المشهد السياسي
لا حكم رشيد بلا معارضة راشدة..!
موسى يعقوب
تعرف المعارضة في البلاد الديمقراطية بأنها (حكومة الظل) أو الخلف والبديل للحاكم عندما يحين وقت رحيله، أو عندما تقتضي الضرورات ذلك أو يقتنع الشعب صاحب المصلحة والرأي والصوت الانتخابي.
ولهذا السبب فإن أحزاب المعارضة يلزمها أن تلتزم بالنهج السليم والراشد في عملها وحراكها الاعتراضي (قبولاً) أو (رفضاً) لما يصدر عن الطرف الآخر أي الحاكم.. حتى يقتنع المواطن صاحب المصلحة بأنها البديل الراشد والمناسب للحاكم الذي يلزمه من جانبه أن يعلم أن المعارضة هي (الخلف) لخير (سلف) إن صح التعبير.. فلا حكم راشد بلا معارضة راشدة.
غير أن المراقب والمتابع للحراك الاعتراضي في بلادنا ومنذ أزمنة وحقب مختلفة يجد أن الفجوة بين المعارضة والحكم بعيدة وتقوم على (محو آثار) الآخر وعدم الاعتراف له بأية عمل خير أو إنجاز في عهده، ومن ذلك طرح بعض الأحزاب بعد الانتفاضة في 6 رجب – أبريل 1985 لشعار (محو آثار مايو…!!) والذي ذهب ضحيته تصفية جهاز الأمن الوطني وما ترك خلفه مما كان خسارة كبيرة للبلاد.
وذلك شأن ما حدث بعد ثورة الحادي والعشرين من أكتوبر 1964 والذي ذهبت ضحيته الخبرات في الخدمة المدنية والإدارة الأهلية، فليس في بلادنا من ثقافة اعتراضية تؤسس على المصلحة الوطنية والعامة.
ولِمَ نذهب بعيداً اليوم وقد كانت لأحزاب المعارضة في بلادنا برامج وشعارات لا تعرف إلا خلع النظام والإطاحة به (عسراً) وليس (يسراً).. وحتى إذا ما كانت الضربة الجوية الأمريكية لمصنع الشفاء للدواء بالمنطقة الصناعية بحري.. قال أحد زعماء المعارضة في الخارج يومئذٍ (رب غارة نافعة..!)
إن المعارضة في بلادنا لن تكون راشدة وخير خلف لمن سلف إلا إذا ما عملت بمبدأ وثقافة (حكومة الظل).. الشيء الذي يبدو بعيداً اليوم.. فالمعارضة لا ترى إلا بعين من يريد إسقاط النظام بكل الوسائل.. وعليه فهناك ما يستحق النظر والأخذ في الاعتبار تلافياً لما سبق من أخطاء يعترف بها بعد الثورة في أكتوبر 1964م والانتفاضة في رجب – أبريل 1985.
هناك أمران يحدثان هذه الأيام وكان لابد من الإشارة إليهما والإشادة بهما وبمردودهما على المصلحة العامة السودانية وهما:
أولاً: مخرجات ونتائج زيارة السيد الرئيس الأخيرة للمملكة العربية السعودية واهتمام جلالة الملك “سلمان” بالعلاقة بين البلدين. ثانياً: اتفاق السلام الأخير بين الحكومة والمعارضة في دولة الجنوب.
إن الدفعة الاقتصادية والتنموية التي أتى بها التوقيع على ثلاث سدود مائية وكهربائية بأكثر من مليار دولار، وما لزمها وتبعها من التزامات فنية وأخرى متصلة بالعلاقة بين رجال الأعمال والمال في البلدين، يعد عملاً يستحق الإشارة إليه والإشادة به، فالزراعة والصناعة في السودان تكون لهما الخصوصية في المستقبل.. والعلاقة بين البلدين وبرعاية خاصة من جلالة الملك “سلمان” تفتح الباب لغير ذلك من علاقات ومصالح ومنافع تدفع بالبلاد إلى الأمام.
أما اتفاق السلام والاستقرار في جنوب السودان وقد تم التوقيع عليه بين الأطراف ذات الصلة وبرقابة وتطلع دولي وإقليمي، فستكون له مردوداته الإيجابية على جمهورية الجنوب في المقام الأول وجمهورية السودان بالضرورة والنتيجة.
ذلك أنه سيدفع بالأمن والاستقرار وحسن العلاقات وتبادل المنافع والمصالح بين البلدين اللذين بينهما الكثير مما يدعو لذلك.
وما يقال في هذيت الأمرين (الاتفاق مع المملكة العربية السعودية – والسلام في جمهورية جنوب السودان)، يقال عن الحوار الوطني والمجتمعي الذي عبر شهره الأول – تقريباً – وهو شأن قومي له مردوده الإيجابي في النهاية على البلاد بكل عام.. إذ أنه يقود إلى دستور دائم ومتفق عليه.
إن المعارضة التي هي (حكومة الظل) كما يقولون عنها – يتعين عليها أن تكون (راشدة) لتصبح خلفاً لحكم (راشد)، والرشد لن يكون بدون النظر إلى الأمور بموضوعية وحكمة.. (فالمعارضة معارضة.. والحكومة حكومة ولن يلتقيا..) لا يقود في نهاية الأمر إلى مصلحة قومية ومشتركة.. وبالله التوفيق.