تقارير

أورنيك (15) الورقي.. مشهد الوداع الأخير

محرقة بـ”جبل طورية”.. وتسليم نماذج منه لدار الوثائق
الخرطوم – سيف جامع
تطبيق مشروع التحصيل الإلكتروني بالبلاد يعدّ تحدياً كبيراً لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، إذ إنه ما زال في بداياته ويحتاج إلى وقت حتى يتسنى للوزارة تقييم التجربة التي نفذت في بداية يونيو الماضي وحققت نجاحاً كبيراً في المحافظة على إيرادات الدولة ومنع الفساد في المال العام. ويحظى التحصيل بدعم كبير من أعلى هرم الدولة، حيث إن رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” يدعم المشروع ويقف على مراحل تنفيذه يوماً بيوم، بالإضافة إلى نواب الرئيس وولاة الولايات ووزراء المالية، وعدّه النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” (يوقف العضة) في إشارة منه لحالات اختلاس المال العام أثناء التحصيل الورقي.
بالأمس احتفلت وزارة المالية وديوان الحسابات بإبادة أورنيك (15) الورقي معلنة انتهاء عهده وأنه لا رجعة إليه، وأقيمت في باحة الوزارة محرقة رمزية أشعل فيها وزير الدولة بالمالية “عبد الرحمن ضرار” عود الثقاب في الأرانيك الورقية التي بلغت في جملتها (108245) تمت تعبئتها في (778) جوالاً واكتمل نقلها بأكثر من (10) شاحنات ليتم حرقها في منطقة “جبل طورية” غرب أم درمان.
مشهد وداع أورنيك (15) الورقي بحرقه كان حزيناً بالنسبة للمتحصلين الذين اعتادوه وألفوا صوت خشخشته ورائحته المميزة، ووقف بعض من موظفي المالية حضوراً في لحظات تشييعه إلى مثواه الأخير قبل أن تشتعل فيه النيران وتحوله إلى رماد يتطاير في سماء أم درمان، وحرص عدد من الحضور على توثيق الحدث بكاميرات هواتفهم النقالة. وقال مدير عام ديوان الحسابات “هشام آدم مهدي” إن وداع العمل بأورنيك (15) الورقي حزين، لكنه مفرح في ذات الوقت، وأشار إلى أن المشروع واجه مقاومة ناعمة لكن نحن قادرون عليها.
وفي رده على سؤال (المجهر) حول ماذا لو تمت إعادة هذه الكميات الكبيرة من الإيصالات الورقية ليستفاد منها في صناعات أخرى، قال رئيس اللجنة العليا للحريق “محمد طاهر محمد أحمد” إن أورنيك (15) الورقي خطر جداً، ولا يضمنون ذهابه لأية جهة لتستفيد منه في تحويله لصناعة أخرى، لذلك تم حرق الكمية التي جمعت، وأكد حرق (93667) أورنيك ورقياً و(11,200) من أرونيك (76) المعاون و(3378) أرونيك جمعت من مطابع السودان للعملة، مشيراً إلى أن هذه الأرانيك جمعت من (293) وحدة حكومية مركزية، مشيراً إلى أن أربع ولايات أيضاً حرقت الأورنيك الورقي، منها: غرب ووسط دارفور، البحر الأحمر، سنار والنيل الأزرق.
وبدت قيادات وزارة المالية والجهات ذات الصلة متحمسة وأكثر نشوة وسعادة بنجاح المشروع الذي طالما راهن وزير المالية “بدر الدين محمود” على نجاحه حينما أعلنه، لا سيما وأن المشروع واجه بعض النقد من جماعات الضغط، وهذا ما تحدث عنه وزير المالية صراحة بتصريحه السابق الذي قال فيه إن المتلاعبين والمتجاوزين يقودون مقاومة شرسة لنظام التحصيل الإلكتروني الذي يقف ضد مصالحهم الشخصية، وألحقه أمس وزير الدولة بالمالية “مجدي يس” بحديث مماثل بقوله: (هنالك ضغط من وسائل إعلام ومنتفعين، لكن الوزارة صبرت على ذلك طوال الخمس أشهر الماضية).
ويقول وزير الدولة بالمالية “عبد الرحمن ضرار” إن التحصيل المالي بدأ باستخدام الكشوفات المالية ثم انتقل إلى الأرانيك التي تحمل الكربونات وكان في ذلك مخاطر عالية جداً، بحيث لا يطمئن دافع الضريبة، إلى أن وصلنا إلى أورنيك (15) الورقي بمزيد من الضبط في 2004، ثم انتقلنا اليوم لنودعه واستبداله بالإلكتروني. وأشار “ضرار” إلى أن نجاح المشروع إنجاز كبير لوزير المالية “بدر الدين محمود”، ولابد أن نشكر رئاسة الجمهورية التي أصدرت توجيهات للولاة والوزراء بالمضي قدماً في المشروع لأنه مشروع حكومة السودان ويحقق الطمأنينة لدى دافعي الضريبة، كما لابد أن نشكر مركز النيل للدراسات التقنية.
وخلال الاحتفال بإبادة الأورنيك الورقي سلم وزير الدولة بالمالية “عبد الرحمن ضرار” دار الوثائق القومية الدفاتر المحاسبية الورقية، معلناً نهاية عهد التحصيل الورقي وانتظام العمل بأورنيك (15) الإلكتروني في أنحاء البلاد كافة. وقال في احتفال الوزارة بإبادة أورنيك (15) إن الحدث يمثل تاريخ الإصلاح الاقتصادي بالسودان، مؤكداً أن نظام التحصيل الإلكتروني استقر في جميع ولايات السودان بما فيها التي تشهد اضطرابات أمنية، مبيناً أنه أصبح واقعاً معاشاً بعد أن كنا مشفقين عليه يوم انطلاقته بداية يونيو الماضي.
ويؤكد “ضرار” أن مشروع التحصيل الإلكتروني يحقق الطمأنينة لدافعي الرسوم والضرائب، وبعث الثقة بأن الذي يدفعونه يذهب للخدمات، فيما يقول وزير الدولة بالمالية “مجدي حسين” إن التحصيل الإلكتروني نقل الاقتصاد الوطني إلى مرحلة جديدة يستخدم فيها التقنية، رغم الضغط من قبل الإعلام والمنتفعين، لكن الوزارة صبرت على ذلك طوال الخمسة أشهر الماضية.
ويرى مراقبون أن التحصيل الإلكتروني سيحد من حالات الاعتداء على المال العام، وينهي ما يسمى بتجنيب الإيرادات لدى المؤسسات، ويحقق ولاية وزارة المالية على المال العام، وكان أن اكتشفت وزارة المالية بداية تطبيق المشروع جملة من الممارسات الخاطئة والتجاوزات وشبهات الفساد في تحصيل الرسوم.
وتشير وزارة المالية إلى أنها عقب تطبيق أورنيك (15) الإلكتروني اكتشفت أكثر من (40) رسماً غير قانوني يتم تحصيله خارج أورنيك (15) الورقي وفق مسميات مختلفة، بجانب رسوم يتم تحصيلها دون علم المسؤولين في المستوى الأعلى، بالإضافة إلى كثير من الرسوم تُحصل من غير علم الرئاسة في الولايات، كما اتضح أن عدد المتحصلين في البلاد يبلغ (17) ألف متحصل ومتعاون، وهناك (36) ألف نوع من الرسوم المحصلة في السودان، قال إنه تم تقليصها إلى (25) ألف رسم حتى الآن، وأعلن عن تشكيل لجنة لمراجعة هذه الرسوم لتقليص مسمياتها.
وقد أدى تذبذب شبكة الاتصالات إلى حدوث بعض المشكلات في التحصيل الإلكتروني في بداياته، لكن وكيل وزارة المالية “مصطفى حولي” طمأن ببداية المرحلة التقنية الثانية من التحصيل الإلكتروني غداً (الجمعة) من خلال تحديث البرنامج، تشمل عدة محاور من بينها استبدال الطابعات العادية بأخرى حرارية مما يمنع تصوير الأورنيك.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية