مسألة مستعجلة
حتى لا يصبح الشيك ورقة بلا قيمة!!
نجل الدين ادم
لا أعتقد أن مادة (يبقى إلى حين السداد) التي تعني أن يظل محرر الشيك أو المدين في السجن حتى سداد ما عليه، جاءت بالصدفة بل جاءت نتاجاً لتجارب واقعية اقتضت حفظ حق الدائن سواء أكان شخصاً او جهة اعتبارية بهذه الطريقة. لاحظت في الآونة الأخيرة أن هناك حراكاً واسعاً من بعض الناشطين يسعى إلى تعديل هذه المادة وهم يعتبرونها مجحفة في حق الشخص المدين، التعديل المراد هنا يعني أن يتحول الشيك إلى مدني.
وبحسب اطلاعي، فإن المادة (179) من القانون الجنائي الساري الآن تنص على أن كل من يحرر شيكاً بغرض الوفاء لدين أو معاملة ويرتد يعتبر مرتكب جريمة ما لم يوفِ بالسداد، ودعوة التعديل هذه تعني أن يضيع حق الدائن أي كان في شربة موية، مع تعاطفنا الشديد مع كل قابع في السجون بسبب السداد إلا أن التعديل يتناسى الأسباب الأساسية التي أعطى بموجبها المشرع الشيك قوة نافذة في التعامل بين المستفيدين، لذلك فإن أي محاولة لإعادة الشيك إلى ما كان عليه في السابق فإن ذلك سيجعل من الشيك مجرد ورقة لا قيمة مادية لها، التعاطف هنا لا يجدي مع مواد القانون لأنه يعني هزيمة قواعد التعامل الأساسية التي يتحرك بموجبها السوق ويضمن الدائن أو المتعامل حقه.
سؤال منطقي هل ستنشط البنوك في عمليات التمويل المختلفة إذا صار الشيك مدنياً .. وهل سيكون نشاطها كما الحال عندما يكون الشيك ذا قوة مادية؟ بالتأكيد لا وألف لا، وأتخيل أن تتوقف عجلة التمويل والمعاملات البنكية إلا في نطاق النقد، وهذه سلبية سيكون لها تأثير في حركة الاقتصاد القومي للبلد والتنمية والإعمار وغيرها، لذلك لا أجد نفسي متعاطفاً بالمرة مع من يقبعون بالسجون تحت بند يبقى إلى حين السداد، حيث لا يعقل أن يحرر متعامل وبتهور شيك معاملة بمليار جنيه مثلاً ويعتمد الدائن هذا الإقرار، ليأتي في النهاية ويجد الشيك (مضروباً)!، ويُطلب من الدائن ببساطة أن لا يقدم المدين للمساءلة ونكافئه نحن اليوم بتعديل جديد في القانون، تجعل الدائن يجري جري الوحش بغية استرداد حقه وفي النهاية قد يموت حسرة ويكون المستفيد طليقاً.
ورغم أن نصوص ومواد القانون جامدة في مسألة التطبيق إلا أن القائمين على أمر السجون وبالتنسيق مع الجهات ذات الصلة، يعملون كل ما في وسعهم حتى لا يبقى أحد حتى السداد، فيدفع ديوان الزكاة مثلاً للذي حرر شيكاً بخمسة أو عشرة آلاف جنيه وعجز تماماً عن السداد. وفي المقابل لا يفوت القضاء كل ما يخفف عن محرر الشيك أو المستفيد من الدين ويطبق بند الإعسار إذا أثبت المتعامل ذلك والقرآن أقر ذلك: ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:280)، وفي مقابل كل ذلك يُسهل أمر المدين القابع في السجن ويُمكن من الخروج إذا أشار إلى أن هناك بصيص أمل في رد دينه. كل هذا يقدم كتخفيف ولكن في نهاية الأمر لا يمكن تجاوز حق الآخرين أكثر من هذا الحد.
أعود وأكرر أنه بالخطورة بمكان أن ننساق وراء العاطفة ونقوم بتعديل هذه المادة المتعلقة بالدين أو تحرير الشيك، لأن ذلك يعني انهياراً في المنظومة الاقتصادية التي تتعاطى مع الشيك كصك مادي ذي قيمة مالية ولنا عودة .