رأي

النشوف اخرتا

مواطنان من كوكب زحل
سعد الدين ابراهيم
مساء رابع أيام العيد.. ضربت أمية الكهرباء في شارعنا.. احترقت الكابلات واشتعلت فيها النار لمدة ثلاث دقائق ثم انطفأت وطار الدخان لمدة ثلاث دقائق أخرى.. وكنا نعرف الأسباب فقد قال لنا المهندسون قبل ذلك إن حمولة زائدة وإن استخدام الكهرباء في هذا الشارع أكثر من المعدل لذلك تضرب الأمية ومع ذلك لم يفعلوا ما يحل المشكلة جذرياً بتقوية الأمية.. أو بأي وسيلة يعرفونها فكل مشكلة  لابد لها من حل.. ذهب جاري “عادل” إليهم وحضر ومعه عربة الكهرباء يقودها مهندس ربما ومعه آخر.. وعاينا الحاصل.. وذهبا واحضرا كابلات جديدة وركباها كانت الساعة حينها الواحدة صباحاً.. وكنا “عادل” جاري وأنا  نقف معهما للمؤازرة فالشوارع خالية من البشر وللاطمئنان على إصلاح العطل.. بعد أن ركبا الأجهزة الجديدة (ضربت تأنى) فقررا أن هنالك خللاً في موقع ما من الشارع وأخذا يتابعان الشارع عموداً عموداً.. إلى أن توصلا إلى العطل الجانبي هذا .. وأصلحاه.. كانت الساعة قد بلغت الثالثة صباحاً.. والدنيا عيد.. انتظرا حتى تأكدا من استقرار الكهرباء ثم ركبا عربتهما وذهبا.
اندهشت لهذا السلوك الطيب منهما.. وفاتني أن أسألهما عن اسميهما وعن وضعهما هل هما مهندسان.. عاملان.. فنيان.. ذهبا بعد أن أديا واجبهما على أكمل وجه.. احترت في هذا الدأب وهذا الإتقان في العمل والإصرار عليه والتعب حتى يصلحا الخلل.. قلت: هل آتيا من كوكب زحل فنحن لم نعتد على مثل هذا الإخلاص والدأب إنما على التراخي والتسويف…. استحقا مني إشادة وها أنذا أكتب عن كائنين هبطا من زحل لأنهما لا يشبهان ناس الزمن  ده وتمنيت أن أكافئهما ولا خيل عندي أهديها لهما ولا مال، فقلت أكتب عنهما مشيداً على الأقل من باب الحافز المعنوي ولكن من سيعرفهما وللتوضيح العطل كان في الحلفايا مربع (11) قرب بقالة باب الريان وقبل جامع الريان وفي الشارع الرابع جنوب الكبري. كل هذا حتى يتم تكريمهما من قبل المسؤولين في إدارة الكهرباء.. قبل أن نذهب إلى كهرباء الحلفايا قررنا الاتصال بإبلاغ 4848 فقالوا لنا: مكالمتك الآن رقم مائة وسبعين (بالانجليزي) وهذا يعني الانتظار على الخط لمدة نصف ساعة على الأقل وانظر تكلفة المكالمة وقبلها الانتظار الممل.. قلنا أحسن أصلو ناس 4848 ديل لا  بحلو لا بربطوا تمومة جرتق ساكت.
عموماً هذان المسؤولان إن كانا من المهندسين أو من غيرهم ضربا مثلا للإخلاص في العمل حتى الثالثة صباحاً والدنيا عيد. 
شكراً لكما أينما كنتما وأتمنى أن تقرآ كلامي هذا ويصلكما تقديري وامتناني لكما فقد أكدتما أن الدنيا ما زالت بخير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية