علام الخفة يا حكومة ؟ اطلبوا تأجيل المفاوضات
أعلنت الحكومة على لسان الدكتور “أمين حسن عمر” أمس الأول تلقيها دعوة رسمية من الوساطة الأفريقية برئاسة “ثابو مبيكي” لاستئناف المفاوضات حول المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) في الثاني من نوفمبر المقبل بأديس أبابا .
حسناً كلنا مع السلام .. ولكن لماذا تستعجل الحكومة في الرد والموافقة على الموعد قبل أن تتدبر أمورها وتمعن النظر في الظروف المحيطة بالطرف الآخر وبالوساطة نفسها، والأوضاع الدولية، والأحوال في الميدان على كافة الجبهات .
إذا توقع أحد في الحكومة أن تحقق جولة المفاوضات القادمة وهي (العاشرة) أي قدر من التقدم سيكون بالتأكيد، واهماً أو متوهماً أو غير صادق وأمين مع حكومته!
لقد تعودنا من القوى الدولية الحاضنة لحركات التمرد في السودان سواء في دارفور أو المنطقتين، أن تسارع في الإلحاح والضغط على الحكومة للعودة إلى طاولة المفاوضات، كلما تعرض التمرد لهزائم عسكرية أو عانى من حالة انحسار وتأزم سياسي، كما هو الحال الآن .
ولا شك أن من بين رجال الحكومة من يؤمن باستمرار التفاوض في كل الأحوال والظروف إلى ما لانهاية، كما قال أحدهم قبل أشهر من انفصال الجنوب: (سنطاردهم للتفاوض، ولو دخلوا في جحر ضب) !!
أنا لا أفهم مثل هذه المواقف المعيبة ولا أقول (المنبطحة)، فالأعمال بالنيات، ولن نستطيع أن نشق قلوب الناس لنفهم نواياهم تجاه الوطن والشعب، ولكن الذي نفهمه جيداً ويفهمه كل مبتدئ في مدارج السياسة أنه ليس من الحكمة والفطنة بمكان أن تخرج خصمك من (جحر) انحشر فيه من تلقاء نفسه، بدعوى أنك مثالي ونبيل وقيم على الأخلاق، وأحرص على السلام، خاصة إذا كنت تمثل دولة وليس فرداً .
الحركة الشعبية – قطاع الشمال تعيش هذه الأيام ظرفاً حرجاً وبالغ التعقيد، فهي محاصرة سياسياً من كل الاتجاهات قبل حلفائها في (الجبهة الثورية) وليس من طرف الحكومة!! وهي كسيرة نفسياً وممزقة معنوياً أمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، إذ يتشبث زعيمها “مالك عقار” بكرسي رئاسة الجبهة ويأبى التنازل عنه لـ(البديل الديمقراطي) الذي أقرته اجتماعات مجلس القيادة في “فرنسا” مطلع هذا الأسبوع، وهو الدكتور “جبريل إبراهيم” رئيس حركة العدل والمساواة !!
وحتى الأخ الأستاذ “التوم هجو” نائب رئيس الجبهة والناطق الرسمي باسمها، والمعروف بقربه من “عقار” لم يجد مبرراً سياسياً ولا منطقاً أخلاقياً يجعله يساند صديقه الحميم رئيس الحركة الشعبية الذي استقطبه للجبهة، على حساب حركات دارفور .
كتاب (اليسار) ودعاة الديمقراطية من أصدقاء الحركة الشعبية في الداخل والخارج أسقط في أيديهم وعجزوا عن التبرير لهذا السلوك السقطة، والانقلاب على الديمقراطية داخل إطار ومؤسسات جبهة (ثورية) تنادي بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان السوداني !!
ولم يجد الجنرال “عقار” غير أن يطلق نداء الاستغاثة لأصدقاء الجبهة ورعاتها للتدخل لحل الأزمة وتسوية النزاع على كرسي الرئاسة .
أما في الميدان .. فقد انحسرت العمليات العسكرية للحركة الشعبية وحركات دارفور وانكسر ظهرها .
عل الصعيد الدولي .. تراجع دعم لوبيات الصهيونية والكنيسة في أمريكا وأوربا للتمرد بالسودان، وانشغلت هذه المجموعات بأنشطة أخرى في سوريا والعراق وليبيا في مواجهة (داعش) وغيرها، ولم تعد دارفور ولا جبال النوبة والنيل الأزرق أولوية في موازنات صرف تلك اللوبيات .
ملف السودان ترك لأفراد في الاتحاد الأفريقي والخارجية الأمريكية يسعون بالترغيب والترهيب للضغط على الحكومة، لتنفيذ ما يرونه مناسباً للسياسات الغربية في ما تبقى من دورة “أوباما” الأخيرة .
ولأن الحركة الشعبية وحركات دارفور في حال يرثى لها بعد صراعات الجبهة الثورية، فإن إعلان موعد جديد للمفاوضات حول المنطقتين وسفر وفد حكومي معتاد و(متعود) إلى “أديس أبابا” سيكون بمثابة (طوق نجاة) لحركة غائصة في القاع .. على شفا الغرق !!
سيذهب السادة مفاوضو الحكومة من فريق (المحترفين) أو من كنبة (البدلاء)، وتنتقل الكاميرا إلى “أديس” بدلاً من (خرطوم الحوار الوطني)، ويعود “عرمان” لدائرة الضوء في عناوين صحف الخرطوم والميديا العالمية بعد أن غاب وطواه النسيان لأكثر من عام، فيرد على تصريحات قوية يطلقها من هناك “أمين حسن عمر” متهماً وفد الحركة بعدم الجدية في الوصول لسلام، وهاك يا بيانات من “مبارك أردول”، وتسريبات لصحفيين سودانيين وأجانب يحجون من جديد إلى ردهات فندق “راديسون” أو “شيراتون أديس” حول وثائق ومشروعات اتفاق و … و …..!!
وينسى الناس صراع الجبهة على كرسي الرئاسة وتفلح المخابرات الفرنسية والأمريكية تحت غطاء ضجيج المفاوضات في تسوية النزاع بالتمديد لـ”عقار” حتى العام 2016، أملاً في تمرير (صفقة) جديدة تشبه (نيفاشا) أو (نافع – عقار) يوقعها محترفو فريق الحكومة، كما فعلوا على ضفاف المنتجعات الكينية الساحرة في العام 2005 .
لو كانت هناك مراكز دراسات سودانية تعي وتفهم وتعمل لصالح البلد، لو كان هناك قادة سياسيون وخبراء إستراتيجيون يفكرون وينظرون للحكومة لنصحوها أن تبعث بخطاب صغير ومقتضب للسيد “ثابو مبيكي” من ثلاثة سطور مفاده أن وفد الحكومة مشغول حتى نهاية هذا العام بتكاليف رئاسية، ولهذا بعد شكركم وتقديركم على مجهوداتكم العظيمة لصالح إحلال السلام في السودان، فإننا نطلب (تأجيل) – وليس (رفض) – موعد مفاوضاتنا مع وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال حول المنطقتين إلى مطلع يناير القادم. وشاكرون فضلكم .
وحتى يحل يناير 2016، ستعرف قيادة الدولة إلى ماذا انتهى مؤتمر الحوار الوطني، وماذا أصاب الجبهة الثورية ومدى تأثير الصراع على وجودها، والتفاعلات الدولية والإقليمية مع نزاع الجبهة وموقف معارضة الداخل، ومستقبل تحالف حزب الأمة القومي مع الجبهة .
أما أن يسارع البعض باسم الحكومة إلى الرد إيجاباً على دعوة “مبيكي” الملغومة ومن ثم تجهيز (البدل والقمصان)، فهو خفة إن لم تكن (غباوة)، ولن يشفع للحكومة أن “جون كيري” وعد “غندور” برفع العقوبات في حال إحلال السلام في المنطقتين ثم أضاف إليها دارفور، فقد قالها قبله مبعوثون ووزراء كثر من لدن السناتور العجوز “جون دانفورث” مروراً بـ”كوندوليزا رايس” و”هيلاري كلينتون” وانتهاءً بـ”جون كيري”.
أمريكا لن ترفع العقوبات في بواقي أو (عقاب دورة) كما يقول أهلنا، لن ترفعها قبل انتخاب الرئيس الجديد، فلتنتظروا عهد الرئيس “هيلاري”، فلربما ..
وإلى ذلك الحين .. شوفوا شغلكم مع “روسيا” واتركوا التمرد يستكمل حلقات مواته، حتى إذا ما بلغت الروح الحلقوم اذهبوا للتفاوض ليكون سقف آمالهم العودة الآمنة والعيش بسلام في “كادوقلي” و”الدمازين”، وبعض أحياء “الخرطوم”.
نحن مع الديمقراطية، ولكن المتمردين (بالسلاح)، جنرالات حرب العصابات، ما كانوا يوماً مؤهلين لتحقيق الديمقراطية في أي بلد بالعالم.