احمد مجذوب ،رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني ، في حوار الجرأة مع (المجهر) (1-2)
* أتوقع انخفاض نسبة الدعم للسلع في موازنة 2016 ، بدلالة انخفاض أسعار النفط
*سكر النيل الأبيض لم ينتج 50 % من طاقته التصميمية وإنتاج كنانة تراجع
*انخفاض سعر النفط جعل كلفة إنتاج نفط الجنوب تعادل 50% من سعره
*160 مليار جنية ميزانية الخطة الخمسية ،منها 80% للقطاع الخاص
مقدمة:
رسم احمد مجذوب ، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس الوطني ،صورة قاتمة للاوضاع الاقتصادية ،وقضايا الإنتاج والإنتاجية بالبلاد ، في ظل تدني أسعار النفط ،والتي يتوقع أن تتوالى في الانخفاض لمدة عامين قادمين ،وتوقع أن يؤثر الانخفاض على دولة الجنوب، بما قد يجعلها تعجز عن سداد إيجار استخدام أنابيب النفط ،حسب قوله ،كما سيؤثر على الشركات المنتجة للنفط ، بعدم التوسع في إنتاجها. وكشف مجذوب عن تأخر بعض الوزارات في تقديم موازنتها للخطة الخمسية الإستراتيجية القومية ، مشيراً ،إلى وجود معوقات رئيسية في مساهمة القطاع الخاص في الخطة الخمسية ،جاء ذلك الحديث خلال حوار شامل أجرته معه (المجهر) فإلى التفاصيل.
حوار- وليد النور
{ما هي المؤشرات الاقتصادية التي وردت في خطاب رئيس الجمهورية بصورة عامة، وكيف تنظرون إليها فيما يخص الهيئة التشريعية من حيث التشريعات والرقابة ؟
المحور الرئيسي في خطاب الرئيس، بعد قضية الحوار الوطني ،هو قضية الاقتصاد ، لذلك أنا أقرأ خطابه على ضوء خطابه الافتتاحي ،الذي قدمه في مستهل هذا العام ، والذي أشار فيه إلى قضايا أساسية في الاقتصاد ، وهي قضية معاش الناس، والقضايا الخاصة بالإنتاج ، لاسيما قطاع الرعي بجانب القطاع الزراعي ،الذي يعتبر أساساً لكل الأنشطة الاقتصادية .
{لكن الخطاب تطرق – ايضاً- إلى البرنامج الخماسي وموازنة العام 2016م ؟
نعم . تضمن الخطاب خطة الدولة لعام 2016 ،ولهذا فإن قراءتي ستكون مربوطة بالبرنامج الخماسي للدولة، الذي أجيز أخيراً، وهذا العام 2016، هو العام الأول في تنفيذ الخطة . وأيضا أشار الرئيس إلى قضايا الإصلاح المالي و الاقتصادي ، وهي قضايا جوهرية تتصل بالإصلاح التخطيطي، في الإطار المؤسسي ، و بالجانب التشريعي في العمل الاقتصادي ومؤسساته ، وكذلك تتصل بمكونات الأجهزة المعنية بالنشاط الاقتصادي. ،وأشار الرئيس الى أن خطة الإصلاح التي سيتم تطبيقها في 2016 ، ستتركز على جانبين، الإصلاح المالي والنقدي، بجانب تحقيق التوازن الداخلي، بأن تتمكن إيرادات الدولة من مواكبة نفقاتها الجارية .
{ الحديث كثر عن القمح ورفع الدعم عنه والمضاربة فيه . ماذا عن رؤيتك لهذا الموضوع ؟
الحديث عن دعم القمح يدخل في الإصلاح المالي، و الدولة كانت تدعم المواد البترولية، والآن تغير حجم الدعم بسبب التغيرات التي حدثت عقب انخفاض أسعار النفط عالمياً ، وتعديل سعر دولار القمح وتحويل الدعم إلى الدواء.
{هنالك تنبؤات باستمرار انخفاض أسعار النفط .فهل نتوقع انخفاض الدعم المخصص لسلعة الدواء في موازنة 2016م ؟
أتوقع انخفاض نسبة الدعم للسلع في موازنة 2016 ، وذلك لأمر واحد يتعلق بانخفاض أسعار النفط ، بل إن تنبؤات خبراء النفط تشير إلى استمرار الانخفاض لفترة أقلاها عامان 16-2017
{ولكن السودان ليس من الدول ذات الإنتاجية الكبيرة حتى يتأثر بانخفاض الأسعار؟
صحيح السودان، لم يكن من المنتجين الكبار للنفط، وبالتالي فان أي انخفاض في أسعاره هو إشارة إلى انخفاض في تكاليف الإنتاج، لأن النفط يدخل في كل حلقات الإنتاج ،سواء كان في التشغيل أو الترحيل.. علماً أن الانخفاض سيؤثر على توسع السودان في إنتاج النفط ،لأن معظم الشركات التي تعمل في البلاد في ظل إنتاجيتنا الضعيفة ، لن تكون متحمسة للتوسع ،وهذا يحتاج من الدولة بذل مزيد من الجهود والترتيبات ،في كيفية مساعدة الشركات في الاستمرار ومواصلة الاستكشافات وزيادة إنتاجها ..
{هل يؤثر هذا الانخفاض على رسوم العبور ،التي يتحصل عليها السودان من دولة الجنوب ؟
الانخفاض أثر على تكلفة نقل البترول، ورسوم استخدامات خطوط النقل من دولة الجنوب، لأننا نأخذها ( مبالغ كاش) من دولة الجنوب . وهذا الانخفاض جعل الرسوم تعادل 50% من قيمة النفط ،وأنا في رأيي، أن من الجوانب السلبية أن هذا الانخفاض سيؤثر على دولة الجنوب، في قدرتها على سداد هذه المبالغ ،وهذا يتطلب اتخاذ معالجات في كيفية الحصول عليها ، وهي تمثل التزاماً على دولة الجنوب وحقاً لحكومة السودان ..
{بعد مرور عام على البرنامج الخماسي هل ترى أنه حقق نجاحا في زيادة الإنتاج ؟
حسب المعلومات المتاحة لي، فأنه لم تكتمل – حتى الآن -حلقات بيان البرنامج ، المقرر لكل وزارة من الوزارات، ولكل وحدة من الوحدات ، بجانب عدم وضوح الرؤية الكاملة ،الخاصة بكيفية تمويل إنتاج السلع الخاصة بالعام الأول ،وأنا أتوقع أن الأهداف المقررة قد لا تتحقق وفق المؤشرات المرصودة، لأن المقرر بالنسبة للعام الأساسي الأول، أن تنفذ الخطة بنسبة 83% بواسطة القطاع الخاص .
{ولكن هل حققت الدولة الشروط الفنية للقطاع الخاص، التي تمكنه من أداء دوره ؟
اعتقد انه لم تتم – حتى الآن – ترتيبات دقيقة للقطاع الخاص ، حتى يقوم بدوره في إنفاذ البرنامج الخماسي ،بجانب أن السياسات النقدية للبنك المركزي . ولم تتم مراجعتها بصورة تستوعب دور القطاع الخاص، وإن لم تخنِ الذاكرة، فان من المفترض أن تكون تكلفة العام الأول قرابة (160) مليار، ويشارك القطاع الخاص في تمويل ما يتجاوز الـ80% من احتياجات العام الأول . وبالتالي ينبغي أن ننظر في المشروعات، التي تمثل هذه النسبة ونوزع تمويلها، بين التمويل الذاتي لشركات ومؤسسات القطاع الخاص، والتمويل المصرفي، والتمويل الخارجي.
{ ما هي الحلقات التي يجب أن يتبعها القطاع الخاص حتى ينجح المشروع ؟
هنالك ثلاث حلقات ينبغي أن تتكامل: حلقة التمويل الذاتي ، والتمويل الخاص بالجهاز المصرفي ،والتمويل الخارجي ، إن لم يتم الترتيب الدقيق بهذه الصورة سيكون حليف المشروعات المكلف بها القطاع الخاص ،الفشل ، إذا لم توفر هذه المسائل في النهاية، اذ ان المدخل الرئيسي لأي استثمار أو توسع هو جانب التمويل .. وفي رأيي أن هنالك مسائل مرتبطة أيضا بالتركيز على القطاع الخاص في أن يكون شريكاً ،في المسألة الخاصة بإنفاذ برامج زيادة الإنتاج ، وتطوير القطاع الخاص نفسه لقدراته الفنية والتخطيطية والإدارية ،والتعرف على مؤسساته وعلاقاته ونظمه. و هنالك بعض الدول والمنظمات تقدم دعماً لتطوير وترقية القطاع الخاص ،وهذا ما يلي الجزء الأول المتعلق بالإصلاح المالي والاقتصادي ،وينبغي أن يرتبط الإصلاح الاقتصادي ، الذي ورد بما هو مقرر في البرنامج الخماسي . وقد تحدث الأخ الرئيس كذلك عن القطاع الصناعي وقطاع الثروة الحيوانية والزراعية .وتكلم عن قطاع الخدمات.
{ولكن هنالك مشاكل تواجه القطاع الصناعي لم تحل بعد ؟
في تقديري أن مشاكل القطاع الصناعي تحتاج لتعاون الوزارات المختصة ،والأجهزة الفنية المسئولة من القطاع الخاص، في تحديد وتشخيص المشكلة ،الآن القطاع الصناعي ينتج في ظل كلفة إنتاج عالية، مقارنة بأسعار الطاقة في دول الجوار ،بجانب ارتفاع في أسعار مدخلات الإنتاج ، خاصة المستوردة ،فضلاً عن مشكلة التوسع في استخدام التقنية في القطاع الصناعي، الذي يعاني من بعض الإشكالات حتى في القطاعات التقليدية ،لاسيما صناعة السكر ، التي نمتلك فيها مزايا نسبية…
{هل استطاع مصنع سكر النيل الأبيض أن يزيد من إنتاج السكر بالبلاد ؟
حتى الآن لم ينتج مصنع سكر النيل الأبيض 50% من الطاقة التصميمية له ، بجانب تراجع نسبة إنتاج مصنع سكر كنانة ، من معدلات أعوام 2008 و 2009 ، فإذا كانت قطاعاتنا الأصلية، التي لنا فيها خبرة تراكمية، تعاني من مشكلات ، فكيف نتحدث عن زيادة إنتاج ؟
{هل توجد مشاكل إدارية في قطاع السكر وبقية الصناعات؟
نحن نحتاج لمزيد من التشخيص لمعرفة أسباب المشكلات ،لأنها تساعدنا على تجاوز التحدي.. نحن بدأنا التوسع في الصناعات الغذائية، ولكن هل نحن قادرون على خلق أسواق جديدة ، لنصدر إليها منتجاتنا الغذائية أم لا ؟
حتى الآن .. نحن لدينا قطاعات تحويلية مثلاً قطاع الحبوب الزيتية ،لا زال الغلبة فيه للسلع المستوردة ( من السلع المستخدمة ) ، وأنا في تقديري،اننا ، إذا لم نتخذ سياسة متوازنة تمكن القطاع الصناعي الداخلي من أن ينمو ويتجاوز تحديات المنافسة من السلع المستوردة، بما لدينا من مزايا نسبية في إنتاج الصمغ وبعض المنتجات الزراعية القابلة للتصدير مصنعة ، وحتى الآن نحن نصدرها مواد خام ، وأنا في تقديري أن هذا هو التحدي : كيف يمكن أن نحقق قيمة مضافة لكل سلعة من هذه السلع ؟ نحن نصدر السمسم ونبيعه بأرخص الأثمان، ويتم تحويله لزيوت وحلويات بأسعار عالية .
{ماهو تقييمك لتجربة السوق الحر وسلبياته ؟
في تقديري إن حرية النشاط الاقتصادي هي التي حققت النهضة والنمو والتقدم الحاصل الآن ،ولكن يجب أن لا توجد سياسة حرة مطلقة، ولا سياسية تقييد كامل مطلقة ، ولكن هنالك سياسات توجيهية ،مثلا: توجد سلع غير مرغوب فيها ، فهذه لابد من رفع سقف تمويلها ،أو تمنع من التمويل ، بجانب الاستمرار في السياسة حتى تكتمل الحلقة ،وتكون الحرية للقطاع الخاص في عمله ،لكن ينبغي أن تكون السياسة النقدية والتمويلية دائمة لتحقيق الأهداف، نحنا حررنا السياسة النقدية والمالية لمدة 12سنة، وفي تقديري أنها غير فاعلة ولم تحقق أهدافها المعلنة ، وينبغي أن نراجعها ، لأننا نتحدث عن قطاعات ذات أولوية ، ولان نتيجة القطاع المصرفي نهاية العام لا تعكس ،بل التمويل ينساب حسب رغبات البنوك بدعاوى الحرية ، ويجب أن لا تكون هنالك حرية مطلقة في كل الأنشطة ، ولابد من أن يكون هنالك تقييد للسلع ذات الأولوية .
{ ظل التضخم في حالة ارتفاع مستمر ما هي طرق معالجته؟
نحن حتى الآن نعالج التضخم بمدخل نقدي. والتضخم هو ظاهرة تدخل فيها العناصر المالية والنقدية ،وبالتالي فان استخدام الأدوات النقدية فقط بتغيير عرض النقود واستخدام سياسات تمويلية ونقدية تقليدية ،مثلاً رفع الرسوم على بعض السلع، ومنع بعضها ، كلها معالجات نقدية . ومن المهم جداً البحث عن وسائل أخرى لمعالجة التحدي المتعلق بالقاعدة الإنتاجية ،وكيفية زيادة الإنتاج ومشاكل القطاع الإنتاجي ،حتى لو أدت هذه الزيادات للتوسع في عرض النقود .
{ولكن كيف يطبق ذلك، والدولة تدعي دعم بعض السلع ؟
الأمر مرتبط بسياسة الدولة في تطبيق سعر الصرف الرسمي، الذي يطبق حالياً في ثلاث سلع فقط هي النفط والدواء والقمح ،وبقية السلع يتم استيرادها عبر سعر السوق الموازي. ونحن الآن إذا انخفضت أسعار النفط وبلغت درجة أدت إلى تعادل السعر الذي نبيع به الآن النفط للمستهلك النهائي وأسعاره العالمية ، معناها ادعاء أن هنالك دعما لسلعة النفط لم يعد قائماً، الآن بدأنا وراجعنا سياساتنا في تسعير القمح ، وتحركنا وكدنا أن نصل إلى 6 جنيهات ،والدواء غالباً فاتورته قليلة ، وتعادل ما بين 300-400 مليون دولار . إذا، نحن، فاتورتنا الكلية التي تتمثل في سلع الاستيراد في حدود 9-11 مليار دولار، إذا تبقى منها الآن سلع الدواء والقمح في حدود واحد مليار دولار.
ما الحل؟
ليس لدينا حل غير أن نتخذ مزيدا من التدابير ، ومراجعة سياسة سعر الصرف بما يحقق لنا الأهداف ،وأريد أن أضرب مثالا بأهم مصدر من مصادر زيادة الموارد الأجنبية: ففي آخر إحصاء قدمه جهاز المغتربين ، أكد وجود مليون مواطن خارج السودان وآخر تقرير قدمه جهاز المغتربين ،أكد أن الذين طلبوا تأشيرات خروج بغرض العمل 50 ألف ، خلال العام الحالي، لو أن من مجموع المليون مواطن بالخارج هنالك عدد 200 ألف فقط، في وظائف، وإضافة 50 ألف الأخيرين سيصبح العدد 250 ألف ، وإذا استطعنا أن نجذب من كل شخص 100 دولار شهريا، سنتحصل على 25 مليون دولار . في حين أن بمقدور المغترب أن يزيد من مدخراته .
{هل يمكن أن يفيد المغترب في تحقيق معادلة بالنسبة للنقد الأجنبي؟
هنالك دول تعتمد في مواردها الأجنبية على تحويلات المغتربين، لان هذه الموارد التي يمتلكها المغتربون، إذا لم تدخل عبر القنوات الرسمية فانها ستدخل عبر القنوات غير الرسمية ،أو السعر الموازي، وستضطر مؤسساتنا الاقتصادية ،سواء في القطاع العام أو الخاص ، أن تشتري هذا الدولار من المتعاملين فيه خارجياً ،لسد الفجوة ،فحتى الآن، لازال بميزاننا في إطاره الكلي توازن أو عجز محدود ، ولكن هذا العجز المحدود، يتم بعد تعديلات ومعالجات واحتساب الأموال الخاصة بالسودان ،والتي تم تداولها بالخارج وصبت مرة أخرى في الاقتصاد السوداني ..
{ما الذي نحتاجه لمعالجة الاقتصاد؟
في تقديري، نحن نحتاج لسياسة قوية تساعد على انسياب الموارد الأجنبية داخل الاقتصاد السوداني ،وهنا لابد لي من الإشارة إلى المذكرة التي قيل إنه رفعها اتحاد المصارف السوداني ، متحدثاً عن الإشكال الذي قابل القطاع المصرفي في سياسات سعر الصرف..
{أين دور البلاد في جذب الاستثمارات الخارجية ؟
الاستثمار الخارجي لم يدخل ،في ظل عدم وضوح الرؤية في إدخال الموارد الأجنبية ، وتحويلها من عوائد إلى إرباح. ولذلك في ظل عدم وضوح الرؤية ، سيظل تدفق الاستثمار الخارجي ضعيفا ..ونحن ،حقيقة ، نحتاج لخطوات إجرائية قوية في هذا الجانب.