تقارير

وحدة "الوطني" و"الشعبي".. أشواق وسط (أشواك) سياسية

فرضتها ظروف إقليمية ومحلية
تقرير- محمد إبراهيم الحاج
مع إشراقة كل يوم جديد يبدو أن خطوات التقارب بين “المؤتمر الوطني” و”الشعبي” تحث خطاها بأسرع من قبله.. وثمة فوارق متعددة في طريقها إلى الذوبان والتلاشي.. مع كل صباح تبدو المرارات التي تنزلت في الحلوق جراء مفاصلة بدأت في (رمضان) وتغذت بتصريحات منفرة وإجراءات صارمة اتخذها “الوطني” ضد شركاء الأمس في طريقها إلى التلاشي وتصبح جزءاً من الماضي.
المؤتمر الشعبي بات الآن أكثر الأحزاب قرباً من المؤتمر الوطني.. هذا القرب تتقاصر مسافاته يوماً بعد آخر.. حتى إن الناطق باسم الشعبي “كمال عمر” الذي كان أشد الخصوم حدة تجاه الحكومة والوطني.. أصبح الآن بمثابة (حمامة سلام) تسعى لتقريب شقة الخلاف.. وربما أن الأمر يتعدى تصريحات ايجابية من هنا وهناك إلى أن يتشكل موقف إسلامي جمعي بحتمية وجود تقارب إسلامي.
تحسس الوجود…
بدأ الإسلاميون السودانيون يتحسسون وجودهم خاصة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي التي انتظمت منطقة الشرق الأوسط.. خوف الإسلاميين من تكتل علماني قد يطيح بهم من لعبة السياسة أدى إلى استشعار خطر نفيهم خارج أسوار السياسة، ولهذا فإنهم تيقنوا بضرورة اغتنام كل الفرص التي قد تتاح لهم لتشكيل منظومة إسلامية قوية قادرة على التصدي لأية محاولات لإقصائهم.. بل إنه حتى في بعض الأحيان بدأ بعضهم يتحدث عن مشروع (أهل القبلة) الذي يضم كل القوى الإسلامية في داخله.. ولكن صعوبة هذا الأمر في الوقت الحالي بالذات قصر سقف طموح الإسلاميين إلى أن يكون الحلف القادم حلفاً بين القوى التي من الممكن أن تكون قواسم جمعها أكبر مما يبعدها.. ويضم الحزبين الأكثر تأثيراً في الساحة الإسلامية اليوم وهما “المؤتمر الشعبي” و”المؤتمر الوطني”.
“كمال عمر” تحدث قبل يومين عن أن الوحدة بين “الشعبي” و”الوطني” سوف تكون هدفاً استراتيجياً بعد انتهاء مرحلة الحوار الوطني، وحديث “عمر” رغم أنه ليس جديداً كشوق إسلامي يتطلع إلى الوحدة، إلا أنه يأتي متزامناً مع مرحلة تمر بها البلاد بانتظام عدد من القوى السياسية وقوى المجتمع في حوار مدته ثلاثة أشهر للتراضي حول عدد من القضايا الملحة.

انقلاب.. ثم عودة
عشرة أعوام قضاها “د. حسن عبد الله الترابي” عراباً للإنقاذ.. ثم كان الانقلاب الذي أطاح به من رئاسة البرلمان الذي تم حله بقرارات من الرئيس “عمر حسن أحمد البشير”، وأطيح كذلك “الترابي” من رئاسة الحركة الإسلامية، لتحدث المفاصلة الإسلامية الشهيرة التي أنتجت قيام حزب المؤتمر الشعبي برئاسة “الترابي”، وكان معارضاً شرساً جرب بيوت الاعتقال كثيراً، وظل يرفض دعوات الحوار والمشاركة في أي نشاط للحزب الحاكم. وصار “المؤتمر الشعبي” أكثر المعارضين حدة وشراسة وصار منسوبوه دائمي الدخول في المعتقلات السياسية.
ولكن بعد اندلاع ثورات الربيع العربي بدأت نقطة التحول الكبيرة في كثير من مواقف المؤتمر الشعبي، وبدأ أولاً بتجميد عضويته في التحالف المعارض، وصار “الترابي” ضيفاً أساسياً في كل اللقاءات التي يدعو لها المؤتمر الوطني، بل إن “الترابي” الذي خرج من البرلمان مطروداً عاد إليه مرة أخرى، ولكنه هذه المرة ضيفاً رغم أن كاميرا الصحافيين ومسجلاتهم كانت تحاصره في كل حركاته وسكناته في المجلس الوطني، ثم مطالبة الأمين العام للحركة الإسلامية “الزبير محمد الحسن” التي دعا من خلالها صراحة إلى ضرورة وحدة الإسلاميين لتشكيل حزب إسلامي قوي يتصدى لما يعتقد أنها مؤامرات من العلمانيين، ثم بدأت تسريبات إعلامية مكثفة عن لقاء سري جمع “البشير” بـ”الترابي”، وكالت قوى المعارضة النقد اللاذع للمؤتمر الشعبي بعد تلك المواقف، ولكن الشعبي لم يكترث كثيراً ومضى يحث خطاه نحو التقارب مع المؤتمر الوطني.
الأنباء التي راجت مؤخراً عن أن الدكتور “الترابي” في طريقه إلى مغادرة المسرح السياسي برمته، وتفرغه إلى الكتابة وللشأن الإسلامي العالمي ربما كانت نتاج اتفاقات خاصة بعد تصريح أحد قادة المؤتمر الشعبي بذلك، ولكن هل ستسهم مغادرة “الترابي” في تقارب صفوف الشعبي والوطني، أم إنها سوف تكون معيقاً لها، يجيب على ذلك “د. الطيب زين العابدين” المفكر الإسلامي الذي يؤكد أن وحدة الحزبين ممكنة إذا غادر “الترابي” المسرح السياسي والتنظيمي ولم توكل له أية مهام في الفترة المقبلة، وأضاف: من الممكن أن تكون هدفاً واقعياً إذا أصبح “الترابي” غير موجود في الواجهة، فهو يعتقد – أي د. الطيب – أن الخلاف السابق بين الإسلاميين كان فوقياً ولم يكن على مستوى القواعد، مدللاً على ذلك بأن كثيراً من قادة المؤتمر الشعبي تحولوا إلى الوطني مثل “محمد الحسن الأمين” و”حاج ماجد سوار” و”الحاج آدم” ووجدوا مواقع بسهولة ويسر لأنهم يعرفون بعضهم البعض جيداً، لافتاً إلى أن المؤتمر الوطني من الممكن أن يساعد “الترابي” على خطوته في التفرغ للكتابة والعمل على مناقشة هموم المسلمين في العالم، ومن الممكن أن يساعدوه في إصدار مجلة أو غيرها.

النظام الخالف..
حملت ورقة “النظام الخالف”، مراجعات وتقييماً كاملاً لتجربة الإسلاميين في حكم السودان، فضلاً عن تجربة المؤتمرين الشعبي الذي يقوده، والوطني الحاكم، ولا سيما أن الورقة حددت أهدافها بخلق تحالف عريض في شكل حزب واسع، وفي إطار شراكة سياسية جديدة تضم الإسلاميين بطوائفهم المختلفة، بمن فيهم ذوو الخلفيات الإسلامية كالسلفيين والتيارات الصوفية والأحزاب الطائفية.
وشددت الورقة على أهمية “الاستفادة من تجربة الإسلاميين، في ما يتصل بقضايا الحريات والتنوع، عبر التركيز على الإيجابيات وتطويرها وتلافي السلبيات بما يتناسب والتطور الطبيعي للحياة”.
وأقرّت الورقة أن يخلف الحزب الجديد الأحزاب الإسلامية القائمة، بما فيها المؤتمر الشعبي والمؤتمر الوطني الذي رهنت الورقة حلّه بقيام الحزب الجديد وفي ظل نظام ديمقراطي.
