بكشف المدعووين لليلة غسل الدموع بماء النيل، قررت العودة سريعاً، ولكن “عفاف أحمد عبد الرحمن”، رفضت بشدة حتى جاءت الإشارة بدخولنا من داخل اللقاء.. احترمت الحراس ومهنيتهم العالية وانضباطهم وحسن تعاملهم مع الضيوف، حتى الذين لم تضمن أسماؤهم في كشف المدعوين أمثالي و”عفاف أحمد عبد الرحمن”، التي تلعب ثنائية نسوية في وسط المجتمع المدني مع “أميرة الفاضل” مهندس إصلاح ما أفسده رجال قبيلتي (الرزيقات) و(المعاليا).. بغسل الدموع والبطون، التي زعم “ود ضحوية” قديماً!! (أن الدخل البطون ما بتقطعوا السكين)، ولكنه في ذات البيت يؤكد أن أصالة المعدن لا تفسدها سوءات الفعل الطائش، وهو يقول (الزين مو فسل، والفسل ما بزين).
كانت ليلية ضفاف النيل الأزرق بمنزل نائب الرئيس “حسبو محمد عبد الرحمن”، بمثابة إعلان عن (موت حرب)، وغروب حقبة احتراب وقتل النفوس، وبزوغ لفجر جديد في علاقات القبيلتين، (الرزيقات والمعاليا).. والناظر الحكيم المثقف “محمود موسى مادبو”، يهمس ضاحكاً لأخيه ناظر المعاليا “محمد أحمد الصافي”، وبينهما الناظر واللواء “موسى جالس”، ناظر البرقد.. وتبدت مظاهر التعافي في جسد الولاية المثخن بالجراح، من خلال جلسات (حميمية) بين قيادات (المعاليا) و(الرزيقات) في باحة واسعة تطل على النيل الأزرق، والمتحدثون من القبيلتين يتبادلون نقد واقعهم المرير بشجاعة، كالتي تقاتلوا بها في الميدان وأدت لخسائر فادحة. وقد اعترف (الرزيقات) بخطئهم واعترف (المعاليا) بخطئهم.. واتفقوا على الإقبال بقلب أبيض وعزيمة وإصرار على التصالح والتصافي والعيش معاً، بلا ضغائن ولا أحقاد.. وصدق في مشهد (ليلة السبت)، قول الشاعر: (إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها تذكرت الغربة وفاضت دموعها)، الحرب التي انتهت إلى دموع وأحزان وأيتام وأرامل، كانت أيامها كئيبة.. حتى جاء للولاية “أنس عمر”، كقيادة حقيقية رغم صغر سنه، ولكن إذا كانت هناك عزيمة وروح وثابة وإرادة تغيير فالمستحيل ممكن.. استطاع “أنس عمر”، الشاب الأربعيني، قيادة شرق دارفور إلى طريق التصالح، ووجد مركز دراسات المجتمع الذي بات أكبر من الوزارات الحكومية، بما يقوم به من دور في تهيئة بيئة مصالحة قادمة وتوافق مرتقب لحل تاريخي (ينضج) على نار هادئة الآن.. وحظ ولاية شرق دارفور، و(الزريقات) و(المعاليا)، إن ظهر ولايتهم محمي مركزياً من خلال ابن الولاية الدكتور “حسبو محمد عبد الرحمن”، الذي فاض عطاؤه خيراً على الولاية، ولكن الحرب أصابته بالإحباط والأسى.. حينما تشتعل النيران في بيتك، لن تستطيع مساعدة الجيران في حل مشكلاتهم، و”حسبو” منذ أن وضع فيه الرئيس ثقته واختاره نائباً له، قدم أداءً مغايراً لسلفه من النواب.. وكان يمكن أن تعبر ولايته شرق دارفور، ولكن تصدعات جبهتها الداخلية التي هزمت كل عزم للمركز النهوض بها.. وقد خرجت من رحم قرارات تقسيم دارفور ولاية أخرى، هي زالنجي، التي عبرت الآن مخاض التكوين، والتأسيس لشوارع الإسفلت وإضاءة الشوارع والقاعات والمطار، و”الضعين” ما تزال في حالها القديم.. وقد قال النائب “حسبو” وهو يخاطب احتفالية غسل الدموع على ضفاف النيل، إن الآليات العسكرية التي توجد الآن بشرق دارفور والإنفاق على الأمن الآن لو ذهب لتنمية الولاية، لأصبحت شرق دارفور جنة في الأرض.. بدأت الحسرة في النفوس على واقع الحال، ولكن هناك عزماً وثقة بأن الماضي لن يعود.
شكراً لـ”أميرة الفاضل”، وهي تنفق المال وتجعل من قضية “شرق دارفور” نواة لمشروع سلام يضطلع به (مركز دراسات المجتمع)، كمؤسسة مجتمع مدني تقوم الآن بدور أكبر مما تقوم به الوزارات الحكومية، التي تسيطر عليها العقليات البيروقراطية.. وشكراً لجهاز الأمن الوطني، الذي يدعم مبادرات الإصلاح الاجتماعي.. وشكراً للأمين العام للحركة الإسلامية، وهو يعيد لها الدور الذي كان غائباً عنها ومغيبة عنه.. وشكراً لـ”حسبو”، الذي يبذل طاقة شبابه من أجل إصلاح شأن الدولة التي تحاصرها المشكلات.