الاتحادي خلافات حول الحوار .. والوطني يكفيه أن لا يكون مقعد الحزب خالياً
الخرطوم – عقيل أحمد ناعم
حلقات من الخلاف بعضها آخذٌ بخطام بعض، هي التي تسود سوح الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل)، ولا يمكن فصلها عن بعضها . فالتضارب الذي ظهر أمس الأول في موقف الحزب من الحوار الوطني الذي ينطلق (السبت) المقبل، لا يمكن قراءته بعيداً عن الخلاف المستحكم حول مشاركة الحزب في الحكومة، وهي مواقف استحكم أُوارها أمس الأول في الموقف من الحوار. وعبر عنها فريقان أحدهما يقوده الرئيس بالإنابة ومساعد أول رئيس الجمهورية “الحسن الميرغني” متبنياً ومؤكداً لمشاركة الاتحادي في الحوار، وآخر يعبر عنه بقوة الناطق الرسمي باسم الحزب “إبراهيم الميرغني” يعلو صوته نافياً بشدة أي إمكانية لمشاركة (الأصل) في الحوار في أي من مراحله. ولعل النقطة الوحيدة التي اتفق حولها الرجلان هي تأكيد عدم مشاركة رئيس الحزب “محمد عثمان الميرغني” في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار.
أين “الميرغني”؟
سؤال قد يتبادر إلى ذهن كل من يتابع المعارك حامية الوطيس بين الصف المتقارب مع الحكومة، وغريمه المتجانف عن أي وصل معها. فالمعلوم أن مولانا “الميرغني” هو الآمر الناهي داخل الحزب، لكنه بالمقابل يغض الطرف عن كل هذه الصراعات. باستثناء ما نقله الناطق الرسمي في بيانه الشهير عن “الميرغني” بإلغاء كافة قرارات نجله التي قضت بفصل عدد من قيادات الحزب، لكنه بخلاف هذا ظل يمسك قراراته وتوجيهاته عن جميع معارك فرقاء الحزب، بدءاً من الموقف من المشاركة في الانتخابات الأخيرة مروراً بدخول الحكومة، وانتهاءً بالمشهد الملتبس حول مشاركة الاتحادي في الحوار الوطني من عدمها. وهو الأمر الذي يفسره كثير من قادة الحزب ـ خاصة المناوئين لمولانا ـ بأنها الطريقة المعتادة التي يتبعها “الميرغني” في مثل هذه الحالات بتركه الأمر لتفاعلات الحزب الداخلية لتحسم الخلاف، فإما مضت لصالح ما يريده مولانا ويكون قد احتفظ لنفسه بدور المحايد والواقف على مسافة متساوية من الجميع، وإما اتجهت الأمور لخلاف ما يأمل فيه “الميرغني”، وعندها يكون تدخله حاسماً وملزماً للجميع.
قيادات اتحادية تحدثت لـ(المجهر) أشارت إلى أن “الميرغني” يراقب المشهد وفي حساباته عدم اتخاذ موقف ينسف تفاهماته ـ وربما مصالحه ـ مع الحكومة والمؤتمر الوطني، ومن جهة الاحتفاظ لنفسه بمساحة للمناورة والتراجع في أي لحظة يتيقن عندها بأن لا مصلحة له ولحزبه في التقارب مع النظام . ومن جهة أخرى وضعه للحزب في حالة من توازن القوى بين الفرقاء المختلفين حول الموقف من الحكومة، بجعل الكفة لا ترجح لصالح أيٍ منهما، بما يحفظ للحزب الحد الأدنى من التماسك. لكن الناطق الرسمي للحزب “إبراهيم الميرغني” أجاب عن سؤال (المجهر) حول موقف “الميرغني” من البيان الذي أعلن مقاطعة الاتحادي لجلسات الحوار، بالتأكيد على أن فحوى البيان الذي أصدره لا يتعارض إطلاقاً مع رؤية مولانا “الميرغني” بقوله (رأي مولانا هو رفض كل ما يتعارض مع مبادرته للسلام).
البقرة المقدسة
تلك هي (مبادرة “الميرغني” للحوار الوطني الشامل)، وهي النقطة التي تمسك بها الناطق الرسمي للحزب “إبراهيم الميرغني” في بيانه الذي فجّر به الخلاف من جديد والذي أعلن من خلاله مقاطعة الحزب للحوار الوطني الذي ينطلق في احتفائية كبيرة (السبت) المقبل، فالناطق الرسمي أوضح أن قبول الاتحادي بالحوار مع النظام مبني بالأساس على المبادرة التي أطلقها “الميرغني” للحوار الوطني الشامل. وأكد أن الحوار الذي ينطلق (السبت) مخالف تماماً لمبادرة الوطني وبالتالي لا يعبر عن رؤية الحزب قبل أن يصفه بأنه (اختزال للحوار والتفاف على مطلوباته الأساسية ما يجعله عاجزاً عن الوصول إلى حل شامل لأزمات البلاد). وفي تصريح لـ(المجهر) يؤكد على عمق واستحكام الخلاف داخل الحزب قطع “إبراهيم الميرغني” بأن من سيشاركون في مؤتمر الحوار باسم الاتحادي لا يمثلون إلا أنفسهم وقال (الذين سيشاركوا مجرد أفراد لا يمثلون الحزب). وفي سؤال (المجهر) عن إمكانية اعتبار “الحسن الميرغني” مجرد فرد في حال شارك باسم الحزب، أجاب الناطق الرسمي (حتى لو شارك “الحسن” أو غيره فهم لا يمثلون الاتحادي بل يمثلون أنفسهم ولا يعبرون عن رؤية الحزب). وأضاف (مؤتمر الحوار نفسه لا يمثل رؤية الحزب ولم يف بما تضمنته مبادرة “الميرغني”).
اسم الاتحادي وحده يكفي
هذا ما تؤكده الوقائع، وما يؤكده سلوك المؤتمر الوطني تجاه تباين الآراء والمواقف داخل الاتحادي من النظام، فرغم علو الصوت الرافض للتحالف معه أو التماهي مع الحكومة، إلا أن وجود نجل “الميرغني” ـ بثقله داخل الحزب والطائفة الختمية ـ على رأس التيار المتحالف مع النظام، يبدو كافياً للمؤتمر الوطني مادام مولانا متحفظاً عن إعلان رفض توجهات هذا التيار، وخاصة في ما يلي أمر الحوار، فالمؤتمر الوطني يحتاج لأي وجود ولو شكلي لحزب في قامة الاتحادي التاريخية والجماهيرية، في ظل انقلاب موقف حزب الأمة القومي ورئيسه “الصادق المهدي” الذي اتخذ من الحوار موقعاً قصياً، بالتالي لن يلتفت الوطني كثيراً للأصوات التي تعلن مقاطعة الاتحادي للحوار، فالمقعد المخصص للحزب الاتحادي في جلسات الحوار لن يكون خالياً، بل سيجلس عليه نجل “الميرغني” ومن يعتقد كثيرون أنه خليفة والده، ولن يعير أي اهتمام للرأي القائل بأن تمثيل “الحسن” للحزب لا يعبر عن المؤسسية داخل الاتحادي، ولعله يعول على طول عمر مؤتمر الحوار الممتد لثلاثة أشهر. ووعد “الحسن” بأن والده سيكون مشاركاً في أي مرحلة من مراحل الحوار.