خربشات الجمعة
{ بحثت في وجوه وبطاقات انتماء وزراء الثقافة بالولايات ووجدت كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات الأخيرة.. والتي قاطعتها جهراً وصوتت سراً للرئيس “البشير” مثل جماعة أنصار السنّة المحمدية، لكن لم نجد المؤتمر الوطني في وزارات يقع على عاتقها التغيير الحضاري والثقافي والاجتماعي في البلاد.. فهل (قنع) المؤتمر الوطني من سياسة الإصلاح الاجتماعي وبات حزباً يدعو فقط للإصلاح السياسي؟؟ لقد تعددت مشارب واتجاهات وزراء الثقافة في بلادنا مثل تعدد المناهل الثقافية.. لكن في ولايات الخرطوم ونهر النيل والشمالية والجزيرة وشمال كردفان نجد الحزب الاتحادي الديمقراطي قد حاز على وزارات الثقافة في تلك الولايات.. الحزب بشقيه الأصل والمسجل.. بينما (أخلى) المؤتمر الوطني وزارات الثقافة في كردفان الغربية الفولة وكردفان الجنوبية كادوقلي لجماعة أنصار السنّة المحمدية التي (توغلت) و(توهطت) في تلك الديار، وهم من يمثلون أهالي دائرة غبيش في المجلس الوطني التي (أخليت) كشقة مفروشة لتلك الجماعة، مثلما ورثت الجماعة دائرة الحمادي فأصبح “موسى” ممثلاً لدائرة الراحل “إدريس محمد سليمان” و”سلمان سليمان الصافي”، وذهبت وزارات الثقافة في جنوب دارفور وشرقها ووسطها وشمالها إلى حزب الأمة جناح د. “نهار” والحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية “الدوحة”، وتقاسمت حركتا التحرير والعدالة و”دبجو” بقية الوزارات.. وحتى الوزارة الاتحادية وجد “الطيب حسن بدوي” ممثل أقلية المؤتمر الوطني في قطاع الثقافة ما بين “سيد هارون” من حزب مولانا “الميرغني” و”مصطفى تيراب” أحد بقايا حركة تحرير السودان بقيادة “مناوي” الذي رفض الذهاب للغابة مرة ثانية، لكنه قال قولاً عجيباً في (الجنينة بلد أبو) وهو يخاطب المؤتمر التنسيقي الخامس لوزراء الثقافة والإعلام الولائيين، كان “مصطفى تيراب” صادقاً في نفسه أميناً حينما دعا الحركات المتمردة للالتحاق بالسلام من خلال مؤتمر الحوار الذي يبدأ غداً بالخرطوم، وأضاف: (تعالوا وكفاية حروب.. لقد كنا من قبلكم في التمرد نعاني كثيراً ونأكل وجبتين من العصيدة في اليوم.. لكن الآن الحمد لله حالتنا تغيرت، حتى أشكالنا تبدلت).
توحدت في الجنينة مشاعر وأفئدة الآلاف من الشباب والنساء والرجال الذين سهروا حتى الساعات الأولى من الصباح طرباً مع “حمد الريح” الذي غنى كأنه “حمد الريح” في سبعينيات القرن الماضي: (نحن جايين في المغيرب.. وتاني عايدين للمغريب).. وتاهت الرؤيا وتأوه الكبار قبل الصغار لـ(يا مريا) و(الساقية لسه مدورة) مع أن أهل الجنينة لم يشاهدوا الساقية إلا في الصور و”أبيض وأسود”.. وغنى “وليد زاكي الدين”.. ولم تقدم مطربة اسمها “ريماز ميرغني” إلا أغنيات لآخرين وهي (مقلدة) شوهت بعض الأغنيات وحسنت بعضها.. لكنها تملك قاعدة عريضة من المعجبين والمعجبات لمجرد أنها من نجوم (أغاني وأغاني).. وكانت ليلة “الأربعاء” الدافئة على مسرح الجنينة واحدة من إشراقات وإضافات وزير الثقافة “الطيب حسن بدوي” لإنعاش ما تبقى من مشروع الجنينة عاصمة الثقافة.. جاء الوزير بالغرفة الغنائية لتجمل سماوات مدينة السلطان “بحر الدين”، وأضفى الفرح على وجوه عبست طويلاً ودمعت عيونها كثيراً.. ولم تغسل المدينة والمنطقة أحزانها بعد من آثار الحرب وفتنة الصراع القبلي، لكن “الكمنجة” و”العود” و”الجيتار” والحناجر الذهبية أدوات لمحاربة الكدر والحزن وزرع الفرح، ولم يغادر الوزراء من جماعة أنصار السنّة مسرح مدينة الجنينة والمغنية “ريماز ميرغني” تصدح بأغنية (حرموني شوفتك) وتردد أغنية الشاعر “عوض جبريل” (مع السلامة) التي تغنى بها الراحل “محمد أحمد عوض”:
اتذكري العشرة الكتبنا حروفها بي أجمل وفا
اتذكري الريدة القبيل عجز الخيال ما يوصفا
واطري الحنان المني ليك ساعة شقا وساعة صفا
واتذكري الود الزمان بيناتنا واطري المعرفة..
وأخذ الشباب يرددون الآهات، ونال الصحافيون قدراً من غسل الدواخل، ليطرب شيخهم “عوض الله سليمان” وشبابهم “عيسى جديد”.. و”رندة بخاري”.. والوزير “عبد الله آدم عباس” من ولاية كسلا حزب أمة جناح “دقنة” يقول إن الجنينة أعادت لنا شيئاً من ذكريات الشباب.. و”أميرة حسين موسى” الأمين العام لوزارة الثقافة بتوتيل تقول لدكتور “عبد الهادي الصديق” إن الوزير الشاب “الطيب حسن بدوي” يكتب تاريخاً جديداً لنفسه ولحزبه ولوزارة كادت أن تصبح مهمشة!! ليلة “الأربعاء” في الجنينة نعود إليها قادم الأيام.
(2)
تذكرت إيقاف صحيفة اجتماعية شهيرة من قبل مجلس الصحافة قبل شهور حينما نشرت حواراً للمغنية الشهيرة “ندى القلعة” وهي تقول (لن أعطي رجلاً يدي وقدمي) لوضع الحناء “الخضاب” ولم تستخدم الصحيفة ولا المطربة الاسم العلمي للقدم بل استخدمت الاسم الشعبي.. وقد انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي صورة لشاب متخصص في رسم (حنة) النساء التي أصبحت مهنة تدر على أصحابها من النساء والرجال مبالغ طائلة، وقد يقول قائل كيف يحترف الرجال مثل هذه المهنة التي تعدّ وضيعة جداً؟ لكن لا نص في القانون يحظر على الرجل (مهنة) الحنان أو الحنانة.. وفي كتاب الأديب “عبد العزيز بركة ساكن” الموسوم بـ(الجنقو مسامير الأرض) يعدّ “ود أمونة” شخصية محورية ورئيسية في الرواية، وهو شخصية عجيبة وغريبة داخل السجن مع والدته التي تمت محاكمتها في قضية خمور وقتل.. ولا يعرف أحد والد “ود أمونة” حتى أمه تعتقد أن والده تاجر يمني كان بالقضارف ثم عاد لصنعاء.. تربى في أحضان السجينات وحينما خرج من السجن أصبح يغني للنساء ويقوم بتجهيز العرسان.. ويدق الدلوكة.. وهو في تلك المهن يقع في المسافة بين البنت والولد.. عمل مراسلة في بنك شهير، ثم ترقى ليصبح بعد ذلك وزيراً في الحكومة المركزية الافتراضية في عالم من التخيلات والأوهام والأماني لدى المؤلف في روايته التي كانت ممنوعة بأمر وزارة الداخلية، ثم استحال على الرقيب منعها.. بعد أن تمددت لكل الأطراف والجامعات.. والقرى والفرقان.. وبهذه المناسبة فإن اختيار المطربة “ندى القلعة” في تقديري كان اختياراً موفقاً جداً لتصبح ضمن أعضاء مؤتمر الحوار الوطني، وليت “ندى” تغنت للمؤتمرين أغنية (وليد دارفور) عشان خاطر العائد مع “إدريس دبي” “أبو القاسم إمام الحاج”:
وليد دارفور بمشي معاك الليلة
محل ما تدور بمشي معاك الليلة
أمي قالت لي
متين بقيتي بنيه وعرفت درب الغي
الليلة
لقيتو فوق البير
ودلوه قصير
أبو سنوناً جير
تقول اختطفوا أطير
لقيتو فوق السوق
بي حقو ما ممحوق
ليهو رماني الشوق
تقول سقاني عروق
وحينما كان وليدات دارفور يتمايلون طرباً مع “كمال ترباس” والدنيا بخير لم تعرف دارفور النهب والقتل والسلب ومعسكرات النازحين.. واللاجئين.. ولا “تراجي مصطفى” التي أسست أول جمعية للصداقة بين السودانيين والإسرائيليين في الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها لم تجد من ينضم لتلك الجمعية وأصبحت وحيدة تغرد بعشقها لإسرائيل.. و”تراجي مصطفى” غداً ستدخل قاعة الصداقة كما دخلت تل أبيب عضواً كامل الدسم في مؤتمر الحوار.. وكل جمعة وأنتم بخير.