 واستند المؤتمر الشعبي في رؤيته الجديدة على التطور التدريجي للحركة الإسلامية التي بدأت بتأسيس الجبهة الإسلامية للدستور في 1954 ثم جبهة الميثاق في 1965 والجبهة الإسلامية القومية في عام 1985، وحملت نقداً ذاتياً للتجربة الإسلامية ومراجعات شاملة، فضلاً عن تطوير لمفاهيم الحركة الإسلامية نفسها والمنعطفات التي مرّت بها.
و”الترابي” يولي الورقة بالغ اهتمامه ويشرف شخصياً على تنفيذ المشروع باعتبار أن أكثر ما يشغله في الفترة الأخيرة توحيد الإسلاميين برؤية جديدة، لتلافي سلبيات حكم النظام الحالي الذي يحمل الرجل وزره باعتباره مهندس الانقلاب الذي تم في 1989، ولا يستبعد “د.الطيب زين العابدين” في حديثه لـ(المجهر) هذا التقارب والائتلاف قائلاً إن موقف الشعبي عموماً وخاصة بعد الأوراق التي قدمها ينم عن اتجاهات وطموحات عالمية خاصة بعد رفض الحكومة لموضوع الحكومة الانتقالية، وأضاف: أعتقد أن المؤتمر الشعبي عمل سقوفات عالية في الحريات والانتقالية ومعايش الناس، ورغم أنني لم أر كل الأوراق ولكن أتوقع أن تكون فيها روح عالية والوطني لن ينفذها والمؤتمر الشعبي يدرك ذلك، وأعتقد أنهم في النهاية سيدعون إلى وحدة أهل القبلة التي تضم كل الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية مثل (الأمة) و(الاتحادي) و(أنصار السنة)، ولكن هذه الأحزاب لن تقبل الذوبان في المؤتمر الوطني لقيمتها الكبيرة، ولن يرضى “الصادق المهدي” مثلاً حتى وأن عرض عليه أن يكون رئيساً للحزب، ولكن الحد الأدنى من الممكن أن يتحقق وهو وحدة الحركة الإسلامية، وأن يعودوا كما كانوا قبل المفاصلة موحدين لأن ما حدث للإسلاميين في الربيع العربي لا يريدونه أن يحدث في السودان.
على المحك..
استشعار الإسلاميين الذين بيدهم السلطة الآن وجودهم، يفرض عليهم حتمية التوحد ولو في حدها الأدنى.. هو أمر يدركه قادة الحزبين الكبيرين، لأن ذات روح قرب التوحد تتمثل الآن في أحاديث قادة الوطني، و”د. مصطفى عثمان إسماعيل” يرحب بوحدة الإسلاميين، مؤكداً أنها ستساعد في خلق مناخ سياسي يسهم في حل قضايا البلاد، وأكد أن وحدة الخلفيات والكيانات الإسلامية المشتركة مطلوبة، داعياً هذه المكونات للالتفاف حول الوحدة الوطنية لمجابهة التحديات التي تواجه البلاد.
وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب مزيداً من التكاتف لتحقيق الأمن والاستقرار بالسودان، ومضى قائلاً “الوطني لا مانع لديه في إقامة وحدة إسلامية جامعة تستوعب جميع الكيانات الإسلامية ذات الاتجاه المشترك”.
وأعرب “إسماعيل” عن أمله في أن تسهم هذه الوحدة في عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي بالبلاد.
تقلبات السياسة التي قذفت بالمؤتمر الشعبي خارج صنع القرار في البلاد لمدة تزيد عن 15 عاماً ربما هي ذاتها التي تقوده الآن فاعلاً أساسياً فيه.. هذه اللعبة السياسية ربما في تحالفاتها وتقاطعاتها وميكافيليتها لا تضع بال الوطن ومشاكله المتعددة في أولوياتها.. بقدر وضعها إعلاء الايدولوجيات كأولوية.. ربما ما يصرح به قادة الحزبين من أن الأولوية للوطن تأتي في سياق التخدير للآخرين، ولكن ما يعن للناس هو أن هم التوحد الايدولوجي يسبق كل الخطوات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية