نائب رئيس جبهة الشرق الدكتورة (آمنة ضرار) في حوار مع (المجهر)
لا تزال اتفاقية سلام شرق السودان تعاني من عدم إنفاذ عدد من بنودها وإنزالها على أرض الواقع، على الرغم من أن الاتفاقية تم التوقيع عليها في زمن قياسي، ومضى وقت طويل على التوقيع عليها، وأنهت الحرب في شرق السودان لكن بعض بنودها لا تزال تراوح مكانها، من بينها الترتيبات الأمنية ومعالجة المناطق التي تأثرت بالحرب وتقديم الخدمات الأساسية للأهالي في الريف.. (المجهر) جلست إلى نائب رئيس جبهة الشرق، ورئيس حزب الشرق الديمقراطي ووزير الدولة بوزارة العمل الدكتورة (آمنة ضرار) وقلبت معها سير إنفاذ الاتفاقية والصعوبات التي تواجه إنزال الاتفاقية إلى الواقع، بالتركيز على منطقة جنوب طوكر التي تعاني الكثير من الأزمات والمجاعة حسب الدكتورة فإلى مضابط الحوار..
{ لنبدأ بتقييمك لاتفاقية سلام الشرق وسير تنفيذها؟
– اتفاقية سلام شرق السودان، هي إحدى اتفاقيات السلام المهمة لإحداث الاستقرار والتنمية في منطقة شرق السودان، وفي إحداث الاهتمام بإنسان المنطقة، فأية تنمية أو تطوير إن لم يلامس إنسان المنطقة المعنية فهو لا يعني المواطن في شيء، ولا يعني الاستقرار ولا المستقبل لتلك المنطقة وإنسانها. صحيح إن الاتفاقية تم التوقيع عليها في زمن قياسي وبنودها واضحة جداً ولا يشوبها أي غموض، لكن تنفيذها شابته بعض المشاكل والتأخير والتردد، ولعل ذلك يوضح إلى أي مدى أن الاتفاقيات لا تستطيع أن تسير بنفس السلاسة كما يتوقع حتى الوصول إليها. ونحن من جانبنا عانينا كثيراً حتى تم تنفيذ بعض بنود الاتفاقية، وأول معاناة كانت في بند الترتيبات الأمنية، فقد استغرقنا كل هذا الزمن وأخيراً جداً تم الاتفاق على إنصاف قواتنا وأبنائنا مثلما يتم التعامل به مع الآخر، وحتى الآن لم يطبق وينفذ على أرض الواقع، لكن على الأقل وصلنا إلى اتفاق بشأنه وهذا من ناحية الترتيبات الأمنية.
{ ماذا عن التنمية؟
– بالنسبة للتنمية، المنطقة عانت تماماً من غيابها، وأولى هذه المشاكل في البداية تمثلت في قلة تدفق المال لصندوق إعمار الشرق، وبعد فترة قليلة أصبح التدفق يواجه صعوبات شديدة جداً، وظل الصندوق يعاني قلة تدفق الأموال عليه، وعانينا أكثر حينما قلنا إن الصندوق والمال المخصص له لتنمية وإعمار شرق السودان (أصبح بديلاً للمبالغ الموجودة والمخصصة أصلاً لتنمية شرق السودان).
{ ألم تتحسبوا لذلك أثناء تفاوضكم؟
– تحسبنا لذلك أثناء حوارنا وتفاوضنا مع الحكومة، وقلنا إن هذا لا يمكن أن يكون البديل، ألا أنه أصبح البديل، وبالتالي لم تعد له مساهمة فاعلة في تغيير الصورة والشكل الموجود في شرق السودان. تحدثنا في الاتفاقية عن أهمية معالجة المواقع التي تأثرت بالحرب، لكن حتى هذه اللحظة ما زالت هذه المناطق متأثرة بالحرب ولم تراوح مكانها ومتردية رغم أن الحرب توقفت، واتفاقيات نيفاشا وأبوجا والشرق والقاهرة تتبعت الطريق للوصول إلى الخرطوم، لكن ما زالت هذه المناطق تعاني من الحرب كأنما كُتب عليها ذلك.
المهم، لا تزال منطقة جنوب طوكر واحدة من المناطق المتأثرة بشدة بالحرب، وتأثرت كل القرى فيها وما زالت تعاني حتى الآن من الإهمال والطوارئ رغم أن السيد رئيس الجمهورية لم يصدر قراراً بذلك، بل أصدر قراراً بإنهاء الطوارئ، لكن حتى الآن هي موجودة وفي هذا إشكال، لأنه لا يمكن أن تعبر إلى أرضك و(إنت ماخد إذن). إذن حتى اتفاقية الشرق التي أحدثت السلام ودعت للاستقرار وأوجبته لم تستطع أن تعالج مشكلة جنوب طوكر، هذا من ناحية التنمية الاقتصادية. أما المشاركة في السلطة فكما ترى تقلصت إلى حد كبير جداً وبالتالي تقلص دورنا في اتخاذ القرار، فالمشاركة ليست رغبة في ذات السلطة بقدر ما هي رغبة في المراقبة والمشاركة في اتخاذ القرار والالتقاء بالجماهير والمواطن لمعرفة مشاكله ومن ثم إيجاد الحل لها، وكل هذا تقلص تماماً.
{ ما نسبة تقليص مشاركتكم في السلطة وحكومة المؤتمر الوطني العريضة؟
– بالنسبة لنا تقلصت المشاركة في السلطة بنسبة كبيرة تقدر بأكثر من (95%).
{ ما هي الأسباب التي دعت لتقليص المشاركة؟
– بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، جاءت مشاركتنا بهكذا قلة في الحكومة العريضة، ولم ندر الأسباب.
{ طيب لماذا (سكتم) إذن؟
– لم نسكت بعد، لكن لا يمكن أن نحمل السلاح مرة أخرى، فسلاح الكلمة ما زال موجوداً، وما زلنا نستخدمه، وما زلنا نقول رأينا في ذلك. لقد وافقنا على السلام والاستقرار، ولم نوافق على عدم المشاركة، إنما قلنا رأينا لكننا في هذه الحالة مثلنا مثل غيرنا في خوض الانتخابات.
{ هل وضعتم تصوراً معيناً للمشاركة في الحكومة العريضة؟
– وضعنا تصوراً لكن لم يقبل بالشكل الذي وضعناه، فكان الذي وُضع من قبلهم- أي المؤتمر الوطني- محدوداً جداً، وبما أنهم يمثلون أغلبية في البرلمان وبالتالي يشكلون الحكومة، فقد كانت عطايا أكثر من أنها مشاركات بالدرجة المطلوبة التي ينبغي أن تتم على ضوء وجود اتفاقية.
{ ما هي حقيقة الأوضاع في منطقة جنوب طوكر ونريد تقييماً دقيقاً للأوضاع في المنطقة ولماذا اتفاقية سلام الشرق لم تلق بظلالها على المنطقة دون غيرها؟
– جنوب طوكر منطقة تتميز بوجود سكان متجانسين، وأرض خصبة بها خمسة وديان كبيرة ولا تحتاج تربتها إلى أسمدة، قبل الحرب كانت المنطقة تسير نحو التطور بشكل سليم وصحيح، ولا تحتاج إلى إغاثات ومعونات، لأن الأهالي يزرعون في الوديان ويمارسون صيد الأسماك، وهنالك وديان تغذي آبارهم بالمياه وتروي قراهم، ويملكون القرى الصغيرة والكبيرة، ويوجد أيضاً رُحّل، كما يملكون جزءاً كبيراً من الأنعام (ثروة حيوانية)، ويوجد حراك سكاني واقتصادي، فجاءت الحرب- والحرب مصيبة- وتغير الوضع تماماً، تهدمت القرى، وقُتل الناس، ونزح الأهالي، وهُجرت القرى، فإذا ذهبت إلى هناك تجد عدداً كبيراً من المباني المقصوفة بالطائرات وغيرها، ما يؤكد أن المسألة أصبحت غير محتملة في تلك الأرض، والمناطق الزراعية أهملت وأصبحت مرتعاً (للمسكيت)، وفي السنوات الأخيرة ضرب المنطقة الجفاف وتأثيرات البيئة، وما حدث في القرن الأفريقي نحن امتداد طبيعي له، وبالتالي تأثرنا بذلك كثيراً ولم يكن هنالك تحوط من جانب الحكومة لذلك، وهذا ما أدى إلى حدوث مشاكل العام الماضي منها الفيضانات، وهذا العام لا توجد أمطار وهذا سبب ما أصاب منطقة جنوب طوكر من كوارث، وقد تقلصت معظم المنشآت، والآبار تهدمت، ولا توجد صيانة ومراجعة، وكأنما هي منطقة (منسية عمداً)، وخارج الخارطة التنموية في السودان.. هذا هو الوضع في جنوب طوكر.
{ نفهم من هذا أن المنطقة تعاني المجاعة؟
– نعم، المنطقة تعاني حالة مجاعة.
{ ما تقديرك لعدد المتأثرين من هذه المجاعة؟
– هذا العام لم تهطل أمطار في المنطقة، وعادة أمطارها صيفية وشتوية، والصيف الماضي لم تهطل أمطار وكذلك كان الحال في الشتاء الماضي، وبالتالي توقفت الزراعة (الدخن والخضروات)، ونفقت الحيوانات، وسعر جوال الذرة في المنطقة الآن أغلى من أية منطقة أخرى، والقدرة الشرائية تراجعت، وأصبح كلما تمسكت بالجلوس في أرضك فكأنما تعاقب نفسك.. هذا هو حال أهل جنوب طوكر، لكنهم ما زالوا متمسكين بأرضهم رغم الغلاء، وكذلك الفقر نسبته كبيرة جداً في المنطقة.
{ مقاطعة.. كم تصل نسبة الفقر في جنوب طوكر؟
– أنا أقدره بما لا يقل عن (70%) في تلك المنطقة وحتى البقية بالكاد يستطيعون عيش حياة بسيطة، لأن بعض أبنائهم خارج السودان وخارج المنطقة ويستطيعون تقديم شيء لهم، لكن النسبة عالية وكل الحسابات والإحصائيات تشير إلى ذلك (نسبة الفقر العالية)، وحتى الذين يمتلكون بطاقات تأمين صحي فأين هو الطيب؟ وأين هو المركز الصحي والدواء؟ (لا يوجد). أتذكر أن آخر دواء وصل إلى المنطقة جاء عن طريقي أنا، ومرة اشتريت أدوية ونقلتها إلى المنطقة، وفي مرة جاءت أدوية من الإخوة المصريين، وأعطيت بقية المناطق لأنني أعرف شدة الحاجة.
{ كم يبلغ العدد الكلي للسكان في جنوب طوكر؟
في جنوب طوكر أقدر عدد السكان بما يتراوح بين (45.000) إلى (60.000) مواطن.
{ هل تتعرض منطقة جنوب طوكر للاستهداف كما يتردد في ولاية البحر الأحمر وتحديداً من واليها محمد طاهر أيلا؟
– الاستهداف الذي أراه والذي يواجه المنطقة هو الإهمال، فعندما تكون مهملاً في خارطة التنمية فهذه مشكلة، وعندما يكون الطريق الذي يؤدي إلى جنوب طوكر يتوقف قبل طوكر بنحو (17) كلم فهذه معاناة. هنالك أوراق تتحدث عن تنمية المنطقة بشكل جميل جداً، لكن لا توجد ميزانية على أرض الواقع، حتى المراكز الصحية غير موجودة، يمكن أن تكون هنالك منظمات تستطيع أن تقدم هذا، ولا توجد عربة إسعاف، فأية امرأة في حالة ولادة متعثرة معرضة للموت هي أو جنينها، تخيل حال امرأة (حبلى) يحلم أهلها بأنها ستنجب طفلاً ويصبح فقده أقرب إليها لأنها أهملت لسنوات طويلة ولم تعد في خارطة التنمية.
{ في تقديرك.. ما هي المعالجة الآنية لأزمة جنوب طوكر؟
استطعنا أخذ (1000) جوال ذرة من ديوان الزكاة و(1000) جوال أخرى من المخزون الإستراتيجي، بجانب التعاون مع جمعية الهلال الأحمر السوداني عبر تقديم دعوة إلى المانحين لتقديم العون لإحضار (1500) جوال ذرة، بالإضافة لما تبقى لدينا من السكر والدقيق لدى ديوان الزكاة، وهذه مرحلة أولى، وتم تشكيل لجنة برئاسة (حسن كنتباي) مقرر اللجنة، بعضوية الزكاة وصندوق الإعمار ووزارة الصحة للنظر في كافة القضايا التي تهم جنوب طوكر للخروج بتصور ومعالجة شاملة.
{ ماذا بعد وصول الإغاثات؟
– نفكر في الخروج من هذه الأزمات واستعادة جنوب طوكر لقدرتها الاقتصادية، والآن ندرس خطة للتعليم وأخرى للصحة وخطة للمواقع الزراعية المختلفة والتخلص من المسكيت. ومشكورة دولة (قطر) التي تقدمت لإنشاء ثلاث قرى نموذجية سيبدأ تنفيذها قريباً جداً وستكون في: (مرافيت) و(عقيق) التي دمرت بالكامل في الحرب وفي (قرورة)، وأيضاً ستُنفذ مخرجات مؤتمر الكويت للمانحين فيما يختص بالمدارس والمستشفيات الريفية، ووضعنا دراسة للآبار في المنطقة.
{ هناك حديث عن أن منطقة جنوب طوكر في حاجة إلى حملة دولية؟
– الحملة أطلقت، وجاءت مواد إغاثة عبر الهلال الأحمر السوداني من جهات مختلفة، نحن نتحدث عن الحملة الدولية بشفافية وحديث العارفين بالمنطقة، وبالتالي نعرف أن هناك حاجة، وهناك دول ساهمت معنا.
{ دار حديث في الصحف خلال الأيام الماضية عن طرد عدد من المنظمات من شرق السودان.. هل تم إخطاركم بالخطوة.. وما هو موقفكم منها.. وهل الإجراء سيفاقم الوضع في الشرق؟
– أعتقد أن المنظمات تقدم الخدمات وتصل لمناطق لا تستطيع الحكومات الوصول إليها، والمنظمات يعمل بها عدد كبير من السودانيين وتقوم بدورها باستخدامهم وبالتالي معرفة المناطق التي تحتاج لتقديم العون الإنساني أو الخدمي، وفي تقديري أن العديد من المنظمات في الشرق قامت بدور كبير، وطرد المنظمات لم اسمع به إلا من الصحف ولا أعلم سبباً لطردها، وأعتقد أن الخطوة جانبها الصواب.