تحقيقات

زغرودة الطلاق… الاحتفال بنهاية الفضل!!

مغالطة وخداع للأحاسيس والمشاعر الإنسانية..
قضية اجتماعية يطرحها – عماد الحلاوي
أحل الإسلام للزوجة طلب الطلاق بهدف تخليصها من عيش فيه كراهة وبغض، ولكن ذلك لا يعني الوصول إلى مرحلة الاحتفال وإطلاق الزغاريد.. لان الفرح عند التطليق يتنافي مع مقاصد التشريع من حيث عدة المطلقة التي فرضها الإسلام، وقصد بها التأسف على فراق الزوج وانقطاع الصلة بينها وبينه، فيكون ذلك مبرراً لعودة الحياة الزوجية.
 نعم، الطلاق حلال، ولكن الله يبغضه فكيف نفرح به ونزغرد حال وقوعه؟
سُئلت لجنة الفتوى بهيئة علماء السودان حول هذه الظاهرة، هذا السؤال وأجابت عليه:
 الزواج نعمة من نعم الله سبحانه، ومن المستحب والمتعارف عليه التهنئة به والمباركة للمتزوجين. أما الطلاق فهو أبغض الحلال إلى الله وهو مصيبة وكارثة بالمجتمع والفرد وهو بهذا مصيبة وأي مصيبة. وقد ظهرت أخيراً ظاهرة عجيبة وهي أن بعض النساء يطلقن الزغاريد عند وقوع الطلاق كأنه مناسبة سعيدة وفرحة كبيرة، فهل يجوز مثل هذا العمل، وبالتالي هل يجوز انقلاب المفاهيم، فتقبل التعزية بالزواج، والتهاني بالطلاق؟!
(المجهر) طرحت موضوع إطلاق الزغاريد عند وقوع الطلاق أو الاحتفال به على عدد من الاختصاصيات والسيدات اللائي انتقد غالبيتهن إطلاق الزغاريد واعتبرنها وأداً للفضل بين الزوجين.
 وقالت الاختصاصية الاجتماعية “عابدة الطيب” إن الاحتفال بالطلاق والزغاريد عند وقوعه عادة جاءت تقليداً أعمى لعادات بعض البلدان الغربية، حيث صعوبة الحصول على الطلاق في تلك البلدان التي تحكم بغير الشريعة الإسلامية، فيعتبر الطلاق نهاية لفترة طويلة من المعاناة مع القضايا والمحاكم.
وعن أسباب الزغاريد قالت “عابدة” قد يكون الدافع أنها لا تريد نظرات الشفقة من المجتمع، أو أن ينظر لها الناس على أنها جريحة وحزينة، بل تحب أن تظهر قوية ومتماسكة أمام الناس، وبعضهن تحتفلن بالرغم من مشاعر الألم لتعبر عن ألمها بطريقة معينة للتنفيس عما يدور في نفسها من مشاعر الحزن والأسى لنهاية علاقة زوجية بنيت في الأساس على المودة والرحمة، وأخريات تحتفل بالطلاق لفتح صفحة جديدة من حياتها بعيداً عن مضايقات وإشكالات بعد أن يصل الزوجان لطريق مسدود، فيكون الطلاق هو الحل الأمثل والعملي لحياة تكدرت بكثرة الخلافات، ويظل رأيي معارضاً للاحتفال بالطلاق مهما كانت الأسباب والدوافع لما له من آثار سلبية شديدة الخطورة على الأبناء الذين يرون آمهم تحتفل بالانفصال وتزغرد له وهو ما يدعو إلى تشويه صورة الأب، فمثل هذه الأحداث لا تمحى من ذاكرة الطفل أبداً وقد صدرت مؤلفات أجنبية تحذر من إظهار الفرح بالطلاق وإطلاق الزغاريد لما يسببه من عقد نفسية قد تمنع الأطفال الذين شاهدوا زغرودة والدتهم عند انفصالها عن والدهم من التفكير في الارتباط أصلاً وهو عكس ما ننادي به في جعل الأطفال بعيدين عن الخلافات بين الآباء، وعليهم أن يظهروا مشاعر الاحترام وعدم كراهية الطرف الآخر أمام أطفالهم لدعم الاستقرار النفسي لهم.
هل هي تقليعة نسائية؟
“أماني الطيب” (معلمة رياض أطفال وناشطة اجتماعية في مجال الأسرة والطفل)، رأت أن اظهار المطلقة لفرحها بالزغاريد سلوك اجتماعي غير مقبول يأتي بنتائج عكسية، فمثلاً من ترغب أن لا تتلامز عليها النساء بسبب الطلاق سيقال عنها إنها مستهترة وغير متحملة للمسؤولية، وقد يفهم البعض أنها دعوة للحصول على عريس جديد، وفي كل الأحوال ستجلب المرأة لنفسها القيل والقال أكثر وأكثر وتكون بذلك قطعت الأمل بالعودة لزوجها وهو ما ينافي والقصد من بقاء المرأة شهور العدة في بيت زوجها، وما أود أن أذكر به هل يجوز إظهار الفرح والسرور بأبغض الحلال عند الله.
 أليس من حق المرأة أن تفرح؟!
الرأي الآخر للاختصاصية النفسية “فاطمة الريح” بدأت حديثها قائلة: (من يعيش المعاناة التي تعانيها النساء في سبيل الحصول على الطلاق يدرك أن الزغاريد رد فعل طبيعي، فإذا كانت المرأة وهي التي تكره الطلاق وتبعاته هي من طلبته وأصرت عليه هذا يعني أنها قاست الأمرين، فقد يكون زوج سليط اللسان أو مدمناً أو يضربها أو بخيل جداً أو أي سبب آخر هي من عاشت وقاست مع زوج لا ترغب أن تكمل مسيرة حياتها معه، أليس من حق المرأة أن تفرح ولو قليلاً بعد معاناة كلفتها شهوراً أو سنوات من عمرها مع زوج غير مناسب.
فمن حق المطلقة أن تفرح بالطريقة المناسبة طالما أنها لا تؤذي مشاعر الآخرين خاصة إذا لم يوجد أبناء.
واتفقت معها “زينب الطيب” (موظفة) وقالت إن زغرودة الطلاق تحمل أكثر من رسالة، أبرزها التخلص من اضطهاد الزوج، وتعبير عن الفرحة والسعادة بإنهاء علاقة زوجية فاشلة، مشيرة إلى أن الاحتفال يسهم في الترويح عن المطلقة.
وبينت أن الطلاق ليس دائماً ذكرى سلبية تعلق في ذهن المرأة أو الرجل، أحياناً يكون إيجابياً، ملمحة إلى أن بعض المطلقات يحتفلن بالانفصال عن الزوج، نظير التخلص مما عانين منه، حتى لو واجهن انتقادات من المجتمع.
إلى ذلك، انتقدت الدكتورة “جميلة الجميعابي” (مستشار اجتماعي وأسري) إطلاق بعض المطلقات الزغاريد عند طلاقهن، متسائلة عن الأسباب التي تدفع المرأة بالفرح بالانفصال وإنهاء علاقة أسرية ربما لأسباب تافهة.
وقالت: «ماذا سيكون شعور بنات المرأة، وهن يحضرن زغاريد أمهن عند انفصالها من والدهن؟ ألا تشعر تلك المطلقة  بالخزي والخجل من هذا التصرف الأرعن؟!»، لافتة إلى أن جميع الحاضرين للطلاق لا يهنئون المرأة بطلاقها، رغم إطلاقها للزغاريد، معتبرة ذلك من السخف.
وتساءلت بالقول: «هل كل ما يفعله الغرب يسعدنا ويرتقي بذائقتنا؟! ألا يوجد شخص رشيد يوقف كل هذه المهازل؟».
وأضافت: «الزواج والطلاق نصيب ولله في ذلك حكمة، فهل سمعنا عن صحابيات نشرن الفرح عند الطلاق؟!»، مطالبة بتكثيف التوعية في المجتمع للحد من انتشار الاحتفال بالطلاق.
وحثت الدكتورة “جميلة” النساء بالتريث والنظر لكل شيء في الحياة بنظرة إيجابية، وترك السلبيات والإعاقات العقلية والفكرية والبحث عن المفيد والجاد.
كما بينت المعلمة “آمنة عمر” أنها ضد فكرة الاحتفال بالطلاق، لأنه تصرف سلبي يحسب على المرأة، خصوصاً إذ عاشت معه سنين طويلة وأنجبت منه أبناء، «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، لأنه إذا لم يكن بينهم نصيب في إكمال الحياة الزوجية يجب أن يقدرا العشرة التي كانت بينهما.
واعتبرت الزغاريد مذمة لكل من تقيمها، حتى لو كانت متأذية أو متألمة من الزوج، فالاختلاف لا يجيز إعلان الفرح بالانفصال، فيجب على المطلقة أن تحتسب الأجر عند الله وتسأله أن يعوضها أفضل منه.
وأرجعت زغاريد بعض المطلقات لحظة الانفصال عن الزوج إلى رغبتهن في الانتقام من الزوج، ورغبتها في رد اعتبارها، خصوصاً أنها ترى أن الطلاق مس كرامتها.
ورأت “عمر” أن المرأة التي تقدم على هذا العمل ناقصة عقل وتعاني من مشكلات نفسية، ولن تصل للسعادة بهذا العمل، عليها أن ترضى بنصيبها، وتؤمن أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع تعبها، وسوف يأتيها النصيب الأفضل.
بينما رأت سيدة الأعمال “عزة السيوفي” أن المرأة لا تزغرد لحظة طلاقها، إلا من فرحتها بالخلاص من الضغط الشديد، الذي تعانيه من زوجها السابق، خصوصاً أن حصولها على الطلاق لا يأتي بسهولة، بل بعد مراجعات عدة للمحكمة، لذا تضطر إلى الزغاريد، حتى تثبت للآخرين أنها سعيدة بوضعها الجديد، وتعكس حال الألم الذي عاشته في حياتها الزوجية، وربما كبرياؤها يدفعها للاحتفال بالطلاق حتى لا ينظر المجتمع إليها بالشفقة والعطف، لأنها مطلقة.
وأشارت إلى أنه لا بأس أن تحتفل المطلقة بانفصالها عن زوجها السابق وتزغرد له، رافضة ما يردده البعض أن زغاريدها إشهار ودعوة للعرسان ليتقدموا ويخطبوا ودها.
من جهتها، ذكرت التربوية “نضال حداد” أنه لا يمكن تعميم فرحة المرأة بالطلاق على كل المطلقات، فلا تتمنى أي امرأة أن تعود مرة أخرى إلى منزل والدها وهي تحمل لقب مطلقة، وهناك من طلقت وهي مظلومة أو ندمت بعد طلاقها ولا تريـد تذكر يوم طلاقها الذي يذكرها باللقب العالق في أذهان محيطها الاجتماعي، ومن المطلقات من تحتفل بهذا الخلاص.
وقالت: «تختلف روايات المطلقات في ذكر سبب الطلاق إلا أن غالبيتهن تتهمن الأزواج بأنهم وراء طلبهن الطلاق، ونادراً ما تتحمل واحدة منهن سبب هذا القرار، والغالبية يتهمن الأزواج بعدة صفات منها البخل، والخسة، والظلم، والحقارة، والاندفاع، وعدم تحمل المسؤولية، كما تجتمعن على وصف الرجل بأنه كان يتعمد الإساءة للزوجة ويحقر من شأنها، كما يعنفها بكل السبل لإذلالها وتعذيبها».
ورفضت التربوية” محاسن علي” فرحة المرأة بطلاقها وإطلاقها الزغاريد، وترى فيه الكثير من الأنانية، لأن المرأة لم تراع نفسية أبنائها، إذ كيف تزغرد فرحاً واحتفالاً بطلاقها من والدهم، متسائلة: «كيف ستكون نظرة الآخرين لبناتها وأبنائها وإن كان أحد يرغب في التقدم للزواج من ابنتها كيف سينظر لفتاة، أمها احتفلت بطلاقها من والدها وأطلقت الزغاريد، وكيف لها أن تتقدم لطلب تزويج ابنها وهي محتفلة بطلاق والده الذي يدل على أنه في قمة السوء».
ورأت أن مثل هذا التصرف يدل على تناقض كبير تعيشه المرأة ويشير إلى انفصال عن واقع حياتها، فهي وزوجها وأبناؤها في مركب واحد، مشيرة إلى أن الكثير من الدراسات أثبتت أن انفصال المرأة عن زوجها أشد إيلاماً من وفاة الزوج بالنسبة للأبناء، وقد تكون حقاً المرأة عانت لكن الحقيقة أن الله سبحانه ذكر في كتابه العزيـز (ولا تنسوا الفضل بينكم)، (وقد أفضى بعضكم إلى بعض).
وتابعت “محاسن”: «صحيح أن الطلاق قد يصبح رحمة للزوجة أو للاثنين معاً جراء المعاناة اليومية وانعدام التفاهم بينهما.. لكن برأيي يبقى الانفصال شرخاً عظيماً يطال مشاعر الزوجة على وجه الخصوص، والحقيقة أن الزغاريد من قبل المطلقة في هذه المناسبة مغالطة وخداع للأحاسيس والمشاعر الإنسانية.
رأي آخر…
عندما غنى الفنان “جعفر السقيد” (جمر الطلاق)… بكى الصغار عندما ردد:
الـدنـيـا كـان نـص الـنـهـار شـمـس الله في كـبد السماء
والـنسـمـة نـايـمـي في الـخـدار خايفي الهجير لا يلثمه
لا قــونـي أطفالاً صــغـار في حــالـة يـائسة ومألمة
وقـــالــوا لـي بـي كـل انـكـســار الـدنـيـا يـا عم مظلمة
ســألــتـا مــالــكــم يــا ولاد جــرت الــدمــوع متلاطمة
***
وجــانـي الصغـير بي وشيشو وبي إلفة في قلبي ارتمى
قـــالـي بـي خـــاطــر حـــزيـن الدنيا صبحت ما بتطاق
أمي وأبوي بـلا سـبـــب يــــا عـمـي أعـلـــنــو للفراق
وأخواني خــلــو الـمـدرسة كـايسين دروب الارتزاق
ويــامـا كـتــيــر نـاس زيــنــا بــعـانـو من جمر الطلاق
بــادرنـي بـي أحـرج سـؤال يـا عـمـي هوي غلطان منو
احـتـرت أنا وحـار بـي الـدلـيـل كـلـمني بس أعمل شنو
وقــبـال أجـاوبـلو السؤال بادرني يا عمي هو الغلطان منو
غـلـطـان أبوي الـمـا قـدر يـفـهـم إحـــســــــاس الصغار
ولا غـلـطــانـة أمـي الـمـن زمـن مالـيها هم غير الشجار
ولا الـغـلـط كـان مـشـتــرك يـا عــمـي سـوء في الاختيار
ولا الــزمــن أصبح صـعـب أسـلـوبو ما بيعرف حوار
يـا عـمـي هـوي غـلـطـان منو عيشتنا صبحت نار في نار
خـــايـــف يــجــــونــا بـعــد زمـن ويـقـولـوا أمات للإيجار
أحسن لي أموت أنا بـس طـفل قبال مـا يتخذوا القرار
مـا بـتــعـرف الـغـلـطـان مـنـو ما الأسرة انقسمت خلاص
واحــديــن يؤنبوا في أبوي ويـبـثـوا في أمـي الحماس
قضية مستمرة
اختلفت نتائج الدراسات الاجتماعية حول تأثير الطلاق على كل من الرجل والمرأة، ولكن من الواقع أن المعاناة يشعر بها الاثنان.
فالطلاق صدمة تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية للمطلقين، حيث تتغير مكانتهم الاجتماعية من (متزوج أو متزوجة) إلى مكانة (مطلق أو مطلقة)، وهذا يعني أن الطلاق يقلل من المكانة الاجتماعية لكل من الرجل والمرأة. 
حيث تتغير نظرة الناس إلى المطلقين ويفقدان الكثير من أصدقائهما ويعانيان من الوحدة ويتحملان تعليقات اللوم والفشل في الحياة الزوجية، كذلك الشك والريبة في سلوكهما مما يجعلهما يعيشان على هامش الحياة الاجتماعية.. 
آثار الطلاق على الرجل:
الرجل المطلق لن يكون سعيداً وهو يرى حياته الأسرية تنزوي وتدخل مرحلة تتزعزع فيها، فإلى جانب فقدانه لزوجته سوف يفقد سعادته مع أبنائه، فإن ظل أبناؤه إلى جانبه شكلوا له مصدراً للقلق وخلق الخلافات مع زوجته الجديدة، إن تزوج أحياناً لا يعتمد الرجل على زوجته أم أبنائه ولا يكتفي بعنايتها بل يباشر العناية بأبنائه بنفسه مع وجودها إلى جانبهم، فكيف إذا بحال رجل أبناؤه مع امرأة ترى أنهم منافسون لها وهم يرون أنها دخيلة عليهم؟
والطلاق يصيب كبد الرجل وعقله وقلبه وجيبه لأنه الخروج طواعية من أنس الصحبة وسكينة الدار ورحابة الاستقرار إلى دائرة بلا مركز.
آثار الطلاق على المرأة
الطلاق يسبب للمرأة التعاسة طيلة حياتها، فنسمع أن فلانة من الناس طلقت ولديها طفل أو اثنان.
وتعيسة إن تزوجت.. فمن يتزوج بها لن يكون بمثابة والد أبنائها حتى وإن ادعى ذلك فالإنسان أبناؤه عليه حمل.. فكيف بأبناء الآخرين؟
وإن بقي أبناؤها مع والدهم فستكون هي مشغولة الذهن عليهم وهي معذورة في ذلك.. فالإنسان ينشغل باله على أبنائه وهم حوله فكيف وهم بعيدون عنه؟
وتعتبر المرأة المطلقة مدانة في كل الأحوال، في مجتمعاتنا التقليدية – كونها الجنس الأضعف – والكل ينظر إليها على أنها امرأة فاشلة.
ويبقى السؤال.. هل تزغرد المطلقة لفشلها؟ وهل تجد من يهنئها بعد الزغاريد؟ إنها قضية اجتماعية تحتمل المزيد من الآراء… ابعثوا لنا برأيكم… وسيجد النشر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية