في غياب تحالف القوى الوطنية والمعارضة قطار الحوار ينطلق غداً بمن حضر
“إبراهيم محمود”: ما من جهة تسيطر على أعمال اللجان ومخرجات المؤتمر
الخرطوم – يوسف بشير
غداً (السبت) يصل إلى مشارف محطات النهايات قطار الحوار الذي أطلق صافرة انطلاقته الرئيس “البشير” في خطاب الوثبة الشهير في يناير 2014م، بعد وقوف متطاول عند محطة البدايات، لتحتشد صباح غدٍ العديد من مكونات المجتمع السوداني بقاعة الصداقة، لتبتدر عملية الحوار الوطني. وكثفت رئاسة الجمهورية، وآلية (7+7)، طوال الفترة السابقة اتصالاتها لإلحاق الرافضين بركب الحوار، وهو جهد أسفر عن موافقة البعض، فيما استعصم بعضٌ آخر بالرفض والمقاطعة .
وزينت الحملة الإعلامية للحوار، التابعة لرئاسة الجمهورية، خلال الأيام السابقة، الشوارع الرئيسية ومداخل الجسور بلافتات أنيقة مذيلة بـعبارة (السودان أولاً)، في بادرة، الهدف منها إشراك الشعب في الهم السياسي العام، عبر تكثيف الإعلام الجماهيري.
وستنخرط لجان الحوار الست، في اجتماعات بعد الجلسة الافتتاحية، لفترة أقصاها ثلاثة أشهر، لمناقشة موضوعات، السلام، الحقوق الحريات، الهوية، الاقتصاد، العلاقات الخارجية، الحكم والإدارة، وصولاً إلى مرحلة ختامية متمثلة في رفع توصياتها للمؤتمر العام.
حُمى ما قبل الانطلاق
وخلال الفترة السابقة، شهدت الخرطوم، ندوات ولقاءات صحافية عديدة للتبشير بالحوار، وكان آخرها بالأمس، حيث عقد مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني المهندس “إبراهيم محمود”، مؤتمراً صحافياً، قدمه المتحدث الرسمي باسم الحكومة، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي، وزير الإعلام د.”أحمد بلال”، قبل أن يغادر المنصة، ويكمل التقديم، وزير الدولة بالإعلام “ياسر يوسف”، في حضور رئيس حزب الحقيقة الفدرالي، عضو آلية الحوار الوطني (7+7)، “فضل السيد شعيب”، وبحضور معظم قيادات الآلية. وفي تصرف قد ينبئ عن بداية ساخنة للحوار، شهد المؤتمر جدلاً أبطاله بعض (الناشطين السياسيين) الذين طرحوا ـ بطريقة احتجاجية ـ رؤيتهم حول ما اعتبروه تجاهلاً لهم في الحوار، مما خلق بلبلة وسط الصحافيين ومراسلي الوكالات والفضائيات الأجنبية الذين اعتبروا ما يجري إهداراً للزمن، كان من الممكن أن يستفاد منه في توجيه مزيد من الأسئلة للمنصة.
لم تنحصر فعاليات ما قبل انطلاق الحوار في النشاط الرسمي لآلية الحوار، فقد أقامت أمس أمانة الشباب بالمؤتمر الوطني ندوة بقاعة الشهيد الزبير، تحدث فيها الأمين السياسي للوطني “حامد ممتاز”، والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي، عضو الآلية ، “كمال عمر”.
حوار لا يهيمن عليه أحد
إمعاناً في التأكيد على اتساع براحات الحوار وسوحه، كشف مساعد الرئيس “إبراهيم محمود”، عن زيادة عدد الشخصيات القومية إلى (70) بدلاً من (50)، سيتم توزيعهم على لجان الحوار، إضافة للموفقين. ولم يكتفِ بهذا التأكيد، بل أضاف إليه تأكيداً على عدم سيطرة جهة محددة على مخرجات الحوار، وتوصيات اللجان، من خلال التنبيه إلى أن التوصيات التي ترفعها اللجان للجمعية العمومية، تجاز بالإجماع، أو بموافقة (90%). وقطع بعدم استطاعة أي جهة فرض رأيها داخل الحوار، وفقاً للطريقة التي تتم من خلالها عملية إجازة التوصيات. وترك الباب مفتوحاً للرافضين للالتحاق في أي لحظة. وقال: (أي زول اقتنع في أي لحظة ممكن يلحق بالحوار)، منبهاً إلى أن نتائج الحوار، لا تحسم في الجلسة الافتتاحية.
بعض الهواء الساخن
ولكن يبدو أن أجواء الحوار رغم حميميتها، لم تستطع أن تمنع تماماً إخراج بعض الهواء الساخن من الصدور، فقد كال “محمود” هجوماً عنيفاً على الحركة الشعبية ــ قطاع الشمال، قائلاً: (الحركة الشعبية منذ 1983م لم توقف الحرب، ورفضت حلول مختلف الحكومات)، واتهمها بأنها حتى في اتفاقية السلام الشامل التي تم التوقيع عليها عام 2005م، كانت تبيت النية لإشعال الحرب بعد الانفصال. وقطع بتمسكها بالحرب. وقال مستنكراً (ما عارفين دايرين يصلوا لشنو).
وأوضح أن هناك اتفاقية إطارية، مع قطاع الشمال، توصل فيها الوفد المفاوض لتفاهمات لأكثر من (80%) من القضايا المختلف حولها، من جملة القضايا المطروحة في طاولة التفاوض. وقال: (فجأة نفضوا يدهم عنها).
ولفت إلى أن هناك اتفاقاً آخر لتوصيل المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالحرب، وافقت عليه حكومة السودان والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والأمم المتحدة، بينما رفضه قطاع الشمال. وقال: (الآن يتباكوا على إيصال المساعدات للمناطق الفيها ناسهم). وجدد تمسك حكومته بالاتفاق. وقال: (دايرين نوقف الحرب بكرة، وليس وقف العدائيات، وحسب). وأضاف: (ما دايرين أبناء السودان يقتلوا في حرب ما عندها حدود، ويقتلوا حتى في دول أخرى)، داعياً لإنهاء المعاناة بصورة نهائية.
وعقد “محمود” مقارنة بين (رغد العيش، الشيء الذي يعيشه أبناء قيادات الحركات في أوربا) وما سماها (بشاعة موت جنودهم)، وقال: (نحن ما دايرنهم يموتوا بهذه الشاكلة).
فسطاطا الحرب والسلام
في عبارة موحية ومعبرة عن درجة عالية من التحذير من عواقب عدم استجابة البعض للحوار، ترسم واقعاً مخيفاً لما بعد نهايات الحوار، شدد مساعد الرئيس على أنه بعد نهاية الحوار، سيكون هناك معسكران، أحدهما للسلام، وآخر للحرب. لكنه عاد مؤكداً استمرار الاتصال بالممانعين، وقال: (لازم نستمر، نحن نتحدث عن مصالح إستراتيجية، وعن أشياء آنية). وزاد: (هذه الفرصة الأخيرة).
وأعلن استعداد حكومته للجلوس مع أي حركة حول الضمانات دون قيام مؤتمر تحضيري في الخارج، وعلق على سؤال حول رفض المؤتمر الوطني لملاقاة الحركات في الخارج بقوله: (منو القال؟ ما مشينا ليهم في أديس أبابا)، كاشفاً عن إبلاغهم رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوي، “ثابو أمبيكي” استعدادهم للجلوس. وقال (الرد لم يصلنا).
ووجد “محمود”، العذر للشعب السوداني، لغضبه بسبب إطالة عمر الحرب، وقال: (الشعب ليهو حق يزعل). وأضاف: (كيف ندعو ناس زي ديل) في إشارة إلى الحركات المسلحة، لكنه أبدى أمله في أن يعودوا لرشدهم. وقطع بأن أهم مخرجات الحوار، عدم احتكار السلطة، وعدم الوصول إليها عبر السلاح. وقال (عايزين الرفض يجي من المجتمع السوداني).
وسخر مساعد الرئيس من تسمية الحكومة للمتمردين بالحركات، وعد ذلك (دلعاً لهم).
مغالطات
وحول تحجج القوى السياسية والحركات المسلحة بعدم اللحاق بالحوار، بتهيئة المناخ، قال مساعد الرئيس: (رئيس الجمهورية أصدر مرسومين، الأول، أعلن فيه وقف إطلاق النار لمدة شهرين، والثاني يتعلق بحماية وإعفاء الحاملين للسلاح). وكشف عن إيداع المرسومين للاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد.
الأمة ينفي والحكومة تتوقع
من جهته تمسك حزب الأمة القومي برفضه القاطع للحوار، وأصدر مكتبه السياسي بالأمس بياناً تحصلت (المجهر) على نسخة منه، مرجعاً فيه مقاطعته إلى أنه يعتبر الحوار المزمع انطلاقه غداً، تنتفي فيه المقومات المفضية لإيقاف الحرب والمعاناة الإنسانية. فيما جدد مساعد الرئيس الحديث عن ترحيب رئيس حزب الأمة “الصادق المهدي”، بالحوار. وقال إن “المهدي” اعتذر فقط عن الحضور لجلسة الافتتاح يوم غدٍ.
وعاب “محمود”، على الحزب إصداره بياناً في الأيام السابقة، طالب فيه بحوار لا تهيمن عليه جهة، وبرئاسة شخصية محايدة تحت مظلة الآلية الأفريقية رفيعة المستوى. وعلق على ذلك بقوله: (ما في حوار وطني يتم تحت مظلة جهة أجنبية، في كل العالم)، مبدياً تمنياته بأن لا يكون رأي الحزب مخالفاً لرئيسه “الصادق المهدي”، وعد الرجل الاتصال معه خطوة موفقة.
الاتحادي ..التعويل على المؤسسات
وفيما تعتمل داخل أروقة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، حالات الشد والجذب بين قياداته الرافضة للحوار من جهة والموافقة عليه، من جهة أخرى، قال “محمود” (الاتحادي مشارك في الحوار وموجود في الحكومة). وأضاف (إذا في ناس داخله رافضين الحوار فهو أمر عادي، فربما أن المؤتمر الوطني نفسه به أناس لا يرغبون في الحوار)، معلناً تمسكهم بموقف المؤسسات وليس الأشخاص.
الوصول للإنجاز
وهاجم مساعد الرئيس في مؤتمره الصحفي مجدداً القوى السياسية الرافضة للحوار، وسخر من اعتمادها على مجلس السلم والأمن الأفريقي لينجز لها عملاً سياسياً، وعاب عليهم -بطريقة تهكمية -ضعف ثقلهم الجماهيري، معيداً للأذهان موقف القوى السياسية التي دعا قادتها لتظاهرة لم يأت إليها غير رئيس الحزب الشيوعي السابق “محمد إبراهيم نقد”، وحينها كتب على (قطعة كرتون) عبارته الشهيرة (حضرنا ولم نجدكم).
ونقل “محمود”، تمنيات المواطنين في استقرار سياسي دون تصارع بين الساسة على الأشياء الأساسية، لكيفية إدارة مؤسسات الدولة.
تكتم على الميزانية
وفيما كان يتوقع أن تثور تساؤلات، خاصة من قبل الصحفيين، لمعرفة كل ما يتعلق بالتمويل والميزانيات، بدا بالمقابل، أن هناك حساسية في الحديث عن التمويل، وهو ربما يفسر رفض “إبراهيم محمود” الإجابة عن سؤال عن الميزانية المالية المرصودة للحوار، ومصادرها، غير أنه أكد أنها من الدولة. وقال: (دا برنامج دولة، وأي دولة في العالم اتفقت على الثوابت، وكيفية الحكم وإدارة موارد الاقتصاد). وأضاف (ولو توصلنا لاتفاق حول تلك القضايا يكون هذا أكبر إنجاز).
رفض مطلق
قوى الإجماع الوطني بمكوناتها المختلفة، والتي تضم (17) حزباً، من بينها: المؤتمر السوداني، والحزب الشيوعي، أخرجت بالأمس بياناً تحصلت (المجهر) على نسخة منه، جددت من خلاله، رفضها القاطع حضور جلسات الحوار الوطني، رغم تلقي الأحزاب المنضوية تحت لوائه،دعوة رسمية من رئاسة الجمهورية.
وأفاد البيان، بأن تمسك قوى الإجماع بالرفض هو نتيجة لعدم تلبية الحكومة للاشتراطات التي وضعتها، والتي من شأنها تهيئة مناخ الحوار، معلنة عدم دخولها في حوار دون تنفيذ اشتراطاتها حزمة واحدة.
تجمع جديد
ربما تكون واحدة من المفاجآت غير السارة لأهل الحوار هو إعلان تحالف القوى الوطنية، الذي يتشكل من (15) حزباً والتي كانت شاركت في الحوار الوطني منذ بدايته، بقيادة حركة الإصلاح الآن التي يتزعمها الدكتور “غازي صلاح الدين العتباني”، ومنبر السلام العادل، الذي يتزعمه المهندس “الطيب مصطفى” مقاطعة جلسات الحوار، رغم مشاركته في الجمعية العمومية الأخيرة، فقد أعلن منبر السلام العادل، في بيان مشترك مع (14) حزباً، من بينها: حركة الإصلاح الآن، تحالف قوى الشعب العاملة، الحزب الاشتراكي العربي الناصري، الحركة الشعبية الديمقراطية “عبد العزيز أحمد دفع الله”، إضافة لستة أحزاب منشقة من أحزاب الوحدة الوطنية أعلنت عدم مشاركتهم في جلسات الحوار. وبررت خطوتها بعدم استجابة الحكومة لتوصياتها المتعلقة، بعقد لقاء تحضيري، إضافة لتراجعها عن وعدها بتهيئة المناخ السياسي للحوار.
ووعد التحالف وفقاً للبيان، بالسعي لتقويم الحوار مع الحكومة، والآلية الأفريقية، والقوى السياسية الراغبة في تكوين مظلة تنسيقية واسعة بين القوى السياسية، لتوحيد الجهود الوطنية وتوجيهها نحو توحيد الجبهة الداخلية وتحصينها من الاختراق.