مساعد الأمين العام للمؤتمر الشعبي "إبراهيم السنوسي" في حديث الذكريات في ذكرى (الإنقاذ)
كان “إبراهيم السنوسي” متعطشاً للكلام، وقد رحّب بـ (المجهر)، متمنياً لها الصحة والعافية.. وفي ضاحية الرياض كان “السنوسي” يقف تحت بوابة منزله بجلباب الأنصار، وباللحية البيضاء ذاتها، وطلعة الإسلاميين؛ إذا أرادوا.. وبقامة قصيرة الغريب فيها أنها (تعطيك) انطباعاً من الطول الفارع.. وبابتسامة الآباء زاد ألق الشيخ “إبراهيم” ليدعم فضولنا: ماذا وراءه من أسرار يونيو وكل بناء الحركة الإسلامية وجميع الأحوال الراهنة.. وفي صالون معد لاجتماعات رفيعة وعادية، جلسنا بذلك البراح، الذي يخلو من الصور التذكارية، بينما شاشة (البلازا) العريضة تفسر هذا الصالون السياسي.. وكان هو هاشاً باشاً، وكأننا الصيد الثمين، وليس هو كما ينبغي لمنطق الاحتياج..
بادرنا بقفشات تفتح الطريق لقلب وعقل تدرب على فهم ومعرفة الآخر، ولا سيما نحن متفقون في حساسية موقف البلد على كل الأصعدة.. وضحك “إبراهيم”، وضحكنا نحن على هدى من الدعاوى، وأن الإنسان في عامه السبعين محتاج لبعض المجد، كما تقول الآداب وعلم النفس.. وبدأ الحوار بعد أن طلب سرد المحاور؛ لكي يرتب ذهنه.. وتمنى ألا نكرر سؤالاً وألا نغير ولو (شولة) في ما يقوله أصالة.. فالى التفاصيل المروية..
{ تتكلم بطلاقة وأنت معارض، وجربت وكنت حاكماً على كل شمال كردفان ماذا فعلت؟
– أنا ذهبت والياً لشمال كردفان ضمن مؤامرة لضرب الترابي، وأنا بعيد عنه.
{ لماذا قبلت أن تكون جزءاً من سيناريو المؤامرة ما دمت تسميها كذلك؟
– رفضت، ولكن الراحل “الزبير محمد صالح” حلف بالطلاق أن أذهب والياً لشمال كردفان.
{ هل كان يعلم “الزبير” بالمؤامرة (مؤامرة ضرب الترابي في 1999)؟
– أنا أقول لا، لم يكن يعلم، وإن كان يعلم فأنا أعفو عنه، فالرجل كان جاداً وطيباً، وهو عند الله تعالى.
{ ماذا فعلت لشمال كردفان؛ وحتى الأسبوع الفائت كانت الأبيض تلهث من العطش؟
– لولا حلولي المبكرة لهجر سكان الأبيض مدينتهم، فالعطش هناك قديم.
{ الفرق كبير بين الواقع والتنظير، هل هذا الفرض صحيح؟
– كنت والياً منتخباً واشترطت عليهم أنني لن أخضع للدولة والمركز.
{ ومن الذي يحكمك، هل تريد الحكم الذاتي؟
– أبداً، كنت أؤسس لحكم وسلوك الوالي المسلم وأعيد تلك الصورة التي غابت قروناً.
{ تنام تحت الشجرة مثلاً؟
– أبداً، بل كنت أجتمع بالمواطنين تحت الشجرة، أستمع لشكواهم وأحسم أي ظلم أو تلاعب.
{ وكان عمر بن الخطاب يطوف ليلاً ؟
– كنت أطوف ليلاً من 11 ليلاً إلى الساعة 2 صباحاً متخفياً في عربة بوكس.
{ لماذا لا تكتفي بتقارير الأمن، فأنت في عصر حديث وهناك أدوات فعالة لمعرفة الحقائق؟
– أنا لا أصدق تقارير الأمن أبداً أبداً.
{ وكيف الأبيض بالليل؟
– حكايات وحكايات، وأذكر مرة منعنا بائعات الشاي التواجد بعد العاشرة مساءً فوجدت امرأة وسألتها عن تواجدها بالرغم من قرار الوالي، فحكت قصتها وهي تعول (17) فرداً عبارة عن عائلتين؛ بعد إضافة العائلة الجنوبية لأبنائها بعد وفاة زوجها، فأكبرت هذا التفاني وكرمتها (المرأة النموذجية بالولاية).
{ وأخطأ السنوسي وأصابت بائعة الشاي؟
– هكذا الوالي المسلم في حياتنا الإسلامية.
{ وهكذا الأمن مستتب؟
– ذات مرة جاءني وفد من بارا يشكو لي جهاز الأمن بالولاية، والقصة أنني كنت أزورهم، فأرادوا أن يكرموني قائلين: إن أبي كان من بارا واستحق التكريم أثناء الزيارة، وأنا – بحسبهم – أول ولد من أولاد كردفان يحكم كردفان.
{ إلى هنا ربما الأمر طبيعي؟
– طبيعي إذا لم يخلع أحدهم (جلابيته) أمامي ويقول لي (ناسكم ضربوني بسبب نية التكريم مدعين أن الوالي “شيخ” لا يحب هذه الأشياء).
{ وجربت القصاص (مش كدا)؟
– أحضرت مدير الجهاز هناك وقال لي: إن أوامره تأتي من مكان آخر، فقلت له أنا هنا القائد العام وأخبرته بإعفائه وإخراجه من كل الولاية.
{ هل شاورت الخرطوم بأي مستوى؟
– نعم أخبرت الزبير محمد صالح، وطلب اللواء الهادي بشرى، فجاء سريعاً، وكان المسؤول الأول عن الأمن والاستخبارات، فأعطى التحية، ولكن “الزبير” نهره وأخبره بالحاصل، ونصحني قائلاً (العساكر ديل ما ترخي ليهم).
{ نعود لحكايات الليل في الأبيض بالخصوص؟
– نعم، وأذكر منعنا امتداد الحفلات بعد الساعة 11 وحرمنا ضرب السلاح أثناء الأفراح، ومنعنا الرقص المختلط ، وفي إحدى طوافاتي؛ وجدت عرساً وثلاثة جنود يحرسون الخيمة، وكنت متلثماً وناديت على العريس والأب.
{ ماذا قال الأب تحديداً لو تذكر؟
– قال إنها بهجة مرة واحدة.
{ وفي عهدك كان (الهمباتة) منتشرين أليس كذلك؟
– نعم، وحاربتهم بعد أن قالوا: إن ود السنوسي دا فكي ساكت، وصلبت أحدهم في مدخل المدينة تنفيذاً لآية الحرابة الواضحة.
{ كيف كانت النتيجة؟
– باهرة، وجمعت منهم 25 علمتهم الوضوء والصلاة، وأسس المعاملة.
{ كنت مالي يمينك (تب)؟
– أنا الرئيس والوالي والقائد العام للقوات النظامية.
{ هل تذكر؛ لقد جئت للولاية ضمن مؤامرة كما تقول، وبالمعنى دا فقد جئت مكرهاً؟
– مهمتي في الخرطوم كنت أنشئ مجلس الصداقة العربي الشعبي؛ لكي أتعرف على الحركات الإسلامية في العالم.
{ وتاني.. أي مهمة كنت تقوم بها؟
– كنت أنا من يعين الوزراء والسفراء.
{ وأنت الآن تسعى لتغيير النظام سلمياً لإقامة الشريعة الإسلامية (مظبوط) ؟
– لن نتنازل عن الشريعة أصلاً أصلاً أصلاً، ولكن الجديد أن يكون التطبيق سليماً
{ الخطاب العلماني أقنع كثير من الناس المتدينين؟
– ما في زول ما عاوز الشريعة الإسلامية.
{ لديكم تفاهمات قوية مع الحزب الشيوعي السوداني؟
– نتفق معهم في الدعاوي الإنسانية وترسيخ العدالة الاجتماعية والديمقراطية.
{ يبدو أمر اعتقالك غريباً بمسوغاته المعلنة، وجئت بالمطار ولا يعقل أن تحمل الحقيبة التي تدان بها ما (الحاصل) بأمانة؟
– القصة بعد إعلان الجبهة الثورية قبولها العلمانية وإسقاط النظام وتقرير المصير، والموافقة على كل المواثيق الدولية؛ قرر حزب المؤتمر الشعبي إبلاغ الجبهة الثورية برفضه العمل العسكري.
{ ولكنك قابلت ناس العدل والمساواة في ما أعلن؟
– كانوا الأقرب منا (عشان نوريهم).
{ حدثت انشقاقات في الشعبي وخرج منكم كبار كـ “الحاج آدم” نائب الرئيس؟
– وطلع قبله “محمد الحسن الأمين” و”بدر الدين” وكثيرون كثيرون، وهذه عظمة المؤتمر الشعبي، يخرجون من هنا ويصبحون في أعلى الدرجات في المؤتمر الوطني.
{ هناك من يرى أنكم لن تحكموا السودان مرة أخرى؟
– يؤتي الملك من يشاء.
{ انظر إلى الصورة: الإسلاميون في السودان مأزومون، وفي مصر يصعدون بمرسي رئيساً ؟
– هكذا يبدأ كل شيء.
{ بماذا تنصح الإخوان في مصر لتجنب الأخطاء التي وقعت هنا في السودان؟
– أن يتسامحوا مع الناس ويحاسبوا المسؤولين فوراً، وبحسم شديد ويلتزموا بالشورى والديمقراطية مهما كانت التكاليف، وأن يهتموا بمعيشة الشعب المصري.
{ بماذا تنصحهم في مجال العلاقات الدولية؟
– أن يتأنوا في قضية التعامل مع إسرائيل.
{ هل يعلنون أي إعلان من نوع حكم الشريعة الإسلامية؟
– لا.. لا.. لا.. هذا أصلاً غير وارد عندهم.
{ انتم لا تخفون غضبكم على قيادات عليا في المؤتمر الوطني؟
– نلومهم على عدم الوفاء فقط.
{ هل آنت سعيد بالتشابه مع شخصية الترابي مظهراً على الأقل؟
– هذه علاقة 56 عاماً من التفاهم لا تقاس هكذا.
{ ما هي قصة درع الإنقاذ الذي لم يره أحد، وتحتفظ به في بيتك؟
– لا..لا..لا.. ما عندي درع ولا حاجة.
{ كنت واحداً من ضمن 6 في شورى الحركة للتخطيط لانقلاب 30 يونيو؟
– هذا الكلام نقوله لكم بعد مرور 30 عاماً (احسب كم تبقى).
{ هل تمنيت لو لم تأت الإنقاذ؟
– حينها لن يكون خيارنا “البشير”.
{ هل عذبوك أو أهانوا السبعين عاماً؟
– للأمانة عاملوني باحترام وأدب ولكن..
{ ولكن ماذا؟
– ولكن القضية مع الآخرين، إذا احترموني يجب أن يكون وفقاً لمنهج من العدالة.
{ ختمت القرآن بالمعتقل هل حصلت أي رؤى أو…؟
– أقول لك شيئاً غريباً بمناسبة الوفاء؛ كان يأتيني (عضم) في وجبة السجن أعطيه للقطط ، ومع التحسن زدتها، وحينما أطلق سراحي تبعتني (الكدايس) الخمس التي كنت أطعمها وكانت تبكي بدموع، وتمشي خلفي، وقد تذكرت قيمة الوفاء التي يحفظها الحيوان، ويبخل بها الإنسان.