قلبه مع أبيه، وعقله مع الحكومة : عبد الرحمن المهدي.. سر الصفقة!
في حالة اعتراف نادرة، وربما غير مقصودة، كشف رئيس العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الوطني – الحاكم ــ إبراهيم غندور عن وجود صفقة تم بموجبها تعيين النجل الأكبر لرئيس حزب الأمة القومي المعارض عبد الرحمن المهدى في منصب مساعد رئيس الجمهورية خلال تكوين حكومة القاعدة العريضة. وجاء اعتراف غندور في سياق الدفاع عن حزبه من هجوم تعرض له من قبل الأمين العام لحزب الأمة القومي بالذات إبراهيم الأمين بسبب الأوضاع الاقتصادية الراهنة قائلاً: “إنه كان سيكشف سر وتفاصيل هذه الصفقة لولا أن المجالس أمانات”. ويعيد مثل هذا الاعتراف تساؤلات قديمة – متجددة حول مشاركة نجل المهدي في الحكومة التي يعارضها وفي منصب كبير وحساس في القصر الجمهوري. حيث ظل المهدي وقيادات الحزب يؤكدون، وباستمرار، أن عبد الرحمن المهدي يشارك بنفسه فقط ولا يمثل الحزب ومؤسساته، وآخرها ما قاله الأمين العام للحزب: “إن عبد الرحمن المهدي ليس له منصب قيادي في الحزب في الوقت الحالي، وهو يمثل نفسه في القصر الجمهوري، وليس للحزب أي ارتباط تنظيمي معه في الوقت الحالي”.
ومع أن الحكومة بدأت في تقليص عدد الدستوريين من مساعدين للرئيس ومستشارين له ووزراء في ظل سياسة التقشف التي أعلنتها لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، إلا أن (المجهر) قد علمت من مصادر متطابقة أن نجل المهدي، ومعه نجل زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني لن يغادرا القصر الجمهوري؛ وبالتالي لن تطالهما يد الترتيبات الجديدة. وقال أحد هذه المصادر ــ بعد أن اشترط عدم ذكر اسمه صراحة ــ “إن عبد الرحمن المهدي سيبقى في القصر الجمهوري ولن تطاله يد السياسات التقشفية الجديدة. عبد الرحمن المهدي ومعه ابن الميرغني دخلا إلى القصر الجمهوري وفقاً لمعادلات سياسية، وسيظلان في مواقعهما ما دامت هذه المعادلات موجودة”. وأضافت المصادر التي كانت تتحدث عبر الهاتف للصحيفة يوم أمس أن “الحكومة ترى أن نجل المهدي متسق مع سياسات الحكومة العامة، ويقوم بدوره على الوجه الأكمل، وهو إضافة جيدة للقصر الجمهوري”. وجاء تعيين ابن المهدي بعد محاولات شديدة ومتكررة من حزب المؤتمر الوطني لإشراك الأحزاب الكبيرة (الأمة والاتحادي) في الحكومة التي أعقبت انفصال جنوب السودان عنه والتي سميت بحكومة القاعدة العريضة. وبعد طول انتظار وعمليات شد وجذب واجتماعات ومناقشات داخل هذه الأحزاب شارك ابن المهدي فيها، مع أن الحزب وقتها قال إن ابن المهدي لا يمثل الحزب ولا مؤسساته وإنما يمثل نفسه فقط. ونقلت وسائط إعلامية وقتها أن هنالك صفقة ما تمت بين الحزب الحاكم وحزب الأمة القومي المعارض بتعيين عبد الرحمن في القصر الجمهوري مقابل ألا يلجأ حزب الأمة القومي إلى خيار قلب نظام الحكم القائم بالقوة كما ينادي بذلك حزبا المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي والحزب الشيوعي السوداني، وإنما ينتهج سياسة التغيير الناعم، خاصة وأن حزب الأمة قد شهد انقساماً كبيراً بين التيار الرافض للمشاركة في الحكومة العريضة والمؤيد لها، وهو ما حسمه المهدي في خطاب شهير بمقر الحزب بأمدرمان ورفض المشاركة فيها عندما وضع شروطاً تعجيزية للمشاركة تشمل في ما تشمل تكوين حكومة انتقالية جديدة، وهو ما رفضه حزب المؤتمر الوطني بطبيعة الحال. وما يفسر هذه الفرضية هو مبادرة السلام التي تقدم بها حزب الأمة القومي، الأسبوع الماضي، وقال إنها تستهدف جميع القوى السياسية والحركات المسلحة في دارفور والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال ــ ومنظمات المجتمع المدني، بل وسلم نسخة منها إلى الحزب الحاكم. وقال المهدي خلال تدشينه للمبادرة إنها تسعى إلى تجنيب البلاد ما وصفها بخطر “الحريق والفوضى” إذا لم يتم التعامل مع مبادرته التي دشنها في وقت كانت فيه القوى السياسية المعارضة تحاول أن تستجمع قواها، وتضغط على الحكومة، ومن ثم تسقطها لأنها تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وسخطاً شعبياً بسبب حزمة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها مؤخراً.
ومنذ أدائه القسم كمساعد لرئيس الجمهورية خلال الأشهر الماضية، عُهد إلى نجل المهدي ملف العلاقات بين السودان وجنوب السودان. واستلم الملف في فترة صعبة جداً وصلت إلى حد أن احتل جيش السودان منطقة هجليج الغنية بالنفط، ووصلت التصريحات المتبادلة بين قادة البلدين الى حد التهديد بالحرب الشاملة. إزاء ذلك وجد عبد الرحمن المهدي صاحب الخبرة العسكرية الجيدة نفسه في مأزق صعب، كما قال المحلل السياسي عبد الرحمن الدومة. وأضاف الدومة، الذي كان يتحدث (للمجهر) خلال اتصال هاتفي يوم أمس: “إن المهدي لم يغير شيئاً في المهمة الموكلة إليه؛ بسبب تشابكها من جهة، وعدم الخبرة الكافية له في هذا الملف، هذا فضلاً عن أنه لا توجد لديه أي صلاحيات للتحرك أو التفكير بشكل مختلف”. ويرى الدومة وهو خبير أيضاً في شئون حزب الأمة أن “تجربة عبد الرحمن المهدي في حكومة القاعدة العريضة كانت خصماً عليه وعلى حزبه وعلى والده الصادق المهدي؛ بسبب أن كثيراً من قوى المعارضة تقول إن لديه أجندة ما مع حزب المؤتمر الوطني”.
ويلاحظ أن عبد الرحمن المهدي يحرص على البيانات المكتوبة بعناية شديدة خلال المخاطبات الجماهيرية الكبيرة، وليس من المعروف من هو الذي يكتب له البيانات، هل يكتبها بنفسه، أم يكتبها موظفو القصر الجمهوري المعنيون بهذا الأمر. وفي هذا الصدد يقول الدومة: “لا يريد نجل المهدي أن يسقط في أي تصريح أو عبارة تُحسب عليه، خاصة وأنه في وضعية شديدة الحساسية، فهو لا يريد أن يكتوي بنيران الحكومة ولا يريد أن يطأ رمضاء أبيه وطائفة الأنصار”. ومع كل هذا الحرص إلا أن نجل المهدي وجد نفسه في موقف لا يُحسد عليه، عندما كان يخاطب الجماهير الكبيرة والمندفعة والمتحمسة في الساحة الخضراء عقب تحرير هجليج؛ ذلك أن كل الذين سبقوه في الكلام من المسئولين كانوا يُحمِّسون الجماهير ويقولون إنهم يريدون الدخول إلى جوبا، بينما كان ابن المهدي يقرأ من ورقة، ويدعو إلى السلام وحسن الجوار، وهذا ما رفضته الجماهير وقتها!