تحقيقات

مستشفى "أبو هشيم" بسنار.. يداوي مرضى (30) قرية دون طبيب!!

المسؤول عنه “ممرض” يعطي الدواء بناء على الأعراض
مواطن يتساءل: إلى أين تذهب أرباح الصيدلية؟!
أبو هشيم – يوسف بشير
تعيش حوالي (30) قرية، ريفي غرب وشرق الدندر بولاية سنار، في إهمال صحي مريع، إذ يعتمد قاطنوها على مستشفى أبو هشيم الريفي المهمل بطريقة تفوق التصوّر، في صورة تعد الأسوأ استخفافاً بأرواح الناس. فاستنجد مواطنوها بـ(المهجر) لبث إهمال السلطات الصحية بولاية سنار لأمر (مستشفى أبو هشيم الريفي)، بتركه دون طبيب عمومي، والذي إن أحضروه يغادر بعد أقل من شهرين، تاركاً لسكان القرية غصة في الحلق.
ويتخوف معظم سكان القرى، التي يقدم المستشفى خدماته الطبية لها، من تلقي العلاج فيه، تحوطاً من تناول أدوية لا تتناسب ومرضهم، ولا عجب، فالمسؤول عنه الذي يصرف الأدوية للمرضى ممرض، اسمه “إدريس عبد العظيم”، وخبرته في التمريض تقل عن الخمسة أعوام.
والأمر الأكثر غرابة أن هناك أقاويل متشفية وسط المواطنين، مفادها أن بعض البعض لا يريد استقرار طبيب في البلدة، لأن ذلك يعارض مصلحتهم الشخصية.
{ لا حياة لمن تنادي
وكدأبها في عرض مشكلات المواطنين، قامت (المجهر) بجولة ميدانية داخل المستشفى، أول ما دخلنا وجدناه خاوياً من المرضى، ليس به- حتى- الخفير، فقط أربعة “حمير” وبضع عشرة من “الغنم”، تمرح بلا وجل. وبعد قليل حضر مريض، فنصحه مرافقي بالذهاب للطبيب في بيته، وهو ليس طبيباً، وإنما ممرض، يعتمد في تشخصيه على مما يشكو منه المريض، فيصرف له الدواء بناء على ما يشكو منه، وفقاً لرئيس اللجنة الشعبية بالقرية “أحمد على بابكر”.
{ نفايات طبية على جنبات المستشفى
تجولنا في غرف المستشفى، وقد هالنا ما رأينا. النفايات الطبية في كل مكان؛ في الساحة الخارجية، داخل الحمامات، في غرفة التوليد، وحتى في غرفة التشخيص، وهذه وجدنا على الطاولة الموجودة فيها صندوق سجائر بجانب السماعة الطيبة ودفتر ملاحظات الطبيب. أما غرفة التغذية ففيها ملابس رجالية، و(زير)، فضلاً عن عشرات الحشرات المستوطنة فيها. وفوق ذلك تصدعات في الغرف، وكأنها مكب نفايات لا مستشفى يعالج المواطنين من عللهم. وأما سيارة الإسعاف فهي متوقفة بعد نزع إطاراتها.
{ ارتباك وتوتر
يقول مرافقي إن المرضى في العيد ينعدمون، وإن كانت هناك حالات طارئة، يذهبون لدارس الصيدلة في بيته، كما أسلفنا، فيأتي معهم، وإن كان خارج بيته عليهم أن ينتظروا ريثما يأتي.
فهممنا بالذهاب إليه، لنأخذ منه إفادات حول الوضع المزري، لكنه، كفانا من المشوار بحضوره مع مريض، دلف معه للصيدلية التي تعاني هي الأخرى من الاتساخ.
وعند خروجه عرضنا عليه الشكاوى، فأجاب “إدريس” بارتباك: (المستشفى، ليس به وسخ)، وأضاف: (من يشكو حاسد). واعترف بأن عدم وجود طبيب يضاعف من المشاكل الصحية، ودعا السلطات الصحية لإنارة المستشفى من الكهرباء العامة، التي سرى التيار في أسلاكها قبل زهاء الشهرين. وقبل أن نكمل حديثنا معه، تركنا وذهب لحال سبيله.
{ أصول مهملة
وحسب مواطنين، يملك المستشفى الريفي معدات طبية مهملة،  مخزنة في غرفة ملحقة بالصيدلية، بحجة عدم وجود طبيب يجيد استعمالها. إضافة لذلك توجد أجهزة تكييف مركزي جديدة لم تركب. وللمستشفى مبنى آخر، شُيّد قبل فترة، ويعاني من خلل في السقف يسرب مياه الأمطار داخله.
وتشير (المجهر) إلى أن المستشفى كان في الأصل مركز صحي، أجريت عليه تحديثات في المباني والمعدات قبل سنوات ليكون مستشفى ريفياً يستوعب جميع مرضى القرى الثلاثين.
{ تساؤلات.. من يملك إجابتها؟؟
(ما معقول، مستشفى بكامل معداته، يتراجع ليكون مسؤول عنه ممرض؟؟ هذا غير معقول)، تلك أول استفهامات مواطن ستيني- فضل حجب اسمه- وتساءل في حديثه لـ(المجهر) عن الأسباب التي جعلت وزارة الصحة بولاية سنار تتنصل من مسؤوليتها في إرسال طبيب لمستشفى يتبع لها، وترك أمره لممرض.
وقطع بأن البسطاء وحدهم من يتلقى العلاج في المستشفى، لجهة عدم امتلاكهم مالاً يكفي لسفرهم إلى الدندر لتلقي العلاج، وقال: (وفوق ذلك، يفرض الممرض عليهم رسوماً مقدارها خمسة جنيهات للكشف والتشخيص).
{ أين يذهب مال الصيدلية؟؟
وذكر “المواطن”، أن بالمستشفى خمسة كوادر: عامل نظافة، حارس مدني، فني مختبر، مسؤول تغذية والممرض. يتلقون مرتبات من الحكومة دون القيام بكامل واجباتهم، وقال: (ديل ساعة العمل الرسمية بكونوا نائمين، دا لو جوا من بيوتهم).
وشدد على أن المستشفى تحول من مؤسسة حكومية خدمية إلى تجارية بحتة، حيث تذهب أرباح الأدوية لأشخاص محددين، متسائلاً عن سر جمع الممرض بين وظيفته التمريضية وإشرافه على الصيدلية ببيع الأدوية للمرضى. ودعا مسؤولي وزارة الصحة للإجابة عن السؤال، وناشدهم النظر في ذلك الإهمال المزري بعين العطف، خاصة وأن المرضى أناس قرويون بسطاء لا يفقهون حتى موعد انتهاء صلاحية الدواء.
{ تقصير.. وشكوى
رئيس اللجنة الشعبية بالقرية “أحمد علي بابكر”، قال إن المستشفى يقدم خدمات طبية لثلاثين قرية، مقراً في الوقت نفسه بعدم وجود طبيب مؤهل، وقال لـ(المجهر) إن المسؤول عن المستشفى غير مؤهل، موضحاً أنه يعطي الدواء للمريض بناء على الأعراض التي يبديها، وقطع بأنه عرض تلك الإشكاليات على المسؤولين دون استجابة من جانبهم. وقال: (قبل أسبوعين مشيت لوزير الصحة، لقيت وكيل الوزارة وحدثته عن المشاكل، وعرضت عليهم حلاً جزئياً بتناوب أطباء من مستشفى الدندر)، وأضاف: (قال لي، إن الأطباء في المستشفى قلائل).
وعزا “بابكر” النفايات الطبية الموجودة في كل مكان لعدم وجود الطبيب، مرجعاً القصور إلى تعنت وزارة الصحة بالولاية، داعياً إياهم للنظر بعين الإنسانية، وأشار إلى وجود إسعاف متعطل أيضاً بعطب (طلمبة)، وقال إن والي سنار “أحمد عباس” أخلف وعده بإعطاء المستشفى إسعافاً جديداً.
وأجاب “بابكر” عن سؤال (المجهر)، لمَ لا تغلق اللجنة الشعبية المستشفى طالما به شخص غير مؤهل يمكن بعلاج خاطئ أن يودي بحياة شخص؟ بقوله: (فعلا في علاج خاطئ ولكن شيئاً أفضل من لا شيء ونحن نعرض مشاكلنا هذه على المسؤولين)، وذكر أن المدير الطبي بالولاية السابق وعدهم بصيانة المركز دون أن يفي بوعده. بيد أنه قال إن المدير الطبي الحالي قام بدراسة جدوى حول صيانة المركز، بتكلفة (70) ألف جنيه، وأضاف: (عرض علينا القيام بصيانتها بالمناصفة- أي نصفها على الوزارة والنصف الثاني على الشؤون الهندسية).
{ معاناة مضاعفة
ويتفاقم الوضع الصحي في الخريف، إذ تنعدم وسيلة المواصلات، وإن وجدت يستغرق السفر أحياناً يومين، وهذا الوضع خطر خاصة على الحوامل، ومصابي الملاريا المزمنة التي تكثر في المنطقة في الخريف لانتشار البعوض.. وأورد لنا رئيس اللجنة الشعبية حادثة استشهاد امرأة حامل في الطريق إلى الدندر، في الشهر السابق، بسبب عدم وجود الطبيب.
{ مناشدات
وقدم مواطنون مناشدات عبر الصحيفة لوزارتي الصحة الاتحادية والولائية بإرسال طبيب للمستشفى، وضرورة أن تتدخلا لإنقاذ أهالي هذه القرى من الوضع المأساوي الذي يعانونه جراء الإهمال.. فهل تستجيب هذه الجهات؟ أم أن الأمر سيكون صرخة في الظلام؟؟

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية