تحقيقات

المجهر تواصل تسليط الضوء على اشكالية المادة (243)

قانونيون يطالبون  وزارة العدل بإلغاء نظام الإكراه البدني
العباسي : ﻔﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺭﺩﻫﺎ، دون الحبس حتى السداد!
إشكالية محابيس الحقوق المدنية هاجس مقلق للقانونيين والاقتصاديين والاجتماعيين!
من الخطأ معاملة محابيس الحقوق المدنية معاملة السجناء
 نظام الإكراه البدني أو الحبس التهديدي له مثالبه الشرعية والدستورية
المجهر – امل ابوالقاسم
مواصلة لما بدأته (المجهر) في سلسلة حلقات عن المادة (179)، “شيك بدون رصيد “، المفضية إلى المادة (243)،” يبقى لحين السداد”، والتي أثارت لغطاً وجدلاً واسعين على عدد من الأصعدة ، سواء أكانت قانونية أو اقتصادية أو اجتماعية .وقد تمخض عنهما كثير  من التداعيات، وكثير من التشريعات ، وأقيم على إثرها كثير من الندوات في عدد من المنابر ذات الصلة، كما ألف البعض عددا من المؤلفات بشأنها ، بمن في ذلك وزير العدل السابق “دوسة”، لكن جميعها لم تصل لصيغة متفق عليها،  وهي ما بين شد القوانين الوضعية وجذب المدنية، ومناهضة الكثيرين لـ”يبقى لحين السداد” وغير ذلك كثير.  ومع ذلك فضلنا الاستماع لرؤى ووجهات نظر عدد من الجهات ذات الصلة ، التي خاضت في الموضوع. ومن بين هؤلاء جلست (المجهر) للخبير القانوني الأستاذ “أسعد الطيب العباسي” ،الذي بعث ، في  سياق حديثه إلينا ،  برسالة للسيد وزير العدل، مبيناً أن اصواتهم  قد بحت  منذ مؤتمر القانونيين الأول في بداية التسعينيات، ولا زالوا  يقاومون  إعلامياً ، ومن مذكراتهم ودراساتهم القانونية،  لحل  “إشكالية محابيس الحقوق المدنية”.
أعداد مهولة
وقال العباسي: إن نشوء إشكالية محابيس الحقوق المدنية المزمنة وتفاقمها الحاد، بدأت تقض مضاجع القانونيين والاقتصاديين والاجتماعيين، ورغم أن منشأها تشريعي محض،  إلا أن هنالك من يدافع عن هذا الاتجاه التشريعي، فقد أصبح ﺑﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻴﻦ ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍلالتزاﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﺎﻗﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﻟﻤﺪد ﻃﻮﻳﻠﺔ ،ﻭﻏﻴﺮ ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻭﺑأﻋﺪﺍﺩ ﻣﻬﻮﻟﺔ، ﺗﻘﺪﺭ بآلاف ﻫﺎﺟﺴﺎً ﻣﻘﻠﻘﺎً ، ﻭﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻛﺒﺮﻯ انطوت ﻋﻠﻰ ﺃﺿﺮﺍﺭ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺎﺋﻨﺔ، ﻭﺣﻮﺕ ﺻﻮﺭﺍً ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻌﻴﺒﺔ ﻭﺷﺎﺋﻨﺔ ﻣﺴﺖ ﺑﺴﻤﻌﺔ ﻧﻈﺎﻣﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ، ﻭﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﺍﻟﻤﺨﺎﻭﻑ إلى ﺣﺪ ﻣﺰﻋﺞ ﺍلإﺣﺼﺎﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ بأعداد ﻫؤﻻﺀ ﺍﻟﻤﺤﺎﺑﻴﺲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺰﺩﺍﺩ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﺮﺍﺟﻴﺪﻳﺎ.
