الطرد من "كمبالا" و"جوبا"
نجحت الحكومة في الحصول على وعود من دولتي يوغندا وجنوب السودان بطرد حركات التمرد السودانية من تلك الدول بعد الاتفاقيات التي أبرمت في الخرطوم، بين القيادة السودانية واليوغندية بعد سلسلة طويلة من الاتفاقيات التي سرعان ما تفشل في تحقيق أهدافها.. لكن زيارة الرئيس اليوغندي الأخيرة للخرطوم وضعت الحروف على السطر الأخير من قرار طرد “كمبالا” لمتمردي الجبهة الثورية.. فيما شهدت العاصمة الروسية “موسكو” اتفاقاً بين وزيري خارجية السودان وجنوب السودان على تبادل طرد المعارضة.. وقد تسارعت الخطى باتجاه وضع تلك الاتفاقيات حيز التنفيذ بالوساطة التي قادها الرئيس “عمر البشير” ليجمع في الخرطوم بين “رياك مشار” والرئيس اليوغندي “يوري موسفيني”. ولأن المعارضة المسلحة السودانية جعلت من نفسها ورقة تتقاذفها مصالح الدول في الإقليم، فإن أي تقدم في استقرار دولة جنوب السودان تدفع ثمنه المعارضة السودانية المسلحة خاصة إذا كان للحكومة السودانية يد في تدابير استقرار دولة الجنوب، وذلك ما حدث الآن حيث لعبت الخرطوم دوراً كبيراً في اتفاق المعارضة الجنوبية مع حكومة “سلفاكير”.
والمعارضة المسلحة التي ظلت تلعب على ورقة تناقضات علاقة السودان بجيرانه.. تعيش الآن أياماً في غاية البؤس. وقد انتهت الحرب على الأرض وتعرضت حركة العدل والمساواة أكبر الفصائل المعارضة في دارفور لانقسامات شديدة وتصدعات واختراقات لعصبها الحي.. وضربة عسكرية في الصيف الماضي جعلتها تخسر (80%) من قوتها وآلياتها. وضرب زلزال التصدع والانشقاقات جسد الحركة المهترئ فأصبحت الآن مجرد شبح واسم فقد بريقه ووجوده، ولجأت الحركة الثانية (تحرير السودان) بقيادة “مناوي” لبيع بندقيتها لمن يدفع أكثر.. قاتلت إلى صف حكومة “سلفاكير” وحينما تطاولت الحرب ونفد صبرها على حرب الغابات.. اتجهت إلى ليبيا لتقاتل مع “خليفة حفتر” صنيعة المخابرات العربية لإجهاض الثورة الليبية.. والذي أغدق على “مناوي” المال والسيارات لكن من أجل أجندته هو لا من أجل تقوية موقف “مناوي” على الأرض!! وإزاء هذا الواقع الذي تعيشه حركات التمرد في دارفور بعد أن نجحت الدبلوماسية السودانية في تجفيف وجود تلك الحركات في تشاد وإثيوبيا واريتريا.. ولم تتبقَّ إلا يوغندا التي تحتضن الجبهة الثورية (عشان خاطر “سلفاكير”) ولحسابات خاصة بمصالح “موسفيني” في الفترة السابقة.. والآن تواجه (الجبهة الثورية) واقعاً جديداً فالأرض ليست في صالحها والإقليم بدأ يلفظ وجود الحركات السالبة.. وما عادت هناك استجابة من أهل دارفور والمنطقتين لخطاب الحركات المتمردة الذي يستفيد كثيراً من التناقضات المجتمعية.. وأخطاء الحكومة.. لكن اتفاقية الدوحة جردت حركات دارفور من أسلحة كثيرة عطفاً على المشاركة الواسعة والحقيقية لأبناء دارفور في السلطة حتى تململت أطراف أخرى من (إغداق) الحكومة على الإقليم المناصب والواقع صغيرها وكبيرها.
والآن تواجه حركات التمرد ممثلة في (الجبهة الثورية) واقعاً يجب قراءته جيداً والاستفادة من مناخ الحوار.. وفرص الاتفاق سياسياً بعيداً عن الأمنيات المستحيلة بإسقاط النظام ووراثته كاملاً.. وفي ذات الوقت على الحكومة استغلال المناخ الحالي.. وواقع الحركات المزري والوصول لاتفاق يخاطب جذور المشكلات خاصة في إقليم جبال النوبة والنيل الأزرق.. وأن لا تصغي الحكومة للأصوات التي تنادي برفض شروط المنتصر على الجبهة الثورية لأن حل القضية أهم من حسابات الكسب والخسارة.. وفي حال رفض الجبهة الثورية لأي اتفاق مع الحكومة الآن ربما وجدت نفسها في وضع يماثل معارضة العراق قبل سقوط “صدام” مجرد أسماء تعيش في “لندن” و”باريس”.. تكتب في الصحف وتتمنى التغيير من المقاهي بعيداً عن الشعب الذي لا ينظر إلا حاملي السلاح إلا بعين أنهم جزء من مشكلاته التي يعانيها.