النشوف اخرتا
أيام مع المعلم “وردي”
سعد الدين ابراهيم
قبل رحيله المهيب انعقدت صداقة حميمة بيني وبين الهرم “محمد وردي”.. وقد أخذ تدريجياً يقودني إلى الاحتراف في صناعة الأغاني.. بدأ معي بداية فشلت إذ طلب مني إكمال أغنية (نجفة) وقد كتب المذهب ولحنه.. ولما ألح علي قلت له امنحني فرصة قال كم من الزمن قلت: شهرين تلاتة.. قال لي: ليه كده.. ده لو “الحلنقي” كان كتبا في يومين قلت له طيب ما تخلي “الحلنقي” يعملها ليك قال: لكن “الحلنقي” مخاصمني قلت له: صالحو أصلكم متخاصمين في ورثة.. فأعجب باقتراح الصلح واتصل بالحلنقي وفعلاً في يومين كتب القصيدة وغناها “وردي” وسجلها.. مرت الأيام فطلب مني إكمال مذهب نهر العسل.. فقلت لأخوض التجربة وأخذنا نصنع الأغنية فكانت أغنية نهر العسل التي وصف لحنها الفنان “عبد الوهاب وردي” بأنه أجمل الألحان في الساحة حينها عدلت قليلاً في المطلع وانسابت القصيدة كلما أكتب (كوبليه) نغير ونبدل فيه حتى اكتملت وقد سجلها استمعت إليها في النيل الأزرق ولكنهم أحجموا عن تقديمها لماذا لا أدري؟
جاء في نص الأغنية
يا نهر العسل .. يا شلال حنان
داسين في الحنايا ريدتك من زمان
ورينا الطريقة وأدينا الأمان
يا نهر العسل أهديت السفاين
شارات الأماني وأدهشت المداين
بان حلم الوصول وانفشت غباين
شوف حتى الضفاف لي حسنك تعاين
تشرق من خدودك يا سيدي الشموس
ومن إلفة عيونك تتصافى النفوس
في عمق المحبة ندى الناس دروس
تحلى الدنيا جنبك بي كسره وغموس
طل الأسمراني خله الدنيا بهجة
إطلالة ثواني تسعد ألف مهجة
لما تغيب نعاني في نيران بنرجي
لو يرضيك وداري أنا ما داير أنجى
مرة أخرى حكى لي عن فتاه أعجبته وتجاوبت معه بتقدير أسره وكان اسمها ذاته جميلاً.. ووصفها لي وطلب مني أن أتقمص حالته واكتب لها أغنية شرطاً يتضمن النص اسمها.. يمكنكم معرفته من السياق كتبتها.. وشرع في تلحينها وأخبر الفتاة فقالت له: إن الشاعر لم يرني فكيف كتب (فيني قصيدة) وأصرت على أن أراها فتسمح له بعد ذلك بالتغني بالقصيدة.. لم يحدث ذلك وما رأيتها.. إلى أن عثر “وردي” على اسمها ضمن قصيدة يا صوتها الحلوا لأمل دنقل فلحنها وغناها.
رحل الفنان العظيم وظلت الأغنية حزينة يتيمة .. وتقول:-
حسنك يزيد حلاوة.. وحبي يزيد جراءة
موجك يزيك ضراوة.. وأنت تزيد براءة
يا بحر النداوة.. ويا رغد الهناءة
جمالك في مهابة قسماً منو خوف
أشوفك في سحابة عالي على القطوف
موجة في انسيابا أقوى من الظروف
حاشاها الرتابة تتراقص حروف
تغريني المواسم.. وأحلم بالتلاقي
في وطناً مسالم.. شعبو تملي راقي
طول أيامو حالم.. وبالحنية ساقي
الناس والمعالم وأعلن اتفاقي
مع الأطفال حليب ممزوج بالأماني
مع الشبان دروب حرية وأغاني
مع كل الشعوب أبيض وأسمراني
دنيا بدون حروب وسلام صدرو حاني.