ﻔﻲ ﺳﺠﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ، ﻤﺎ ﻳﻌﺪ ﻣﺆﺷﺮﺍً ﺧﻄﻴﺮﺍً ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺧﻠﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺠﺐ ﺗﺪﺍﺭﻛﻪ،  ﻭﻋﻴﻮﺏ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﻳﺘﻌﻴﻦ ﺗﻔﺎﺩﻳﻬﺎ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺳﻨﺤﺎﻭﻝ إيضاحه ﻭﺍﺳﺘﻘﺼﺎﺀ ﺟﺬﻭﺭﻩ ﻟﺒﺴﻂ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺮﺍﻫﺎ كقانونيين.
جذور قانونية سودانية
ومن المعروف أﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻻ ﻳﻌّﺮﻑ ﺍﻟﺤﺒﺲ ﻛﻨﻈﺎﻡ ﻣﻌﻤﻮﻝ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ــ الحديث للعباسي- ” ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻲ ﺍﻟﺘﺪﺑﻴﺮ الاحترازي، أﻭ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻧﻈﺎﻣﺎً ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻦ أﺣﺪ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ، ﻛﻤﺎ أن ﻭﺟﻮﺩ ﺍلمدنيين ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻴﺔ ﻻ ﻳﻌﺘﺒﺮ في معنى ﺍﻟﺤﺒﺲ كاﺻﻄﻼﺡ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ أﻭ ﻛﻨﻈﺎﻡ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﻓﻲ ﺍلأﺻﻞ، إﻧﻤﺎ يأتي ﻛﻜﻠﻤﺎﺕ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻬﺎ ﺟﺬﻭﺭ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺳﻮﺩﺍﻧﻴﺔ، ﺑﻴﺪ أﻧﻬﻢ ﻳﻌﺎﻣﻠﻮﻥ ﻭﻓﻘﺎً ﻟﻠﻮﺍﺋﺢ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ،  ﻤﺎ ﻳﺪﺧﻠﻬﻢ ﻓﻲ ﻓﺌﺔ ﺍﻟﺴﺠﻨﺎﺀ ﺭﻏﻢ أﻧﻬﻢ ﻻ ﻳﻘﻀﻮﻥ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺟﻨﺎﺋﻴﺔ،  ﻭﻫﺬﺍ ﻧﻬﺞ ﺧﺎﻃﺊ، إﺫ إﻧﻪ ﻻ ﻳﻌﺘﺪ ﺑﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺿﻌﻬﻢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺽ ،ﺍﻟﺬﻱ -ﻭﺑﻜﻞ أﺳﻒ – ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮن ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ، ﻏﻴﺮ أﻧﻨﺎ ﻧﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﺤﺎﺑﻴﺲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ. ومعروف لوزارة العدل أن ﻣﺤﺒﻮﺱ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ،  ﺍﻟﺬﻱ ﺻﺪﺭ ﺑﺤﻘﻪ ﻗﺮﺍﺭ أﻭ ﺣﻜﻢ ﺑﻮﺿﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺑﻤﻮﺟﺐ أحكام ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ الإجراءات ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﺴﻨﺔ 1983ﻡ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺈﺟﺮﺍﺀﺍت اﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ، باعتبار أﻥ ﺍﻟﻘﺒﺾ ﻋﻠﻴﻪ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻦ ﻃﺮﻕ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺍلأﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻤﺒﻴﻨﺔ في ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮر، ﻭﺫﻟﻚ متى ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻣﺘﻌﻠﻘﺎً ﺑﺎﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﺪﻳﻦ ، أﻭ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﺴﺪﺍﺩ ﻣﺎﻝ ويكون الحبس وجوبياً حتى تمام الوفاء، ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻮﺿﺢ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺷﺨﺼﺎً اعتبارياً ﻳﺤﺒﺲ ﺍﻟﺸﺨﺺ أﻭ ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻨﺎﻁ ﺑﻬﻢ ﺳﺪﺍﺩ ﺍﻟﺪﻳﻦ أﻭ ﺍلأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﻪ.
نظام الإكراه المدني
ﻛﻤﺎ أﻥ ﺍﻟﺤﺒﺲ ﻳﻄﺎﻝ أﻳﻀﺎً (ﺍﻟﺨﻠﻒ ﺍﻟﺨﺎﺹ) ،ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻭﺭﺛﻮﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ عن ﻣﻮﺭﺛﻬﻢ، ويقع في إطار اﻟﺪﻳﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺮﻭﺽ، ﻭﺍﻟﺘﻌﻮﻳﻀﺎﺕ، ﻭالنفقات، ﻭﺍﻟﺪﻳﺎﺕ، ﻭﻣﺎ ﻳﻨﺸﺄ ﻣﻦ التزامات ﻣﺎﻟﻴﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﺍﻟﻌﻘﻮﺩ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ،كالإيجارات ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﻭﻣﺎ ﺗﺤﻜﻢ ﺑﻪ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﻮﻳﺾ، أﻭ ﺭﺩ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﻌﺪ ﺛﺒﻮﺗﻪ. هذا النوع من الحبس ــ بحسب العباسي ــ  جاء عند فقهاء القانون المدني تحت مسمى (ﻨﻈﺎﻡ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ) أو الحبس التهديدي ، وهو نظام له مثالبه الشرعية والدستورية، وﻳﻌﻨﻲ باختصار: ﺣﺒﺲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ لإﺟﺒﺎﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺳﺪﺍﺩ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺩﻳﻦ ﺛﺎﺑﺖ ﺑﻤﻘﺘﻀﻲ ﺣﻜﻢ ﻗﻀﺎﺋﻲ. ﻭﻗﺪ ﻋﺮﻓﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﺎﺕ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍنين ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﻟﺠﺄﺕ إليه، ﻟﻜﻦ ﻭﻓﻘﺎً ﻟﺘﺤﻮﻃﺎﺕ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻭﺷﺮﻭﻁ ﺻﺎﺭﻣﺔ ، أﻫﻤﻬﺎ ثبوت مماطلة المدين ﻓﻲ ﺳﺪﺍﺩ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺩﻳﻦ، ﻭأﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺒﺲ ﻟﻔﺘﺮﺓ ﻣﻌﻴﻨﺔ ، ﻳﺤﺪﺩﻫﺎ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻭﻓﻘﺎ ﻟﺴﻠﻄﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﻘﺪﻳﺮﻳﺔ ﻭﺗﺤﺖ إﺷﺮﺍﻓﻪ، ﻭﻋﺎﺩﺓ ﻻ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﻓﺘﺮﺓ ﺍﻟﺤﺒﺲ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪﻱ ﺍلأﺳﺒﻮﻋﻴﻦ، ﺑﻴﺪ أﻥ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ أﻇﻬﺮ ﻏﻠﻮﺍً ﻭﺗﺸﺪﺩﺍً ﻏﻴﺮ ﻣﺒﺮﺭين ،ﻭغير ﻣﺴﺘﺴﺎغين ﻓﻲ ﺷﺄﻥ ﻧﻈﺎﻡ ﺍلإﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﻌﻞ ﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﺑﻴﺪ ﺍﻟﺪﺍﺋﻦ ﻳﻔﻘﺪﻫﺎ ﻟﻪ متى أﺭﺍﺩ، ﻭلأﺟﻞ ﻏﻴﺮ مسمى ،ﺩﻭﻥ أﻥ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺣﻴﺎﻝ ﺫﻟﻚ ﺷﻴﺌﺎً ، سوى ضمانة وحيدة هي أﻥ ﻳﺜﺒﺖ ﺣﺒﻴﺲ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ إﻋﺴﺎﺭﻩ ﺑﻤﻮﺟﺐ بينة ﻛﺎﻓﻴﺔ.
القانون في التاريخ
وذهب القانوني “أسعد الطيب العباسي” إلى أن هذا النظام القانوني عفا عليه الدهر وتخطته السنون، فعندما ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﻄﻔﻮﻟﺔ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻼﻣﺢ ﺍﻟﻔﺘﻮﺓ ، ﻧﺸﺄ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺗﺒﻌﺎً ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﻳﺴﺘﺮﻕ، ﻭﻳﺒﺎﻉ، ﻭﻳﺴﺨﺮ، ﻭﻳﺤﺒﺲ، ﻭﻳﻌﺬﺏ، ﻭأﺧﺬﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻓﻲ الاستمرار ﻓﻲ ﻋﻬﻮﺩ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ، ﻭﺍﺗﺼﻠﺖ ﺑﻌﻬﻮﺩ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟوسطى، ﻏﻴﺮ أﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺭﺩﺕ ﺣﻴﺎﻟﻬﺎ ﺑﻌﺾ الاستثناءات، ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻟﻢ نسمع بأن ﻣﺪﻳﻨﺎً ﻗﺪ عذب أو سخر أو ﺧﻠﺪ ﻓﻲ ﻣﺤﺒﺴﻪ ﺑﺴﺒﺐ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ بديونه، وقد أدرك مبكراً ﺑﻌﺾ أﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺒﺼﺎﺋﺮ ، ﺍﻟﺨﻠﻂ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺘﻤﻞ ﻋﻠﻴﻪ ، أﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻤﻠﻚ “ﺑﻮﻛﺨﻮﺭﻳﻮﺱ” ﻣﺆﺳﺲ ﺍلأﺳﺮﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ أﺳﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﻋﻨﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺟﺴﻢ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ،  ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻣﻜﻮﻧﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺬﻣﺔ ،ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ استرقاقه ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ، لأﻥ الاسترقاق يقع ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﻢ. ﻛﺬﻟﻚ “ﺻﻮﻟﻮﻥ” ،ﺣﺎﻛﻢ ﻣﺪﻳﻨﺔ “أﺛﻴﻨﺎ” ، ﺍﻟﺬﻱ أﺻﺪﺭ ﻓﻲ القرن السادس ﻗﺎﻧﻮﻥ (ﺍﻟﺴﻴﺴﻜﺜﻴﺎ) أﻭ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺮﻓﻊ الأﻋﺒﺎﺀ، ﻭﺑﻤﻮﺟﺒﻪ أﻟﻐﻴﺖ جميع ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ،  ﺳﻮﺍﺀ أﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﺘﺤﻘﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ أﻭ للأﻓﺮﺍﺩ، ﻭﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ الجريء أﻥ أﻓﻠﺖ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻴﻦ ﻣﻦ ﺷﺒﺢ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﺮﺑﺺ ﺑﻬﻢ.
تتعداه للأسرة
واستطرد العباسي  في شرحه، قائلا : أن ابرز ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻈﺎﻡ الإﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ هوﺍﻟﺨﻠﻂ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺰﺝ ﺑﻴﻦ ﺍلإﻧﺴﺎﻥ ﻭﺫﻣﺘﻪ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻻ ﺷﻚ أﻥ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺰﺝ ﻭﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﻠﻂ ﺳﻤﺎﺕ ﻻ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ الأﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ ﻭﺍﻟﻤﺘﻄﻮﺭﺓ ، ﻭأﻥ الآﺛﺎﺭ ﺍﻟﺴﺎﻟﺒﺔ ﺍﻟﻤﺘﺮﺗﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﺑﺴﻠﺐ ﺣﺮﻳﺘﻪ،  إﻧﻤﺎ ﺗﺘﻌﺪﺍﻩ إلى أﺳﺮﺗﻪ ﻭالإﺳﺎﺀﺓ ﻟﺴﻤﻌﺘﻪ ﻭالإﺿﺮﺍﺭ بالاقتصاد ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ، وﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ أﻥ يأﺧﺬ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ، وﻳﻜﺮﺳﻪ ﺗﻜﺮﻳﺴﺎً ﻣﺸﺪﺩﺍً ﻭﻣﻮﺳﻌﺎً، فعلى ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ أﻥ ﻗﺎﻧﻮﻥ الإجراءات ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻟﺴﻨﺔ 1983ﻡ ، ﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﺑﺎﺑﻪ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻭﺍﻑِ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺬ، إﻻ أﻧﻪ ﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﻭﻓﻲ ﺑﺎﺑﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ،  اعتبر الأﺣﻜﺎﻡ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ صدورها ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺻﻴﺮﻭﺭﺗﻬﺎ ﻧﻬﺎﺋﻴﺔ أﻭ ﺣﺎﺋﺰﺓ على ﺣﺠﻴﺔ أﻣﺮ ﺍﻟﻤﻘﻀﻲ ﻓﻴﻪ.
ﻓﻲ ﻟﺠﺔ توهانه ﻭإﻣﻌﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﺪﺩ ، ﺟﻮﺯ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻧﻲ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (198) ﻣﻦ ﻗﺎﻧﻮﻥ الإﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ ﻟﺴﻨﺔ 1991ﻡ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ أﻥ ﺗﺼﺪﺭ أﺣﻜﺎﻣﺎً ﺑﺎﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ،ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺳﻠﻄﺎﺕ ﻣﺪﻧﻴﺔ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (204) ﻣﻦ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ،  ﻭأﻥ ﺗﺘﺤﺼﻞ ﻋﻠﻴﻪ أﻭ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ التزام ﻣﺎﻟﻲ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺸﺎﻛﻲ بإﺗﺒﺎﻉ الإجراءات ﺍﻟﻤﻨﺼﻮﺹ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﺎﻧﻮﻥ الإجرﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ. نرى ــ والحديث للعباسي ــ أن هذا النظام غير دستوري، إﺫ إﻧﻪ ﻳﺘﺼﺎﺩﻡ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﻧﺼﻮﺹ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ الانتقالي،  منها اتفاقية (ﻓيينا) ﻟﻠﻌﻬﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺨﺎﺹ باﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ، ﺍﻟﺘﻲ ﺻﺎﺩﻗﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺑﻤﻮﺟﺐ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺭﻗﻢ 15/ 1986ﻡ وﺍﻟﻤﻨﺸﻮﺭة ﺑﺎﻟﻐﺎﺯﻳﺘﺔ ﺭﻗﻢ 1388 ﺑﺘﺎﺭﻳﺦ 15 ﻣﺎﺭﺱ 1986ﻡ ﺑﺪﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﻨﺎﺋﺐ ﺍﻟﻌﺎﻡ.
تنفيذ المعاهدات الدولية
ﻭقال “العباسي ” إن ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (11) ﻣﻦ الاتفاقية ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ نصت ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺳﺠﻦ ﺃﻱ ﺷﺨﺺ ﻟﻤﺠﺮﺩ ﻋﺠﺰﻩ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﺎﻟﺘﺰﺍﻡ ﺗﻌﺎﻗﺪﻱ،  ﻭﻫﻮ ﺣﻖ أﺳﺎﺳﻲ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ الانتقاص ﻣﻨﻪ،  حتى ﻓﻲ ﺣﺎﻻﺕ ﺍﻟﻄﻮﺍﺭﺉ، ﻛﻤﺎ أﺑﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ ﻣﻦ الاتفاقية ﻧﻔﺴﻬﺎ. ومن نافلة القول إن الدستور قد تعهد بتنفيذ المعاهدات الدولية المصادق عليها من جمهورية السودان.  وقد ﺗﻮﺍﺿﻊ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﺬ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ،  ﻭﺍﻋﺘﺒﺮوﻩ غير ملب لمتطلبات ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ. وﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ “ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺍﺯﻕ ﺍﻟﺴﻨﻬﻮﺭﻱ”: ﺇﻥ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ ، حتى ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ للوﻓﺎﺀ،  ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺉ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ، ﻓﺎﻟﻤﺪﻳﻦ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻪ ، ﻻ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ ، ﻭﺟﺰﺍﺀ الالتزام ﺗﻌﻮﻳﺾ ﻻ ﻋﻘﻮﺑﺔ. ﻓﺤﺒﺲ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺭﺟﻮﻉ ﺑﻔﻜﺮﺓ الالتزام إلى ﻋﻬﺪﻫﺎ ﺍﻷﻭﻝ، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﻳﻠﺘﺰﻡ ﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ،  ﻭﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻲ ﻳﺨﺘﻠﻂ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ،  فيتلاقى معنى ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻣﻊ معنى ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ،ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰﺍﺀ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ. ﻻ ﻣﺨﺮﺝ ﻟﺤﺒﻴﺲ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ، إلا ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ،أو أﻥ ﻳﺜﺒﺖ إﻋﺴﺎﺭﻩ ﺑﺒﻴﻨﺔ ﻛﺎﻓﻴﺔ، وإﻻ ﻇﻞ ﻣﺨﻠﺪﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺒﺲ ﻃﺎﻟﻤﺎ كانت ﻫﺬﻩ ﺭﻏﺒﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﻦ.
تضارب في الأحكام
ومتوجهاً بسؤال للعدل قال “العباسي”: ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺴﻤﺢ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﻟﻠﻤﺪﻳﻦ أﻥ ﻳﻘﺪﻡ ﺑﻴﻨﺔ إﻋﺴﺎﺭﻩ، ﻭﻫﻮ ﻣﻄﻠﻖ ﺍﻟﺴﺮﺍﺡ،  ﺭﻏﻢ أﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮأﻱ ﻭﺍﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍلإﺳﻼﻣﻲ. ﻭﻧﺮى أﻥ ﻧﻈﺎﻡ أخذ البينة “ﺍلإﻋﺴﺎﺭ”،  ﺑﺎﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﻈﻤﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ،  تثير ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍلإﺷﻜﺎﻻﺕ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻖ،  بسبب أنها تناقض ﻣﺒﺪﺃ مهماً ﻭأﺳﺎﺳﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ للإﺛﺒﺎﺕ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺪﺩ ﺛﻘﻞ ﺍﻟﺒﻴﻨﺔ في ﺍﻟﺪﻋﺎﻭﻯ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، فهي لا ﺗﺘﻄﻠﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮى ﻣﻦ الإﺛﺒﺎﺕ، ﻭﻳﻜﻔﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺮﺟﻴﺢ ﺍﻟﺒﻴﻨﺎﺕ، ﻭﻫﻲ ﻧﻈﺮﺓ ﻳﺠﺐ أﻥ ﺗﺸﻤﻞ ﺩﻋﺎﻭﻯ الإﻋﺴﺎﺭ لطبيعته ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ، ﻭأﻥ ﺍﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﻗﺪ ﺟﻮﺯﺕ ﻟﻠﺪﺍﺋﻦ أﻥ ﻳﺪﺣﺾ ﺍﻟﺒﻴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻘﺪﻣﺔ، ﻭأﻥ ﻳﺠﻠﺐ بينة ﻣﻨﺎﻫﻀﺔ،  ﻭعلى ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ،  فإﻥ ﺍﻟﻤﺸﺮﻉ ﻟﻢ ﻳﺤﺪﺩ معنى ﺍﻟﺒﻴﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺪﺙ ﻋﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلقانون ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭ،  ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻓﺘﺢ ﺑﺎﺑﺎ ﻭﺍﺳﻌﺎً للاجتهاد ، ﻭﻧﺠﻢ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺗﻀﺎﺭﺏ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﺧﺮﻕ ﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺛﺒﺎﺕ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ.
وزاد: ﻫﺬﺍ ﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ ، ﻭﻣﻦ ﻧﺎﺣﻴﺔ أﺧﺮﻯ ، فإﻥ الإﻋﺴﺎﺭ ﻣﺴﺎﻟﺔ أﺻﻴﻠﺔ، أﻣﺎ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﻓﻬﻮ ﻣﺴأﻟﺔ ﻋﺎﺭﺿﺔ، ﻟﺬﺍ ﻳﺘﻮﺟﺐ إﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﻭﻟﻴﺲ الإﻋﺴﺎﺭ ﺧﺎﺻﺔ، ﻭأﻥ ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ﻭﺍﻗﻌﺔ إﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻭالإﻋﺴﺎﺭ ﻭﺍﻗﻌﺔ ﺳﻠﺒﻴﺔ ،ﻻ ﻳﺠﻮﺯ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺤﻞ إﺛﺒﺎﺕ ،ﻭﻓﻘﺎً ﻟﻔﻘﻪ الإﺛﺒﺎﺕ. ﻭﻳﺤﻀﺮﻧﺎ ﻫﻨﺎ ﻗﻮﻝ ﺍلإﻣﺎﻡ ﻣﺎﻟﻚ رضي الله عنه: ﺍﻟﺒﻴﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺍلإﻋﺴﺎﺭ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﻲ لا يجوز سماعها.
إخلال بالتوازن
ولخص المستشار القانوني الأستاذ “أسعد الطيب العباسي” حديثه ، ويجدد رسالته الي  وزير العدل، ﺑﺄﻥ ﺩﻋﺎﻭﻯ الإﻋﺴﺎﺭ تستغرق ﻭﻗﺘﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻛﻢ، ﺭﻏﻢ أﻧﻬﺎ ﺫﺍﺕ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻣﺴﺘﻌﺠﻠﺔ، ﻭأﻥ ﺧﻄﺄ ﺍﻟﺼﻴﺎﻏﺔ ﻓﻲ ﻣﺒﻨﺎﻩ ﻭﻣﻌﻨﺎﻩ،  ﺳﺎﻋﺪ ﻋﻠﻰ ﺗﻀﺎﺭﺏ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻭﻋﺪﻡ ﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺯﺍﺩﺕ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﻣﺤﺎﺑﻴﺲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ. وقال :ﻻﺑﺪ أﻥ ﻧﺬﻛﺮ أﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻻ ﻳﺮﺗﻀﻴﺎن أﻥ ﺗﺆﻛﻞ أﻣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﺒﺎﻃﻞ ، ﻭﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭأﻥ ﺭﺩ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ لأﻫﻠﻬﺎ لابد منه، مبيناً أنهم لا يهدفون من وراء حديثهم ﻋﻦ إﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻣﺤﺎﺑﻴﺲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ، أن ﻧﻐﻤﻂ ﻟﻠﺪﺍﺋﻨﻴﻦ ﺣﻘﺎً ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺎً، ﻓﻬﻢ ﺑﻼ ﺷﻚ أﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﻛﺎﻥ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ ، ﻭﻻﺑﺪ ﻣﻦ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺭﺩﻫﺎ إﺫﺍ ﻣﺎ ﺍﻧﺘﻬﻜﺖ، ﻏﻴﺮ أﻥ ﺍﻟﻨﻬﺞ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻧﺘﻬﺠﻪ ﻗﺎﻧﻮﻧﻨﺎ أﺧﻞ ﺑﺎﻟﺘﻮﺍﺯﻥ،  ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﺪﺍﺋﻨﻴﻦ ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻴﻦ،  ﻭﻫﻮ أﻣﺮ ، ﻭﺿﺤﺖ أﺿﺮﺍﺭﻩ ﻭﺛﺒﺖ انحيازه، ﻭإﺫﺍ ﻣﺎ ﻗﻤﻨﺎ بإزالة ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﻠﻞ،  ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺭﺩﻫﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺟﻌﻞ ﺫﻣﺔ ﺍﻟﺪﺍﺋﻦ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ، ﻫﻲ ﺍﻟﻀﻤﺎﻥ ﻟﺪﻳﻮﻧﻪ،  ﻻ ﺣﺮﻳﺘﻪ أﻭ ﺟﺴﻤﻪ.
ﻋﻠﻴﻪ يطالب  الخبير القانوني، بأﻥ ﺗﻤﺘﺪ ﺍﻟﻴﺪ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ لإﻟﻐﺎﺀ ﻧﻈﺎﻡ الإﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺒﺪﻧﻲ أﻭ ﺗﻌﺪﻳﻞ اﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻴﺔ ﻭالإﺟﺮﺍﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻟﻪ، وهذا ما نرجو أن تحققه بصفة أصلية،  واحتياطياً تحديد مدة الحبس على ألا تتجاوز الأربعة أشهر، وأن تسمع بينة الإعسار ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺒﺲ،  ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ،  وألا يعاد سماعها إﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻳﻦ ﻗﺪ ﺗﺤﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﺳﺎﺑﻖ أﻋﻠﻦ إﻋﺴﺎﺭﻩ ، ﻭﺗﺴﻤﻊ ﻓﻘﻂ ﺑﻴﻨة ﺍﻟﺪﺍﺋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻫﻀﺔ.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية