المراجع
أذاع المراجع العام لجمهورية السودان تقريره السنوي كالمعتاد أمام المجلس الوطني، وبحضور الإعلام ووقف الجميع على محصلة التقييم المهني السوداني لأنشطة حركة المال العام داخل المؤسسات والوزارات والدوائر الحكومية.. وكالمعتاد أتى التقرير شفافاً وصريحاً مشبعاً بالإفادات والأرقام، وهو مؤشر على حرية ممنوحة بقدر كبير لشخص المراجع ومؤسسته، وهو كذلك شهادة شجاعة للحكومة من الواجب الإقرار بها، لأن وحسب ما أعلم لا أرى عملاً مماثلاً في غالب الدول التي تكتفي أكثرها شفافية في مثل هذه الأمور بلجان الاستماع الفرعية بين يدي لجان التحقيق عادة وحين الإشكالات الكبرى.
التقرير عرضت فيه أرقام ونسب، وذكرت وزارات وأشار لمؤسسات وطوف بين الأرقام الصحيحة والفواصل العشرية.. وبغض النظر عن محتواه المفصل فالشاهد أن ثمة ملاحظات ظلت راتبة ومعتادة وبشكل موسمي مع كل إصدارة جديدة وهو ملمح التوظيف السياسي لما يرد فيه؛ إذ درجت بعض الجهات على تلوين الإشارات الواردة لدعم أسانيد دعاوى التفسيد للنظام الحاكم، والناشطون في هذا يعرضون الأمر من باب منهج لا تقربوا الصلاة لأن واقع الرصد الدقيق للسنوات الماضية سيشهد بتحسن من حيث حجم الإحاطة ومن حيث تنوع المعلومات ومصادرها فيه، فقبل سنوات لم يكن متاحاً الإشارة لبعض الدوائر فيه والجهات لا رمزاً أو تلميحاً، وأعتقد من حيث الأرقام ثمة تراجع في كثافة النسب المتداولة، ويمكن مثلاً المقارنة بتقرير العام قبل الماضي.
مهم كذلك دراسة تقرير المراجع العام ببعدين؛ بعد وجود التجاوز المتعمد المعرف بالاختلاس أو المعني الجنائي وكم هو حجمه وكتلته والتجاوز الواقع تحت مسمى الخطأ الإداري أو الإهمال أو عدم الدربة أو التصرف بقصد الاستدراك بحسن نية من شاكلة تحويل بند إلى بند آخر؛ ضبط تلك المفاهيم مهم حتى تكون منطلقات المعالجة صحيحة، وكذا مقاييس التحليل لما شمله والإجراءات المطلوبة إجمالاً.
التجاوزات ذات القصد قلت أو زادت، فإن طرائق التعامل معها معروفة من نيابة وإجراءات قانونية تمتد حتى المحاكمات، لكن أعتقد أنه من المهم تقوية وتحصين البعد الإداري وإلى جانبه صلاحيات مكاتب المراجعة بالوحدات الحكومية التي يجب أن تكون حامية لمسارات الإجراءات المالية، التي إن عبر من تحت يدها قرش أو جنيه فإنها ترتكب خطأ لا يقل فداحة عن الخطأ الذي يحاكمه المراجع العام في تقريره الرئيسي.. لذا فمن الواضح أن المراجعة الداخلية شريك أصيل في تحسين ضبط موجهات التعامل الإجرائي مع المال العام.
عموماً.. أعتقد أن تقرير المراجع العام المنشور أمام البرلمان بحاجة إلى قراءة أعمق من مجرد الاكتفاء بالعناوين و(الخطوط) الواردة بالصحف، لأن لكل صحيفة قراءتها الخاصة، وقراءات الصحف سبعين وليست سبعاً.