حوارات

د. "محمد الفارابي" مدير المؤسسات العلاجية الخاصة المهدد بالقتل لـ(المجهر)

نجوت من خمس محاولات اغتيال.. وتعرض عليّ يومياً (30) ألف جنيه رشوة
المدير السابق تعرض منزله للهجوم (18) مرة من قبل مسلحين.. ولا أخشى إلا الله!!
حوار- محمد إبراهيم الحاج
عندما خطوت أولى خطواتي داخل إدارة المؤسسات العلاجية الخاصة بالخرطوم لفت انتباهي أن معظم العاملين فيها كانوا في بداية سن الشباب، لهذا لم يكن مستغرباً وجود مديرها د. “محمد سعيد الفارابي” الذي كنت أقصده يقاربهم في العمر، ولم يكن مستغرباً أيضا أن تكون المؤسسة التي تصدر خبر تهديد مديرها بالقتل من جهة مجهولة الصحف كخلية النحل وتضج بالحركة الدؤوبة في أطرافها.
 جلسنا إلى دكتور “الفارابي” الذي كان يتحدث بنبرة واضحة رغم حداثة سنه بأنه سيسعى إلى محاربة الفساد في العيادات الخاصة والمؤسسات المخالفة، وعدّ ذلك لا يقل عن الجهاد والقتال في الأحراش.
تهديد مدير مؤسسة علاجية بالقتل!! يبدو الأمر صعباً للغاية وهو يمارس مهنته، جلسنا إليه وتطرقنا معه إلى كثير من قضايا المؤسسات العلاجية الخاصة، بالإضافة إلى قصة تهديده بالقتل والإجراءات التي سيتبعها.. فإلى مضابط الحوار..

{ قمتم بحملات تفتيشية خلال الأيام السابقة رغم أن أزمة العيادات الخاصة قديمة جداً.. هل تعتقد أنكم تأخرتم؟
_ هذه الحملات خرجت منذ بداية العام الماضي بعد ترتيب العمل داخل الوزارة بالنسبة للمؤسسات الخاصة مثل العيادات ومراكز الأعشاب ومراكز التجميل والمؤسسات التي لا تملك ترخيصاً، ومنذ شهر يناير من عام 2014 بدأت ظاهرة المواطنين الذين ينتحلون صفات الأطباء وفنيي المعامل والتمريض، وفي منتصف العام 2014 بدأت الحملة على كل مراكز الأعشاب، وكان يقودها المجلس القومي للصيدلة والسموم، وكنا نشارك فيها ومباحث ولاية الخرطوم والإدارة العامة للصيدلة بولاية الخرطوم.
{ وما هي النتائج التي أسفرت عنها هذه الحملات؟
_ أسفرت عن وجود كمية كبيرة من “الكوادر المنتحلة” بالذات في إطراف الولاية لأن الرقابة فيها كانت ضعيفة جداً.. وكان هناك انتشار كبير جداً لبعض المواطنين الذين ينتحلون صفات الأطباء.. كانوا يقابلون المرضى ويكتبون الروشتات و”يركبوا دربات”.
{ في أي المناطق يحدث ذلك؟
_ في كل أطراف الولاية “زي مايو والسلمة ودار السلام وأمبدة وأم عشوش” وحتى في جبرة ذاتها في محطة الكهرباء كان هناك شخص ينتحل صفة طبيب ويتردد عليه آلاف المرضى.
{ هل قدمتموهم للمحاكمة؟
– نعم وحكم على بعضهم بالسجن لسنة، والبعض الآخر لسنتين، بالإضافة إلى الغرامة المالية الكبيرة.
{ أقصى عقوبة كانت سنتين؟
_ نعم.
{ كم عدد البلاغات التي دونت في هذه الوقائع؟
_ حوالي (117) بلاغاً من مراكز أعشاب إلى تجميل إلى انتحال صفة.
{ يقودنا ذلك إلى قضية الأعشاب؟
_ أولاً الأعشاب كموروث شعبي موجودة منذ القدم، وكانت تمارس في عطارات لأعشاب معروفة للكل ومعروفة بالنسبة للمجلس نفسه مثل زيت الزيتون والحبة السوداء ومصادرها معروفة، لكن تطورت هذه العطارات إلى محال أعشاب تقابل المرضى وتكتب الدواء وفي الفترة الأخيرة ظهرت محال متخصصة وتعلن عن نفسها في القنوات التلفزيونية والإذاعة والصحف، ولاحظنا وجود تضليل عبر هذه القنوات بأنهم يزعمون علاج جميع الأمراض عدا الموت.
{ بدون أن تملك أية رخصة؟
_ نعم.. بدون أن تكون لديها أية رخصة من الجهة الفنية، وعندما انتشرت هذه الظاهرة بدأنا حملات إرشادية عادية لتنويرهم بأن الجهة المسؤولة هي وزارة الصحة فيجب عليهم أن يعرضوا عليها الأعشاب التي تباع للمرضى حتى يتأكدوا من تسجيلها، وأن تكون آمنة للمريض الذي يتعاطاها، ووجدنا مقاومة شديدة ولم يستجيبوا، وأخطرناهم في الإدارة بالإغلاق حتى توفيق الأوضاع بالصورة الصحيحة لكنهم لم يلتزموا، فدونا بلاغات في حماية المستهلك والتفتيش القانوني، وتم تنفيذ حملات وضبطت جميع الكوادر في هذه المراكز غير المسجلة.
{ قلت إنكم وجدتم مقاومة.. ما هو شكلها؟
 _ المقاومة هي الرفض.
{ هل تعتقد أنهم مسنودون من جهة محددة؟
_ لا أنفي ولا أثبت.. لكن لا أعتقد أن هناك جهة “تكون عايزة الشغل يمشي خطأ”.
{ هل لديهم إمبراطوريات مالية قادرة على المقاومة بشكل عنيف؟
_ والله تكاليف عملهم رخيصة يحصلون بمقابلها على أموال طائلة،
لأن الأعشاب غير مكلفة وتباع بمبالغ باهظة لأن الناس لا يعرفون المكون بداخلها وهناك بعض الأعشاب سعرها (10) جنيهات تباع بمليون جنيه، وتزيد القيمة كلما تم توجيهها لمرض معين.. مثلاً يقولون إن هناك عشبة تعالج السرطان وهو لا يتعالج.
{ هل دور إدارة المؤسسات العلاجية إشرافي أم رقابي أم تنفيذي؟
_ دورها رقابي إشرافي لوضع خطط وسياسات تزيد من رفع كفاءة وجودة العمل في القطاع الصحي.
{ ما هي الإجراءات التي تستخدمونها ضد المخالفين.. هل تقدمونهم لمحاكمات أم أن لديكم سلطة الإيقاف؟
_ لدينا قانون يسمى قانون المؤسسات الخاصة لعام 2010، ولائحة تنفيذية، وتتبع لنا كل المؤسسات العلاجية الخاصة وحوالي (3200) مؤسسة مرخصة في الوقت الحالي.
{ قلت إنك وجدت معارضة شديدة جداً من شركة “النيل للأعشاب”؟
– وجدنا معارضة من بعض مراكز الأعشاب بما فيها “النيل للأعشاب”.
{ ما هو شكل المعارضة التي وجدتها؟
_ كلفناهم بالحضور وفعلاً حضروا للوزارة وتناقشنا معهم بأن يوفقوا أوضاعهم ويحضروا كشفاً لكل الأعشاب الموجودة عندهم ونفحصها و”نشوف المسجلة أو غير المسجلة ونخليهم يواصلوا في الجزئية المسجلة وغير المسجلة يسعون إلى تسجيلها”، وطالبناهم بتسجيل كوادرهم في مجلس المهن الطبية والصحية باعتبارها الجهة المختصة لأن تسجيل العشابين غير معترف به، والمجالس هي مجلسان، وطالبناهم بهذه الجزئية والأخرى تسجيل المباني ومواصفات الأقسام وهم في الغالب مطابقون لها من حيث المباني وكل الجزئية المختلف عليها في أن يوجدوا مكاناً للنفايات الطبية بصورة صحيحة وتسجل الأعشاب وتسجل الكوادر، وبعد اكتمال هذه الإجراءات يتم ترخيص المؤسسة من إدارة المؤسسة العليا للإشراف الدولي للتطوير، لكنهم رفضوا هذا المبدأ تماماً باعتبار أنهم لا يتبعون لإدارة المؤسسات الخاصة ولا لوزارة الصحة ولديهم رخصة عطارة من المحلية وأن الجهة المسؤولة عنهم هي المسجل التجاري فقط.. وناقشنا معهم أنهم يستقبلون كل الحالات المرضية وبعض الكوادر الطبية تعمل معهم ويقومون بوصف العلاج ووصف الموجات الصوتية والفحوصات المعملية، ولديهم معمل مرخص عندنا وكل هذا يدل على أنهم مؤسسة علاجية خاصة تستقبل المرضى وتمنح العلاج وتعلن في الصحف والقنوات.
{ هل هناك تجاوزات أخرى؟
 _ نعم.. هناك تجاوز بإشارات أن الطب الحديث أصبح غير مجدٍ ودعوة لتوجه الناس للطب البديل، وأوضحنا لهم أننا لا نحارب الطب البديل وأنه طب معروف في كل العالم، لكن نحن نحارب المتهجمين على الطب البديل والخلط بين الطب البديل والطب النبوي لأن البديل تمارسه كل الديانات أما الطب النبوي فهو خاص بالمسلمين، ووجهنا بفصل كل هذه الأشياء عن بعضها، وأن يمارس الطب البديل بصورة صحيحة حتى لا يفقد الناس الثقة في الطب البديل، وأن لا تفقدوهم الثقة في الطب الحديث لأن كل هذه الأشياء تؤدي إلى هجرة المرضى للعلاج بالخارج ونحن هدفنا الأساسي في إدارة المؤسسات الخاصة هو توطين العلاج بالداخل.
{ ما هو خطر الأعشاب غير المستوفية للشروط الصحية؟
_ الثقافة التي تنقل عبر الإعلام بأن الأعشاب طبيعية وليس بها ضرر هذا كلام غير صحيح، وكل الأدوية الموجودة في الصيدليات عبارة عن أعشاب موضوعة بجرعات معروفة ومحددة المضاعفات.. بمعنى كل الأدوية الموجودة عبارة عن أعشاب.. والعشب هو دواء فيه مادة من السموم وفيه مادة للشفاء، وكونه أطلق على هذه العشبة أنها تعالج وليس بها ضرر فهذا علمياً خطأ، لأن أي شيء يزيد عن حد معين يؤدي إلى ضرر.. حتى الماء نفسه.. والأعشاب هي دواء ولها مواصفات حتى في حفظها، والزنجبيل إذا احتُفظ به في درجة حرارة معينة له نسبة من السمية.
{ هل من الممكن أن تؤدي إلى حالات خطيرة قد تصل إلى الموت؟
_ نعم.. هناك فتاة توفيت.. أخوها فتح بلاغاً في نيابة حماية المستهلك ضد إحدى الشركات، وهناك عشرات الناس الذين يشكون من وجود ضرر وجاءتنا شكوى من أن أحد الأشخاص توفي أثناء تناوله عشبة، وعندما “استفرغ المادة” وتطايرت على أخته تضررت وتم نقلها إلى المستشفى.
{ د. “محمد” قلت إنك تلقيت تهديدات بالقتل من بعض الجهات؟
_ “الحاجة دي اتعرضت ليها أكتر من مرة ولكني لم التفت لها”.. أعتقد أن العمل في القطاع الخاص عمل صعب جداً، ودائماً أي شخص (تهبشوا) في المال لا يتقبل الأمر حتى وإن كان على خطأ ويسعى بكل السبل للاستمرار فيه، “بالذات الناس الما عندهم ضمائر” وليس لديهم حس الوطنية دائماً ما يسعون إلى هذه الوسائل، وفي إحدى المرات كنت عائداً من إشراف بالكلاكلة حوالي الساعة الثالثة صباحاً فجأة انفجر إطار السيارة الأمامي وكنت وقتها نائب المدير ومعي مدير الإدارة وكدنا أن نقتل لولا أن تمت نجدتنا من بعض المارة، واكتشفنا أن الإطار الأمامي كان (مخروماً خرماً كبيراً جداً).. وأنا تعرضت لأكثر من خمس محاولات قتل، بل إن مفتاح (صواميل) العربية موجود بشكل دائم في باب السيارة وقبل أن أتحرك إلى أي مكان “بحاول أربطها” ودائماً ما أجدها (مرخية) بفعل فاعل، كما أن إطارات السيارة أجدها بين الحين والآخر ممزقة بشكل دائم.
{ ألم تدون بلاغات؟
_ فتحت بلاغاً ضد مجهول.
{ كم مرة؟
_ مرة واحدة.. “ومرات بتكون في عربات ومواتر” تراقبني منذ خروجي من الإدارة وحتى وصولي إلى البيت.. وأنا متوكل على الله.
{ منذ متى وأنت رئيس لهذه الإدارة؟
_ أنا معين منذ العام 2013.
{ عامان فقط.. أظنها فترة بسيطة لكل هذه الأحداث؟
_ والله أعتقد أن الإدارة “اتنقلت” بنسبة بسيطة في هذه الفترة.. بالعكس الإدارة لم تكن تقوم بكل هذه المهام، وهذا مجهود كل الشباب الموجودين معي، وكلهم شباب لديهم نفس الغرض ونفس الروح في تطوير العمل في هذا القطاع بكل أمانة وإخلاص “وعشان كدا” أصبحنا يداً واحدة وعندنا إشراف على مدار أربع وعشرين ساعة.
{ ما مضت سياسة العصا.. الم تستخدم معك سياسة الجزرة؟
_ “كتييير جداً” وبصورة دائمة، وقيمة الرشاوى التي تعرض عليّ خلال اليوم تصل إلى (30) ألف جنيه من كل “حتة” و”مرات يحاول الشخص يشيلها ويختها لي في جيبي” ونحن نتحرك في شكل مجموعة للإشراف، لكن الملفت أنه في بعض الأحيان عرضت عليّ (300) ألف جنيه ومرة (500) ألف جنيه من بعض المؤسسات.
{ ألم تخف؟
_ لا أبداً والله.
{ لماذا لم تخف؟
_ لأنني مقتنع بقضيتي، ولن يستطيع أحد أن يزيد أو ينقص من أجلي، لأن الأمر بيد الله الواحد الأحد.. “أنا أموت ما مشكلة” لكن هناك المئات يموتون.. وأعتقد أنها مثلها مثل مناطق العمليات وبصراحة لم يحدث أن تحرك معي حرس أو حملت سلاحاً.. أنا متوكل على الله بالدعاء، والحمد لله منصور.
{ لاحظت أن كل العاملين هنا بمن فيهم أنت في بداية الشباب؟
_ فعلاً.. كان من يدير هذه الإدارة رجال أعمارهم تتعدى الخمسين، لكن وزير الصحة الولائي “مأمون حميدة” راهن على الشباب ونجحوا في وضع بصماتهم، وما وضعه “حميدة” في الوزارة كان عملاً غير مسبوق وكل الفضل يرجع له، ويسندها سنداً مباشراً.
{ هل من الممكن أن يصعّد مهددوك أدواتهم؟
_ مدير الإدارة السابق د. “يوسف” كان ولمدة شهر يأتي أشخاص مجهولو الهوية إلى منزله يقفزون من على الأسوار ويطلقون النار ويهربون.. وحدث هذا الأمر أكثر من (18) مرة وعندما وضع كلب بوليس في المنزل لحمايته تم اختطافه وإعادته مليئاً بالجروح، وتكرر هذا الأمر كثيراً.
{ هل تتهم جهة معينة بمحاولة اغتيالك؟
_ أبداً.
{ هل في رأسك جهة محددة؟
_ نعم.. في رأسي جهات كثيرة أشرت إليها، ولا أستطيع اتهامها بدون بيّنة.. لكن بالتأكيد هي مؤسسات مخالفة.
{ أخيراً.. ماذا تتوقع أن يحدث؟
_ أتوقع أن يراجعوا أنفسهم ويستغفروا ويعودوا إلى الله.
{ هل ستواصلون في حملاتكم ضد المخالفين؟
– نعم.. نحن طلبنا الآن مزيداً من المتحركات ومزيداً من الكوادر وسنفعل هذا الأمر بصورة مكثفة ويومية على كل المؤسسات المخالفة، وسنوزع أتياماً في كل المحليات لتوزيع العمل، والفترة القادمة ستكون فترة عمل رقابي دقيق ومستمر ومكثف لأنني أعتقد أنه كل يوم يتضرر شخص. 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية