من وحي الأخبار

غوث الغيث

حالة من الارتباك كانت ظاهرة في الساعات الأولى من يوم أمس، فمع خروج تلاميذ المدارس والعمال والباحثين عن الأرزاق وشواغلهم العامة والخاصة للطرقات صدف أن هطلت أمطار بغزارة بولاية الخرطوم، وكان نصيب أم درمان وأمبدة منها حصيلة الوفرة في المياه وكثافة التساقط، واضطرت المركبات للسير مع المشاة بالخطوة البطيئة، واختفت بالطبع المواصلات العامة وتداخلت أبواب السائقين مع أدخنة المركبات المعطلة، وتعقدت حركة السير رغم جهود شرطة المرور الحاضرة في مثل هذه المواقف بالنبل والصبر الجميلين.. وفي تقديري أن الناس صاروا يتعاملون مع الأمطار رغم كونها نعمة بغير قليل من التعثر في المقابلة والإقبال، وهو تعثر بات يمتد إلى الحكومة الولائية التي صار سنوياً كل نزول للمطر بالنسبة لها حدثاً مقلقاً وتكراراً معتاداً لصور خوض المسؤولين في المياه والأوحال.
أمطار الأمس امتدت وطالت عدداً من الولايات خاصة شمال دارفور التي شهدت فيها الفاشر أمطاراً غزيرة، لكن لأن واحدة من مشاكل هذا البلد حصر النشاط والأحداث في العاصمة الخرطوم، فالراجح عندي أن غالب تغطيات اليوم وتعليقات المعلقين ستركز على أم درمان وكرري والخرطوم وبقية المحليات في العاصمة القومية، وستكون التفاصيل ضئيلة إن لم أقل معدومة حول الموقف في الغرب أو الوسط رغم أن الخريف هناك في هذا التوقيت تبلغ فيه نسب المياه ذروتها وتقع في بعض الأحيان سيول وفيضانات وأضرار تقيد كلها تحت بند (الصابرين والصابرات) من قرى الولايات، وهذا اختلال في موازين السلطة الإعلامية وإهمال لاستحقاق تلك الأطراف في أن يعرف حالها ويدرك مآلها.
إن الوقت قد حان لاستحداث آليات ومفاهيم تجعل من هذا الموسم موسماً لأي شيء سوى الأزمات ووضعيات الطوارئ، إذ لا يبدو منطقياً أن تعلق البلاد لسنوات في كل عام مثل هذا الشهر في وضعية واحدة متكررة على طول العهود والحقب.. وبالمناسبة فإن الأمر لم يبدأ في شأن الاضطراب مع الإنقاذ فقبلها كانت هي ذات المشاهد التي فقط تختلف من عام لآخر ومن منطقة لأخرى، مع تغيير في أسماء الولاة والمعتمدين، لكن الأصل أنه ذات المشكل والمأزق الذي يكاد معه البعض أن يشكر الله على سنوات الجفاف والمحل! لأنه يرد عنه رهق مثل هذه الظروف وآثارها، وبالتالي فإن الحاجة عاجلة لمراجعة علمية وهندسية لكل ما يحدث.. وصحيح أن تلك ظروف طبيعية ليس لأحد يد فيها أو قدرة على التحسب، لكن الأصح أن هناك إمكانية قد توجد لتدبر أمر وقائي أو في الحد الأدنى تدابير قادرة على امتصاص الآثار، وهي تدابير من المهم أن يشرك فيها المواطن كطرف أصيل، إذ لا يبدو منطقياً أن يقف متفرجاً معتمداً فقط على نزول الحكومات الولائية أو المحلية ثم لينزل بعدها أو معها!
عموماً.. لقد سعدت بفيض السماء على الأرض يوم أمس، والحمد لله على نعمة الغيث.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية