مسألة مستعجلة
عندما تُنتهك السلطات الدستورية!!
نجل الدين ادم
تعجبت جداً للمشادة الكلامية التي دارت بين وفد رفيع من المجلس الوطني وضابط الجمارك المسؤول عن ميناء عثمان دقنة بولاية البحر الأحمر، وانتهت بانسحاب الوفد البرلماني المحترم من ذلك الاجتماع غاضبين.
وحسب الرواية التي سردها أعضاء اللجنة، فإنهم وجهوا أسئلة واستفسارات تتعلق بأوجه قصور متمثلة في مواقيت فتح وإغلاق الصالات لإجراءات حجاج بيت الله، الأمر الذي رفضه مدير نقطة الجمارك بالميناء وأصر على مقاطعة رئيس وأعضاء اللجنة.. والغريب في الأمر أن أعضاء اللجنة عندما قرروا قطع الاجتماع والمغادرة بسبب احترامهم كجهة سيادية رقابية تدخل البعض، إلا أن المسؤول الأول قال حسب ما نقلت الصحف (خلوهم يمشوا)، يعني “في ستين زي ما بيقول المثل السوداني”، آمل أن يكون في هذا الأمر شيء من عدم الصحة.
هنالك حالة انعزال تام بين السلطات الدستورية، وظهر ذلك جلياً خلال الفترة الماضية من أحداث مماثلة تحس معها بأن الذين يوضعون على رأس سلطة من العناصر النظامية أو غيرها لا يعرفون شيئاً عن السلطات الرقابية والسلطات الأعلى التي ينبغي أن يتعاملوا معها بل مجبورين وبالدستور. لذلك يعتقد هؤلاء أن أي شخص ملكي “زي ما بيقولوا” أقل منهم في السلطات حتى لو كان يملك سلطة دستورية وحصانة، يعني الضابط ينصاع تماماً لتعليمات وزير الداخلية الذي يملك البرلمان سلطة استدعائه! وهذه مشكلة وأعتقد أنها ليست مشكلة هؤلاء الموظفين بل مشكلة الأجهزة التي يتبعون لها، وحالة احتجاز وكيل نيابة بواسطة ضابط شرطة خير مثال، وكذلك حادثة مطار الخرطوم.
كل الأجهزة الدستورية سواء أكانوا وزراء أو قضاة أو ولاة أو برلمانيين أو مستشارين قانونيين لا ينفصلون عن بعضهم وهم يقومون بمهامهم، والدستور فصّل في السلطات وأعطى كُلاً سلطته، يعني الجهاز التنفيذي ما يتجاوز الجهاز التشريعي ويأتمر بأمره، والبوليس لا يعمل بمعزل عن النيابة العامة وقس على ذلك.. لكن هناك حالة خواء في أذهان البعض من العناصر الذين يتبعون لهذه الجهات، لذلك فإن الأمر يحتاج لمراجعة حتى توضع الأمور في نصابها، وأتمنى أن لا تمر حادثة الوفد البرلماني مرور الكرام وهم يصطدمون بعدم التقدير من موظف عام في أمر يتعلق بسلطات وليس علاقات عامة ولا أعلى مني ومنك.
قد يقول قائل إن هذه الحوادث فردية ولا تمثل المؤسسة بأي حال، لكنني أقول إنها في النهاية تفت عضد الجهاز المسؤول الذي يتبعون له.. مطلوب أن يكون أي موظف أو نظامي على رأس مسؤولية أو إدارة ملماً بالسلطات الأخرى ويتعامل معها حسب واقع الحال، وأن لا يسلب سلطة أو ميزة منحت لأي شخص بالدستور والقانون حتى لو كان له رأي شخصي في ذلك.
هذه الحوادث على قلتها حساسة وتعلق في أذهان الناس، لذلك يجب أن تكون محصلة المساءلة والمحاسبة مكشوفة وتعرض على الرأي العام، حتى تكون ثقافة تمشي بين الناس ليعرف كل قدره وسلطته وسلطة الآخر.. حينها لن ينفرط نظم العقد.. والله المستعان.