تقارير

الاتجار بالآدميين.. حقائق مرعبة تفوق حد الخيال!!

الخطر عبر بوابة الشرق
كسلا – إيمان عبد الباقي
 أشهر حادثة لعملية الاتجار بالبشر تم إثباتها في دفاتر السلطات كانت  لإحدى الضحايا ، (س)، والتى تم اختطافها وتهريبها ،قسراً، إلى دولة عربية، وهناك أجريت لها عملية ،واكتشفت – فيما بعد – أنها فقدت إحدى كليتيها. وثمة  حالات أخرى، تم ضبطها تتعلق ببيع أعضاء لأطفال، حيث يختار المجرمون أطفالاً أصحاء، للاستفادة من أعضائهم، وتتم العملية إما باختطاف الأطفال أو باستغلال حاجة أسرهم للمال ، خاصة أؤلئك الذين يعانون من أوضاع اقتصادية مزرية. حقائق مرعبة وحكايات مثيرة، بدأت تتكشف مؤخراً،حول أوضاع يعيشها ضحايا جرائم الاتجار بالبشر،  والتي تتداخل معها جرائم أخرى ،عابرة للحدود كتهريب المخدرات والسلع و السلاح. حكايات الضحايا ومعاناتهم تتناثر بداياتها على طول الشريط الحدودي لولاية كسلا مع دولتي “اريتريا” و”أثيوبيا”، وبحسب ما ذكر أحد سكان المنطقة لـ(المجهر)ٍ فإن غالبية الضحايا هم  متسللون للسودان من الدولتين ،هرباً من نيران الجوع والفقر والحرب ليقعوا بين براثن عصابات متمرسة ، وتتم الجريمة عبر شبكات يديرها أشخاص في الخفاء ،ويطلق على رئيسهم اسم (الرجل الخفي)، وهو الذي يدير خيوط العملية ببراعة من خلف الكواليس ،دون أن يظهر شخصيته لبقية العملاء، وتعمل الشبكات بإمكانات كبيرة، من (عربات دفع رباعي مجهزة بكافة المعدات، وهواتف ثريا، وأسلحة متطورة)، مما جعل والي الولاية يلجأ للمركز قبل ايام لمد الأجهزة الأمنية والشرطية بالدعم اللوجستي لمكافحة الجريمة، وبحسب مصدر تحدث للصحيفة،  فإن إمكانات المكافحة لا تتعدى (15%) من الحاجة الفعلية والأساسية في ظل التحديات الماثلة.  وذكر رئيس النيابة الأعلى بولاية “كسلا” ،أن المهام، المتعلقة بهذه الجريمة ، تتوزع بين العملاء ابتداء من العميل الموجود على الحدود وحتى آخر شخص ،وهو صاحب التاكسي الذي ينقل الضحية إلى داخل المدينة، لكن رئيس العصابة أو (الرجل الخفي) لا يظهر في الواجهة. ولم يستبعد وجود بعضهم داخل الخرطوم، حيث يقوم بإدارة عمله من هناك، ويقول: لذا نجد أن كل من يتم القبض عليهم هم (الوسطاء) أو الرجال من (الدرجة الثانية).
الخطر يتسلل عبر بوابة الشرق:
 معظم تلك التفاصيل والمعلومات توفرت لدى لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالبرلمان ، مما دفع وفد اللجنة برئاسة “أحمد محمد آدم التجاني” ،وعضوية كل من الفريق “آدم كنة أزرق” والأستاذة “زينب أحمد” والمستشار “عماد” ،للتوجه صوب مدينة “كسلا” لتقصي الحقائق ميدانياً،  وزيارة النيابة المتخصصة في قضايا الاتجار بالبشر، بجانب الوقوف على أوضاع حقوق الإنسان بالسجون والحراسات، والنيابات إضافة إلى زيارة المصحة النفسية ،ودار المسنين بـ”كسلا”، في زيارة استغرقت ثلاثة أيام، وقفت خلالها اللجنة على أدق التفاصيل عن جرائم دولية توصف بأنها عابرة للحدود ، كالاتجار بالبشر والتهريب وتجارة السلاح والمخدرات، إضافة لما يحمله المتسللون من أمراض خطرة كالايدز ، بجانب الثقافات الوافدة، ولم يستطع أحد  المسؤولين بالولاية إخفاء قلقه ،وهو يقول (لقد أضحت كسلا بوابة لعبور الخطر).
رهائن بالعملة الصعبة:
 ويقول أحد أبناء المنطقة خلال سرده، لنا بدايات ظاهرة الاتجار بالبشر ، بأنها بدأت مبكرة في مدينة “كسلا” وكانت تمارس من قبل فئات معينة ومعروفة لدى الأهالي، إلا أنها انتشرت في السنوات القليلة الماضية،  بعد أن أصبحت جاذبة للكثيرين بسبب عائدها المادي الكبير ،الذي يصل إلى ملايين الدولارات، ويوضح أن العملية تبدأ بتسلل اريتريين أو أثيوبيين عبر الحدود إلى السودان بغرض العمل أو الهجرة لتحسين أوضاعهم ، لكنهم يتفاجأون باختطافهم وتخديرهم ، من قبل أشخاص يستغلونهم لكسب المال، ويتم التحفظ عليهم كرهائن، فيكون مصير أحدهم إما الابتزاز ،بإجباره على الاتصال على أحد ذويه في الخارج ، ومطالبته بفدية كبيرة، أو بيع أجزاء من أعضائه بالعملة الصعبة، وأحياناً يتعرض الضحايا للتحرش الجنسي إضافة للتهديد بالقتل.
العائدون مصيرهم الموت:
(الإنسان يجيك ،وإذا رجعتو بقتلوه) هذا ما ذكره مدير عام الشرطة ،بالإنابة، العميد “الرشيد محمد عثمان” في إشارة للمتسللين للولاية من دول الجوار ، ويشير إلى أن جريمة الاتجار بالبشر بدأت قبل فترات طويلة، وهي من الجرائم المتكاملة العابرة للحدود، حيث تبدأ بالتسلل ثم التهريب والاتجار، ويقول “الرشيد” خلال لقائه وقيادات الشرطة بلجنة التشريع والعدل بالبرلمان (المتسللين من بعض دول الجوار إذا رجعتهم بقتلوهم ،أو يمشوا يلفوا ويجوك بطريق تاني، وبعضهم يتوه ويموت من العطش)، وينبه إلى ضرورة حصر الأجانب خاصة وأن ظاهرة الاتجار تعتبر مدخلاً لجرائم أخرى.
القوادون:
لم تعد (الدسدسة) تنفع في جريمة الاتجار بالبشر. هذا ما أكد عليه العميد شرطة “عادل علي” مدير شرطة إدارة الجنايات بـ”كسلا”، ويقول القضية أصبحت مؤرقة لنا، فهي في ازدياد حيث يكون العائد من تهريب شخصين فقط مابين (60) ألف جنيه أو (50) ألف جنيه، وهناك إشكالات كبيرة تعاني منها دول الجوار ، تدفع مواطنيها للهجرة، مثلاً اريتريا ،تجد أن الشباب يهربون من أداء الخدمة الوطنية التي تعتبر إجبارية على الجنسين ولسنوات طويلة وبدون أجر،  مما يدفعهم للهرب إلى السودان، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة معاناة من نوع آخر،  وهي جريمة الاتجار بالبشر، وهناك من يسسمون ب(القوادون) وهم الذين يأتون بالشباب ليلقوا هذا المصير، وينبه “عادل” إلى أن السودان دولة عبور  ولا خيار من التعامل مع الجريمة على أنها عبء إضافي ،وخصم على قوات الشرطة في ظل الإمكانات المحدودة، حيث تؤدي المطاردات إلى استشهاد أفراد من الشرطة وقد تم إنشاء طوف مشترك من الجيش والأمن والمباحث، لرصد الشبكات ومكافحة المهددات الأمنية، من بينها التهريب بأنواعه: بمافي ذلك  تهريب المحاصيل ،ومنها محصول الذرة الذي يحتاج إلى تأمين جيد، بجانب ضرورة توفير قوة لمنع الرعاة والمزارعين من الاحتكاكات، المتوقعة خلال الفترة المقبلة في ظل شح الأمطار ، وتناقص المساحات الزراعية.
وحول الإشكالات التي تعاني منها الحراسات في حالات المتهمين المنتظرين، شكا مدير شرطة (محلية كسلا) العقيد “عوض المفتاح” للجنة التشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان من عدم وجود بند في الميزانية خاص بغذاءات المنتظرين، بجانب مشكلة رسوم التحري وإجراء الفحوصات للمتهمين، التي قال بأنها تحتاج لتشريع باعتبار أنها تعوق حقوق الإنسان، حيث توجد حالات تنتظر في الحراسة قرابة الأسبوع، لتوفير مبلغ (160) جنيه رسوم  اجراء موجات صوتية ،قبل إحالتهم للسجن.
أطراف متشابكة:
وفي ذات المنحى، يقول مستشار عام رئيس الإدارة القانونية ،بكسلا،  “كمال الدين صالح الطاهر”: (مسألة الاتجار بالبشر ما ساهلة.  فيها أطراف كتيرة.  لذا تحتاج ، في مكافحتها، لتضافر الجهود وليست الجهود المحلية والولائية فقط، بل حتى الدولية)، ويضيف : لم يتضح- حتى الآن – إثبات الغرض من الجريمة بالكامل ، باعتبار أنها  مدخل لجرائم أخرى، وتحديدا عما أن كانت جريمة الاتجار بالبشر، تتم من أجل بيع الضحايا كأشخاص للسخرة واستخدامهم كخدم ، أم انها تتم  من أجل بيع أعضائهم، خاصة وأن هناك حالة تم إثباتها ،مؤخراً لفتاة تم تهريبها لدولة عربية وأجريت لها عملية استؤصلت  خلالها كليتها بهدف البيع، بجانب ضبط حالات لأطفال أصحاء تمت المتاجرة بأعضائهم ،إما باختطافهم أوأخذهم  بموافقة أسرهم تحت ضغط الفقر، وهناك حالات ضبطت داخل الخرطوم ،حيث تم القبض على عدد من الأطباء والاختصاصيين والجراحين بحوزتهم معدات وثلاجات لحفظ الأعضاء، وكانوا يجرون عمليات لأطفال لانتزاع أعضائهم السليمة، وبعدها (يفكوه قبل المخدر يفك، ويجده أهله إما حياً أو ميتاً)، ونوه المستشار خلال اجتماع مع الوفد البرلماني الى أن النيابات الجنائية تحتاج للدعم،  لتتمكن من أداء مهامها ،مع تأكيده على أن قانون الاتجار بالبشر مازال يحتاج إلى عمل كبير ، لاجتثاث الظاهرة نهائياً.
شبكة من أجانب وسودانيين:
ولم يخف وكيل النيابة الأعلى “صالح إدريس” ، قلقه إزاء تزايد ظاهرة الاتجار بالبشر،  خاصة وأن المكافحة الحالية غير كافية، للحد من الظاهرة،  حسب رأيه، ويستشهد، في ذلك ، بالقول (دخلوا فيها ناس كتار ما عندهم علاقة بالشغلانة)، باعتبارها أصبحت مهنة جاذبة ، بسبب ما تدره من أموال طائلة، ويعمل فيها أجانب وسودانيون، وتتم غالبية التحويلات بالدولار، وكل شخص يتلقى عمولته، وأقلها “2000 جنيه” لمن يجلبون الغذاء ،أو يقومون بحراسة الضحايا  وغالبيتهم من النساء والشباب الذين يتم حجزهم في معسكرات بالخلاء، أما رؤساء العصابات أو الشبكات ،فيعملون في الخفاء فيتم القبض على الوسطاء (درجة تانية أو تالتة)، مثلاً صاحب التاكسي الذي ينقل الضحية ،عند ضبطه تحجز عربته، لأن القانون يجرم المتلبس، لذا إن لم تقبض الرؤوس الكبيرة ، فلا فائدة . لأن العملية لن تتوقف برغم تنفيذ أكثر من (100) محاكمة لمتورطين في الجريمة، ويضيف بالطبع لا نريد للحراسات أن تمتلئ ،لأنه لا يوجد ضامن ،سواء للضحية أو المتهم. وبشأن  الإشكالات التي تعاني منها النيابات ، دعا إلى ضرورة مجانية تشريح الجثث وإجراءات الكشف على المتهمين، وأشار إلى جثة تم احتجازها لثلاثة أيام خلال العيد لعدم توفر الرسوم مما اضطرهم للاتصال بوزير الصحة لمعالجة الأمر.
الإفلات كبير:
ونبه رئيس القضاء بـ”كسلا”، خلال لقائه بوفد البرلمان إلى وجود أشكال متعددة لجريمة الاتجار بالبشر ، التي تبدأ بتسلل الضحية إلى الأراضي السودانية ، وتتعرض للخطف ومن ثم إلى السخرة أو التحرش أو بيع الأعضاء، ويشير إلى أن نسبة الإفلات كبيرة في جرائم الاتجار والمخدرات،  بسبب الإمكانات العالية للمجرمين، خاصة ، وأن مقدرات الضبط والتحري ليست بالمستوى المطلوب، ويقول إن العنصر الأساسي المساعد في الجريمة هو الوسيلة (العربات أو اللواري) المستخدمة لنقل الضحايا، حيث تؤجر العربة بمبلغ (50) ألف جنيه في اليوم الواحد، وغالباً يكون صاحبها في الخرطوم ، وعند حجز السلطات للعربة يبلغ السائق صاحبها، والذي بدوره يسارع بفتح بلاغ بسرقتها، لذا نجد أن القانون غير واضح وضعيف، في هذا الجانب . ويستوجب الأمر نصاً (صارخاً) وتشريعاً قوياً للحد من جرائم الاتجار والسلاح والمخدرات، بجانب تقديم الدعم لأفراد التحري من الشرطة والأمن والجيش.
من جهته  وعد رئيس لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان بالبرلمان ، “أحمد التجاني” برفع تقرير بكافة الإشكالات إلى وزارة العدل والأجهزة الأمنية المختصة لمعالجتها ، وإصدار القرارات والتشريعات اللازمة، مقراً بأن الولاية تعاني من جرائم دولية عابرة للحدود، مما يشكل عبئاً كبيراً عليها ، مقارنة بالإمكانات المتوفرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية