بوادر الفشل
بوادر الفشل بدأت بوادر فشل الحوار الوطني الأسبوع الماضي بأطروحة المؤتمر الشعبي حول فترة انتقالية تقود البلاد إلى إجراء انتخابات بعد خمس سنوات من الآن، ورد المؤتمر الوطني على لسان نائب رئيس الحزب المهندس “إبراهيم محمود” يرفض الوطني من حيث المبدأ فكرة حكومة انتقالية، وتمسك بالآجال المنصوص عليها في الدستور بإكمال الحكومة الحالية لدورتها التي تنتهي بعد خمس سنوات من الآن.. لكن “إبراهيم” ترك الباب موارباً لدخول الأحزاب التي تخوض الحوار الآن في الحكومة بعد الاتفاق على مخرجات الحوار. وقضية الحكومة الانتقالية إذا ما قفز إليها قادة الأحزاب مسرعين نحو السلطة فإنها (ستهدم) كل المعاني والمقاصد التي من أجلها دعا الرئيس “البشير” للحوار الوطني الذي يمثل فرصة تاريخية للاتفاق أولاً على الثوابت الوطنية ونظام الحكم، ويؤسس لقاعدة تراضٍ واسعة لمكونات الساحة الاجتماعية والسياسية على دستور جديد ينهي حالة النزاع المتطاول منذ 1956م وحتى اليوم بين الأحزاب حول صيغة ومسودة دستورية يجد على الأقل الرضا من (70%) من سكان البلاد المنشغلين بقضايا السياسة والحكم والهوية.. لأن هناك قاعدة عريضة جداً من الناس لا شأن لها بصراعات النخب وغير معنية بالدستور ولا القانون. وأطروحة تشكيل حكومة انتقالية من شأنها نسف الحوار وهو في مهده حبيساً لم يبلغ الحلم بعد، لأن الأحزاب التي بلغ عددها أكثر من مائة حزب وربما نصفها من الحركات التي تشرزمت وتصدعت.. لكنها – لم تأتِ لقاعة الصداقة من أجل الحديث عن الهوية ولا عن الدستور القادم ولا عن توجهات السودان الخارجية، هؤلاء جاءوا من أجل السلطة.. كل شخص يمني نفسه بالوزارة.. والولاية والمعتمد والسفير ووزير الدولة.. ولو منح كل حزب وظيفة واحدة في الحكومة لما وجدت الحكومة مواقع لهؤلاء (المتهافتين) على السلطة والساعين إليها باللهفة والشوق.. وربما يقف البعض فوق الأمر الواقع ويدعون الزهد في السلطة وحتى حزب المؤتمر الوطني له شعارات غير واقعية ولا يصدقها حتى الذين يرددونها (لا لحزب قد عملنا).. الذي يسعى لبسط قيم التدين والخير.. ويتبرأ من حب السلطة والسعي إليها كما في أهازيج وأناشيد (المؤتمر الوطني)، ولكن هل من لا يريد السلطة ويسعى إليها يؤثث الدور ويصدر الصحف ويخوض الانتخابات ويدعو الناس إلى التصويت إليه.. والأحزاب التي تتحالف مع الحركات المسلحة لا هدف لها إلا السلطة، وهي تسعى للركوب على ظهر تلك الحركات المسلحة لتجلس على كراسي السلطة والحركات المسلحة تستثمر فقط في قواعد الأحزاب وكل طرف يضمر في نفسه شيئاً ضد الآخر، لكنه يخدعون أنفسهم بانتهازية (غشني ونغشك). وقد أوهمت الحكومة الناس أيام صراعها مع المؤتمر الشعبي، أن حركة العدل والمساواة ما هي إلا ذراع عسكري لـ”الترابي”.. إن شاء جعله يقتل الأبرياء في دارفور وإن شاء جاء به إلى الداخل.. وقد كشفت الأيام الماضية أكذوبة (أبوية) الشعبي لحركة العدل والمساواة والتي رفضت حتى مبدأ الاجتماع مع منسوبي المؤتمر الشعبي، بل نعتته بالتابع للمؤتمر الوطني.. وحتى الأحزاب التي ظن المؤتمر الوطني أنها حليفة له وأقرب إليه من حبل الوريد، إذا ما طرحت قضية الحكومة الانتقالية تنفض منه وتبحث عن مصالحها ومواقعها في السلطة القادمة وينصرف الجميع إلى المغانم والمواقع، وتبقى القضايا الجوهرية التي دعت الرئيس لإطلاق دعوة الحوار في انتظار آخرين، قد يأتون أو لا يأتون. نعم بالضرورة أن تشكل حكومة جديدة بعد نهاية جلسات الحوار الوطني ويقدم الرئيس تنازلات من أجل حوار دعا إليه هو ويتم إشراك بعض القوى التي شاركت في الحوار لتنفيذ مخرجاته، ولكن فكرة الحكومة الانتقالية من شأنها نسف الحوار وإجهاضه وتحريض قوى معادية للديمقراطية لتجريب حظوظها في الاستيلاء على السلطة وهدم ما بداخل المعبد وخارجه، ومثل هذا (التفكير) الاستباقي ضار جداً بمسار الحوار وموقف نائب رئيس المؤتمر الوطني أملته عليه ضرورة حماية الحوار من القفز المسبق للنتائج قبل الاتفاق على الثوابت الوطنية، وإذا كانت فكرة الحكومة الانتقالية الهدف منها تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وتهيئة المناخ للانتخابات القادمة، فإن (حكومة المهام المحددة) تصبح هي الخيار الأكثر واقعية ومقبولية حتى تنقضي آجال الدورة الحالية، وتقوم الانتخابات في موعدها بعد (5) سنوات وقد صبرت الأحزاب على الإنقاذ (25) عاماً فهل يعجزها الصبر لخمس سنوات فقط.