أخبار

مغالطات "التهامي"

لماذا يزج الفريق “أحمد التهامي” عضو المجلس الوطني نفسه في متاهة مغالطات تقلل من شأنه كنائب برلماني وكضابط شرطة ترقى لرتبة الفريق.. وينظر السودانيون لضباط ومنسوبي الشرطة بوقار واحترام وتقدير ويعتبرون الشرطة مؤسسة قومية محايدة في الصراعات، وكثيراً ما هتف المعارضون للحكومات والمتظاهرون في الطرقات (الشرطة شرطة الشعب).. لكن السيد “التهامي” الذي تحدث الأسبوع الماضي عن أحداث سبتمبر والتي تمثل جرحاً دامياً لأسر سودانية كثيرة جداً فقدت ذويها في تلك الأحداث ولا تزال تنتظر أن تبلغ التحقيقات نهاياتها ويتم القبض على المتورطين في قتل المواطنين.. لكن الفريق “التهامي” الذي تنحى من الشرطة أو أحيل للتقاعد وولج ساحة المعترك السياسي بعباءة مدنية تحدث للصحافيين حديثاً أقرب للدفاع عن الشرطة والتي لم يتهمها أحد بالتورط في قتل المواطنين الذين تظاهروا قبل سنوات، ولكن الفريق “التهامي” حينما يقول (السودان أكثر دولة بها حريات ولا توجد دولة مثلنا). مثل هذا الحديث يقلل من وقار رجل برلماني وضابط شرطة كبير جداً ويصفه في مقام الناشط السياسي الذي يهتف في المنابر الخطابية ويتحدث بحماس الشباب الطاغي.. وحتى هؤلاء الناشطون السياسيون يتخيرون المنابر التي يقال فيها مثل هذا الكلام الذي يفارق الواقع.. وبين عبارات الحشد المعنوي لأغراض التعبئة القتالية..
نعم في السودان حريات نسبية أفضل من كثير من دول الإقليم الأفريقي من حولنا والعرب، ولكن لا يجب إطلاق الكلام على عواهنه. وفي مجلس حقوق الإنسان بجنيف يقول “زيد رعد الحسين” المفوض السامي لحقوق الإنسان، إن مجلسه قلق إزاء ما يجري في البلاد من انتهاكات لحقوق الإنسان، ورئيس البرلمان بروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” الذي لا يبعد مكتبه عن الفريق “التهامي” إلا أمتار تقل عن الخمسمائة متر.. يقول إن أكبر معضلة تواجه تطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن قضايا الحريات وحقوق الإنسان، وأن أعضاء الكونغرس الأمريكي قد أثاروا قضية مصادرة السلطات السودانية لعدد أربعة عشر صحيفة في يوم واحد، ولأن البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” من السياسيين الذين لا يتورعون في الجهر بالحقيقة مهما كانت مثمنها، وبلغ من العمر السياسي والنضج ما يجعله ينأى بنفسه من لزوجة اللسان اعترف بوجود أخطاء في تطبيق القانون وتجاوزات، ولكن للجهاز التشريعي أو المجلس الوطني إرادة حقيقية في محاسبة السلطة على تجاوزاتها.. مثل هذا الحديث هو ما يجد الاحترام والتقدير لا عند الدول الأخرى ولكن حتى في أوساط الرأي العام.
وقضايا حقوق الإنسان الأصل فيها داخلي وليس خارجياً كما يعتقد البعض، وتنظيف الثياب من الأدران والأوزار فريضة مقدمة على سنن المدافعة باللسان في المنابر والساحات العامة.. غير أن من الصعب إقناع الناشطين السياسيين أمثال الفريق “التهامي” بأن إيقاف الحرب تمثل خطوة هامة لسد الثغرات التي يتسلل منها أمثال “رعد الحسين” وهو يفتتح دورة مجلس حقوق الإنسان بالحديث عن السودان دون بقية دول العالم التي يشهد بعضها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والحيوان والطيور والأسماك في البحر، ولكنها لا تجد تلك الانتهاكات رواجاً في المنابر الدولية مثلما يحدث في السودان.
ألا يدعي الناشطون السياسيون في بريطانيا وفرنسا بأن بلدانهم هي الأكثر حرية في العالم مثلما يباهي الجنرال “التهامي” بحرية لا يراها السودانيون، وهم حينما يتظاهرون مطالبين بتوفير جرعة ماء للأحياء السكنية الفقيرة لا يجدون مسؤولاً ولو صغيراً يصغي لمطالبهم ويحمل مذكراتهم للسلطة الأعلى، ويجدون أمامهم مجنزرات الشرطة وعرباتها مدججة بكل أنواع الأسلحة.. وحتى البرلمان الذي يتحدث منه الفريق “التهامي” غير مسموح للمواطنين الذين انتخبوا النواب غير مسموح للشعب بالتجمع أمام برلمانه والمطالبة بحقوقه في الحياة الكريمة.. ولكن الفريق “التهامي” غير، نحن دولة ما منظور مثيلا!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية