عبد المحمود أبو ،الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، في إفادات جريئة لـ المجهر(1-2)
غياب تجربة تطبيق الشريعة من أجندة الحوار تعد خللاً كبيراً
*الغايات التي جاء الدين لتحقيقها لم تتوفر في ظل التجربة التي أقامها نظام الحكم
*الإسلاميون اصطدموا بالواقع ، وبصعوبة التطبيق
*لازلت أؤمن بأن الاسلام هو الحل ، لكن باجتهادنا ومجهوداتنا
الأستاذ “عبدالمحمود أبو إبراهيم عبدالمحمود” من مواليد العام ( 1964) يحمل درجة الماجستير في الفقه المقارن – “التنوع في المجتمعات الإسلامية ودور الشورى في إدارته”، خطيب الجمعة ويؤم الناس لصلاة الجمعة، منذ العام 1993 وحتى 2015م ، “عبدالمحمود” يشغل موقع الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، ورئيس المنتدى العالمي للوسطية فرع السودان، وعضو مجمع الفقه الإسلامي، وعضو مجلس أمناء جامعة أم درمان الإسلامية، شارك في العديد من المؤتمرات داخل وخارج البلاد ، له آراء جريئة في تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان ، وحول غيابها عن أجندة الحوار الوطني ، لاغراض تقييم التجربة وتوقيمها. وقال إن الإنقاذ قامت ورفعت شعار)شريعة.. شريعة ولا نموت .والإسلام قبل القوت)، وأضاف أن غياب التجربة الاسلامية عن الحوار يمثل نقصاً وخللاً كبيراً في الحوار الوطني. فإلي مضابط الحوار.
حوار – وليد النور-
{ غابت عن الحوار الوطني قضية تقييم وتقويم تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية، خلال ربع القرن الماضي؟
كان من المتوقع أن تكون قضية تقييم تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية من أولويات أجندة الحوار الوطني، على أساس أن مشروعية النظام الذي وصل بالانقلاب ، لأن الشريعة في خطر ، وأنه جاء ليطبقها . وكانت شعاراته المرفوعة ( شريعة ..شريعة ولا نموت، الإسلام قبل القوت). وبعد التجربة الطويلة التي استمرت لـ (25) عاماً كان المفترض أن يكون هنالك تقييم لنتائجها وأهدافها، و غاياتها التي جاءت لتطبيقها، فغياب تقييم تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية في ظل الانقاذ ،في تقديري، يعد خللاً كبيراً. لأن احد ابرز أخطاء الصراع هو أطروحة النظام الفكرية والدينية، إذ يختلف الناس حولها حتى المسلمين و يعتقدون أن الأطروحة التي قدمت تستند إلى مرجعية إخوانية، وأهل السودان غالبيتهم ليسوا إخواناً.
* ولكن هل تم تقييم لتجارب الإسلاميين في العالم ؟
.الإسلام دخل السودان قبل ظهور الأخوان في الساحة العالمية، وانتشر بجهود العلماء والطرق الصوفية وجاءت المهدية وأقامت الدولة الإسلامية بتشريعاتها وقوانينها ، وأعتقد أن تقييم تجربة السودان الإسلامية من الأولويات، والآن في المؤتمرات الخارجية، من ضمن الأجندة التي تقدم تقييم التجارب الإسلامية، التي أقيمت في العالم الإسلامي تجربة) إيران و أفغانستان وباكستان والسودان) . هذه التجارب تحتاج لتقييم لأن كل تجربة تستند لمرجعية إسلامية ، ولكن من خلال التطبيق ظهرت إخفاقات كبيرة.
*إلى أي مدى استطاع النظام تطبيق الشريعة خلال حكمه؟
أعتقد أن التقييم النهائي محصلته كالآتي : أولاً النظام شرعيته قامت على الوصول إلى السلطة عن طريق القوة والانقلاب العسكري . وهذه شرعية ضعيفة ومرفوضة إسلامياً، لأن شريعة الحكم في الإسلام ، وشرعية الوصول إلى السلطة تقوم على الشورى والحرية، وتقوم على اختيار الناس، فالشرعية أساساً قامت بمرجعية غير صحيحة ،وهي الانقلاب ، ثانياً :الشرعية الإسلامية ليست حدوداً، وهي نظام متكامل عقيدة وعبادة وأخلاق وممارسات وعقوبات .. والعقوبات تأتي لكي تحمي النظام الإسلامي، الذي أقيم في الدولة الإسلامية، هذه المعاني غائبة تماماً عن حكومة الإنقاذ ، خلال الفترة الماضية : ثالثاً الإسلام لديه أهداف خلق الإنسان نفسه جاء مستخلفاً في الأرض، ويحقق منهج الله، ومنهج الله يقوم على المساواة بين الناس والعدل وكفالة حرية الإنسان، فالغايات التي جاء الدين لتحقيقها لم تتوفر في ظل التجربة التي أقامها نظام الحكم، فالحريات مقيدة ومنتهكة، وفي بعض الأحيان العدالة مغيبة والمساواة بين الناس مغيبة والمحسوبية هي التي أصبحت طاغية. رابعاً: نحن نسعى إلى بعث الإسلام في ظل عالم متغير والعالم المتغير الآن علاقاته اختلفت، سابقاً كان العالم ينقسم إلى قسمين دولة الإسلام ودولة الكفر .والآن العالم أصبح تحكمه حكومة دولية وهي الأمم المتحدة لديها مواثيقها وقوانينها حتى الجماعات الدينية سواء كانت اليهودية أو المسيحية، وأن التجربة الإسلامية معيبة من حيث شرعية الوصول، من حيث التشريع، ومعيبة من حيث التطبيق ومن حيث النتائج ، ولذلك ينبغي أن تخضع لحوار واسع ،لنعيد الثقة في الدعوة الإسلامية من جديد ،ونبدأ بتطبيق الإسلام بصورة تراعي هذه المتغيرات .
* نظراً لتطبيق الإسلاميين للشريعة .. كانوا يركزون على تطبيق الحدود ومع ذلك غاب تطبيق جرائم الحدود (الزنا والحرابة الخ …(
سمعنا عن تطبيق حدود ولكن لا أرى تطبيقاً للحدود ،هي مجرد عقوبات تطبق على المستضعفين .فقضية السرقة كلها المراجع العام يقدم تقريراً بسرقة مليارات الجنيهات. والسرقة تتم عن طريق أشخاص لديهم نفوذ في الدولة، هؤلاء ينبغي أن يعاقبوا عقاباً رادعاً والعقاب الرادع للإنسان المسؤول الذي يخون الأمانة، ويستخدم سلطاته لتحويل المصلحة العامة لمصلحة خاصة ،ينبغي أن تكون عقوبته رادعة مثلما فعل سيدنا “عمر بن الخطاب” عندما قال لذويه إنني عزمت عزمة وكل واحد منكم خالف هذه التوجيهات ستكون عقوبته مضاعفة ،فكان الأولى أن يتم التطبيق على المسؤولين الكبار لا بالعكس.
{ما رأيكم في فقه التحلل ؟
إن الحكومة ابتدعت مصطلحا جديدا اسمته (فقه التحلل) ،وهو أن إنسان يسرق مالاً عاماً، ولكن بدل أن يعاقب يطالبونه بإعادة ما سرقه ويكون قد تحلل ، والتحلل معروف في الشريعة الإسلامية ،أنه مختص بالحجاج الذين يؤدون مراسم معينة ويتحللون تحللا أصغر. أما التحلل في مجال الكسب غير المشروع فيتم إذا دخل عليك مال عن طريق الخطأ تتحلل منه بإرجاعه إلى أصحابه، ولكن أن يستغل مسؤول نفوذه وسلطته لنهب المال العام أو الخاص، وتكون العقوبة مصادرة الأموال التي اكتسبها، ولكن أين الأرباح والضرر الذي أصاب المجتمع من هذا التصرف ، يجب أن يعاقب عليها المسؤول، سواء كانت سجناً أو قتلاً ، حتى يكون عبرة ولكن ما نراه الآن من محاكمة في محاكم النظام العام على بعض الأفراد على سرقات، ربما يكونون هم في حاجة للطعام والشراب فيمدون أيديهم لهذا أو ذاك، ينبغي ألا يحاكموا ويجب أن تعالج مشاكلهم لأن من مهمة الدولة أن توفر للمواطن المأكل والمشرب والمأوى والملبس والتعليم والعلاج، كل هذه الضرورات من واجبات الدولة فإن وفرتها للمواطن ، ثم اعتدى بعد ذلك يكون هذا إنسان خرج، وبالتالي يعاقب ولكن ما نراه الآن عقوبات تطبق على صغار المواطنين والمستضعفين، والكبار بدل أن يعاقبوا يكافأوا بمثل هذه المفاهيم غير الصحيحة.
* هل تعتقد ان الإسلاميين قد فشلوا في تطبيق الشريعة؟
أنا أتصور أنهم قد اصطدموا بالواقع، وكانت هي مجرد شعارات رفعت دخلوا بها نظام مايو الذي تسرع وأصدر تشريعات دون دراسة مسبقة متأنية ، وعندما وصلوا هم للسلطة وجدوا أن هنالك صعوبة في التطبيق، صعوبة بسبب الأشياء التي ذكرتها سابقاً ، والضغط الدولي لأن العالم الآن يعتبر الكثير من العقوبات التي تطبق قاسية، وغير إنسانية مع أنها لو طبقت بالمعايير الإسلامية تكون عقوبات رحيمة، لأن تعريف السرقة نفسه في الإسلام تعريف دقيق لا يمكن أن يتم إلا في ظل مجتمع مستحدث .
*وكيف يتم تقييم تطبيق الحدود الشرعية
مثلاً تعريف الزنا على مر تاريخ الإسلام لم يعاقب إنسان على جريمة الزنا ،نتيجة لشهود وإنما بإقراره .ولكن لو حاولنا تطبيق معايير الشهود من الصعوبة أن يتم تطبيقها على جريمة الزنا ،وهكذا بقية العقوبات. واعتقد تراجعهم جاء نتيجة للهزيمة التي واجهوها من خلال ضغوط الواقع والمجتمع الدولي، ومن خلال أن كثيراً من المتنفذين في الدولة هم مارسوا ممارسات فيها تجاوزات شرعية، وبالتالي إذا عوقب هؤلاء ستكون عقوبة عليهم، والأمر الأخير أنهم دخلوا إلى الحكم دون برامج مسبقة وبطريقة فيها نوع من التسرع لأن إدارة الحكم تختلف عن إدارة التنظيمات الطلابية كانت أم الحزبية الحكم متشعب ولديه علاقات كثيرة وظنوا أنه من خلال الشعارات يمكن أن يقدموا البديل، ولكن وجدوا أن البديل صعب وبدل أن يعترفوا ويعيدوا الأمر لأهله ليتناقشوا استمروا في المكابرة، وبالتالي هذه النتيجة التي نراها اليوم من تراجع كبير جداً للمشروع الإسلامي، ومن اتهام لكافة الإسلاميين بأنهم لا يملكون برامج للحكم وهكذا .
* البعض دعا لإعادة النظر في ” شعار الاسلام هو الحل” ؟
الإسلام هو الحل أنا لا زلت أؤمن بذلك .ولكن الحل بمجهودنا واجتهادنا، الإسلام لم يبت في القضايا المتعلقة بالمجتمع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والعلاقات الدولية فقط، بل الإسلام وضع مبادئ عامة وترك أمر التشريع والاجتهاد والتقنين للمسلمين ،بحسب كل زمان، هذا ما نسميه نحن بالسياسة الشرعية ،ولابد من التمييز .وهنالك أحكام إسلامية ثابتة محصورة في العقيدة والعبادة وأصول الأخلاق، وهنالك أحكام إسلامية متغيرة حسب تغير الزمان والمكان ومن ضمنها قضايا الحكم . الإسلام هو الحل بمجهود المسلمين وباجتهادهم وبتقييم الأحكام والتعاليم ومراعاة لتغيرات الزمان ، لكن أن تأتي فقط بشعار دون أن تحول هذا الشعار، ودون أن تراعي الواقع، سيهزمك هذا الواقع ،وتكون ألحقت الضرر بالإسلام، اعتقد أن مستقبل الإسلام وكل من يرفع شعار الإسلام، لابد له أن يحول هذا الشعار لبرامج، ويتم تطبيقها حتى تثبت انها برامج مفيد. ة لأن عالم اليوم لا يعتمد على مجرد الأماني ولابد من تقديم نموذج عملي .. أما اتهام شخص بأنه سرق فالسرقة لديها ضوابط محددة ،لابد أن ترفع القضية للمحكمة وبعدها توقع عليه العقوبة الشرعية، لأن يؤخذ إنسان متهما ويعاقب بهذه الطريقة البشعة،التى تم تداولها في الواتساب مؤخرا، أنا اعتقد أن هذه الصورة بشعة، وإذا صحت هذه الواقعة، ينبغي أن يتم معاقبة من قاموا به عقاباً رادعاً .. ولكن من ناحية يفيد هذا التصرف من هذا المنهج، الذي سارت به الدولة، يفرز مثل هذه التصرفات والسلوك المشين ولذلك الصحيح، أنه لابد من مراجعة الموقف بصورة جيدة .وهذا الموضوع يحتاج إلى مجهود تربوي ونفسي وديني وتعليمي، لنغير هذه الصورة القبيحة التي ظهرت على مواقع التواصل ، لأنها لا تشبه الإسلام ولا المسلمين ، ولا تشبه الإنسانية ولا طبيعة المجتمع السوداني المتسامح.