الحكم اللا مركزي …جدل تحت قبة البرلمان
بحضور نائب الرئيس
الخرطوم – سيف جامع
جدل كثيف دار أمس (الثلاثاء) بالبرلمان حول تجربة الحكم اللا مركزي بالبلاد، فرغم أن غالبية نواب البرلمان اتفقوا على نجاح التجربة، إلا أنهم في ذات الوقت انتقدوا بعض الإخفاقات في تطبيق التجربة. وتبارى أعضاء البرلمان في الإشادة بالحكم اللا مركزي عقب إلقاء نائب الرئيس خطاباً حول تقييم التجربة وتطبيقاتها في السودان، منذ الاستعمار مروراً بقانون الحكم الإقليمي لسنة 1980 ثم تشريعات اللامركزية في فترة 1989م.
في خطابه بالبرلمان أمس شدد نائب رئيس الجمهورية “حسبو محمد عبد الرحمن” على منع قيام ولايات جديدة، ودعا إلى إبعاد تضخم الخدمات بالمحليات. واقترح نائب الرئيس على البرلمان تشريع معايير لقسمة الموارد بين المحليات والولايات والمركز. وقال (لابد من تقوية الولايات بقيام مجالس تشريعية بالمحليات منتخبة من قبل المواطنين، تكون مسؤولة تراقب وتشرع وتساهم في حل المشاكل). وقال (90%) من القضايا ببعض الولايات تحل خارج المحاكم.
ويبدو أن أزمة الدولة المتمثلة في صراع ما يسمى بالهامش والمركز قد وضعت محاذير لدى الحكومة من تداعيات انفصال جديد على غرار جنوب البلاد، إذ مهدت اتفاقية نيفاشا التي عدل بصددها الدستور إلى انفصال الجنوب عنوة، لكن حديث نائب الرئيس أمس كان أكثر حدة وصرامة وأوصد الباب بقوة أمام قيام أقاليم جديدة، حيث ذكر “حسبو” أن الرجوع إلى نظام الأقاليم بدلاً من الولايات ردة عن تطبيق الحكم اللامركزي وتكريس للمركزية ودعوة للجهوية. وقال إن الحكم الاتحادي ضعف بعد اتفاقية نيفاشا، داعياً إلى ضرورة تقويته وتقوية المجالس الولائية، مطالباً بوجود تنمية ريفية متوازنة. وأشار إلى أن الناس في الولايات تحتاج لمزيد من السلطات. وحذر “حسبو” من أن يضعف قيام الأقاليم الممسكات الوطنية ويشجع الجهوية ويكون منطلقاً للمناداة بالحكم الذاتي. وزاد (إذا رجعنا لنظام الأقاليم بذلك يكون عملنا مستوى رابع للحكم ومعناه رئيس ووزير جديد) .
وقال إن مؤتمر تقييم تجربة الحكم اللا مركزي بالسودان تستهدف مشاركة (30) ألف عضو قبل قيام المؤتمر العام لتقييم الحكم اللا مركزي.
وأثنى نائب الرئيس على ولاية سنار قائلاً: (إن سنار هي الولاية الأوحد التي بها مجالس تشريعية منتخبة). وشدد على عدم خلق مركزية جديدة وإبعاد عاصمة الولاية من التضخم بالخدمات. وقطع بأن مؤتمر الحكم اللامركزي لا يتم فيه تجاوز لمخرجات الحوار الوطني.
ولعل اتفاق نواب البرلمان على نجاح الحكم اللا مركزي قد يعزز من استمراريته لاسيما في ظل اتجاه الدولة إلى قيام مؤتمر لتقييم التجربة برمتها، لكن كانت لبعض النواب آراء مغايرة حوله حيث وجه النائب البرلماني ووزير العدل السابق “عبد الباسط سبدرات”، انتقادات لاذعة للحكم الاتحادي، وقال إنه أصابه الاضطراب والغبش وعدم الفهم، مبيناً أنه حدثت فيه تغييرات خاطئة منذ العام 2005م إلى الوقت الحالي. وانتقد التعديل في الدستور الأخير، وقال إنه تم فيه تغييب للولاة وجعل الأراضي سلطة مشتركة، واصفاً مفوضية الأراضي بأنها لجنة تحكيم ليست بها أسنان واعتبرها واحدة من معوقات الاستثمار. وقال إذا حصل مستثمر على التصديق يواجه بالعكاكيز والسكاكين، مطالباً بضرورة تأهيل وزارة الحكم الاتحادي واصفا إياها بغير المؤهلة وتعاني من انعدام الإداريين .
ونادى النائب البرلماني “عبد الباسط سبدرات” بضرورة منح وزارة الحكم اللامركزي صلاحيات أكبر وتأهيلها للقيام بدورها في ترسيخ الحكم اللامركزي. وقال (لا يمكن أن وزارة محورية يتم إلغاؤها ثم تعديلها وتعود مرة أخرى، هذا يعني أن الحكم الاتحادي به اضطراب وغبش).
لكن النائب البرلماني “حبيب مختوم” أثنى على تجربة الحكم اللا مركزي بالسودان، واصفاً إياها بأنها أكبر إنجاز للدولة السودانية الحديثة رغم الحديث عن الإخفاقات فإن نسبة النجاح أكبر. وقال “مختوم” إن أهم ما يمكن تقييمه هو الدستور ومراجعة هياكل الحكم اللامركزي (الحكومة المركزية، الولايات والمحليات).
ونادى بأن تنظم علاقات هذه الهياكل قوانين لأن بعض المحليات تشكو من نقص الخدمات، بينما تقول الوزارات الاتحادية إنها نفذت مشروعاتها بنسبة (110%)، كما أن توزيع الموارد يجب أن يراجع.
وبدا معظم أعضاء البرلمان متحمسين للحديث حول تجربة الحكم اللا مركزي خاصة النواب المخضرمين والذين شغلوا مناصب دستورية سابقة. وكانت من بينهم وزيرة العمل السابقة النائبة عن دائرة عطبرة “إشراقة سيد محمود”، إذ رأت أن الأزمة الحقيقية للبلاد طوال السنوات الماضية الحكم الاتحادي وحكم الولايات. وأشارت إلى أن النصر الذي تحقق هو تعديل دستور عام 2005 بأن سمح للرئيس بتعيين الولاة، ووصفته بأشجع قرار وأدى إلى استقرار الدولة، وطالبت بالمحافظة على النصر وأن أي خطوة متقدمة نحو الحكم اللامركزي لابد أن تراعي بأن لا نرجع للوراء.
وقالت “إشراقة” إن الخلل في الحكم اللامركزي تضررت منه تحويلات الولايات لعدم وجود دور قوي للدستور الذي يحكم الولايات. وأضافت (لا يعقل بأن يكون الدستور الولائي غير منبثق من الدستور القومي، كما أن قوانين الخدمة المدنية بالولايات متناقضة مع المركز لذلك الخدمة مترهلة .
ونادى “عمر سليمان آدم” نائب من حزب الأمة الفدرالي بتقييم تجربة الحكم اللامركزي. وقال إن تجربة تطبيقها شابها الكثير من الإخفاقات وحدث ترهل في صرف الموارد. وأشار الفريق “آدم حامد موسى” بأن السودان انتهى من حيث بدأ الآخرون، في تجربة الحكم اللامركزي، لكنه قال إن هنالك ممارسات خاطئة في التطبيق من بينها عدم إعطاء المحليات حقها في الحكم الذاتي، وكان من المفترض أن تشرع لها قوانين وضوابط خاصة بها. وعزا ظهور الجهويات إلى قصور في التشريعات .
ورأى النائب “جادين دقاش” أن نظام الحكم اللا مركزي هو الأمثل لحكم السودان بحكم جغرافيته الشاسعة والتنوع الكبير لكن الحكم ناقص، بحيث أن الدستور به ثلاثة أنظمة ينبغي تنشيطها. وأضاف (قصرنا الظل الإداري لكن لم نمكن المستوى القاعدي من تقديم الخدمات، ولابد من قوانين تنظم تقسيم الموارد على أساس الحكم اللامركزي، بالإضافة لتعديل المادة (98) من الدستور الخاصة بتقسيم الإيرادات).
فيما يقول النائب “الشيخ “البشير أبو كساوي”، إن ما يمارس حالياً ليس حكماً محلياً وإنما إدارة محلية منقوصة التفويض. واعتبر النائب البرلماني “أحمد الشايب” أن الحكم الاتحادي كرث للجهوية والقبلية، ووصفه بأنه مهدد للقومية السودانية. وطالب باستفتاء شعبي حول حكم السودان هل بنظام أقاليم أو ولايات. واقترح “الشيخ البشير” إيجاد تشريع قومي للحكم غير التشريعات الولائية. ونبه إلى أنه أجرى دراسة على مستوى محلية الخرطوم حينما كان معتمداً بها، كشفت عن عدم وجود كادر مؤهل بمحلية الخرطوم، فضلاً عن وجود ضعف في المشاركة السياسية والاقتصادية. وقال إن الكادر البشري المؤهل لإدارة المحلية (15%)، رغم أنها المحلية المستنيرة .