حان الوقت لإزالة العقوبات الأمريكية عن السودان
الكاتب الامريكى:دووق باندو
ترجمة : ميعاد مبارك
العلاقات مع الخرطوم- السودان- مثل (الكلب الذي لم ينبح) في حكاية السير”أرثر كونان دويل”، هذا إعلان صغير يصف حال المصالح الأمريكية في الخرطوم، بعد أن حظرت واشنطن معظم الأعمال التجارية في السودان.
كما أشرت في مقال سابق تم نشره في مجلة “فوربس” الحصار أصبح الأداة المفضلة لـ”واشنطن” بعد قطع العلاقات التجارية التي نادراً ماكان يتم الترويج لنهاية أمريكية لها. لم يتم تحقيق شيء واضح في السودان فيما لا تزال الولايات المتحدة وحدها متمسكة بالعقوبات، إنه الوقت المناسب لواشنطن لرفع الحصار.
إدارة “كلنتون” فرضت لأول مرة القيود على السودان في العام (1993) معتبرة إياه دولة راعية للإرهاب،إدارة “بوش” فرضت المزيد من القيود بسبب ما أسمته الصراع العرقي.
الحصار الأمريكي لا لبس فيه ولكن المصالح الأمريكية خاصة في الدول الأقل نمواً مثل السودان مهمة؛ في مطار الخرطوم تحدثت مع رجل أعمال مصري قال لي:( إن الحصار أمتص الحياة من الاقتصاد)، و أشتكي مسئول في وزارة الاقتصاد السودانية قائلاً: (لقد وضع الحصار الكثير من العقبات في طريق عملية التنمية)، وفي بعض المناطق أرتفع معدل الفقر إلى ( 50%).
من المفارقات المثيرة للسخرية، أن المسيحيين الأمريكيين كانوا من بين أكثر المؤيدين للقيود الاقتصادية ، فيما يقول مسيحيو السودان إنهم يعانون بسبب الحصار،القس” فيلوساوث فرج”، من كنيسة الشهيدين القبطية بالخرطوم أوضح أنهم يريدون إلغاء كل العقوبات.
من الواضح أن واشنطن كانت تريد تسبيب ضائقة اقتصادية للخرطوم، ولكن لأي غرض ؟ مع بداية تسعينيات القرن الماضي، كانت حكومة السودان تعبث مع جماعات إسلامية متشددة، لكن هذه الممارسات انتهت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ففي نص آخر تقارير الإدارة الأمريكية عن العقوبات والإرهاب، ورد: “خلال السنوات الأخيرة استمرت حكومة السودان في دعم عمليات مكافحة الإرهاب لمواجهة التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية”.
الشكوى الرئيسية لواشنطن حالياً هي العلاقات بين السودان وكل من إيران وحماس، لكن حكومة الخرطوم اليوم أقرب ما يكون لحلفاء أمريكا في الشرق الأوسط- مصر،المملكة العربية السعودية، وبقية دول الخليج- في ليبيا دعمت حكومة السودان القوات المدعومة من الغرب ضد الإسلاميين.
العقوبات الاقتصادية استخدمت أيضاً للضغط على الحكومة بسبب مواقفها في الحرب العرقية طويلة الأمد، وتم التوصل إلي اتفاق سلام في نهاية المطاف، والذي أدي فيما بعد إلى تشكيل حكومة الجنوب، (تتناقل الأخبار هذه الأيام أخبار الحرب الأهلية في دولة الجنوب الجديدة). كما نشب تمرد منفصل في غرب السودان، حول دارفور، ابتداء من عام (2003)، مما عقّد الأوضاع وأدى إلي توجيه الاتهامات للرئيس السوداني”عمر البشير” من قبل المحكمة الجنائية الدولية.ولكن الصراع في دارفور هدأ الأن.
لازالت هنالك بعض الحروب على طول الحدود الجنوبية للسودان، خاصة محافظات النيل الأزرق وجنوب كردفان، شاملة منطقة جبال النوبة، ربما تكون الأوضاع نكراء ؛ ولكن حجم القتال أقل ما يكون على أرض الواقع ،وتكاد مثل هذه الصراعات أن تكون عادية في دول العالم الثالث.
ليس هنالك سبب واضح لمعاقبة السودان دون غيره من الدول التي تعاني من النزاعات.
لماذا تستمر العقوبات على السودان؟، تذمر أحد رجال الأعمال السودانيين قائلا:( قلتم العقوبات لتحرير جنوب السودان، وقد فعلنا ذلك، ما الذي يلزمنا فعله بعد لكي تلغوا العقوبات؟).
هل هنالك أسباب أخرى للإبقاء على العقوبات؟ ربما تكون السياسة السودانية استبدادية، ولكنها لم تزعج واشنطن التي تدعم وتسلح بعض البلدان المجاورة ، والتي يمارس القمع فيها بصورة أكبر، وصف السودان بـ “الدولة التي تثير قلقاً خاصاً” ، من قبل اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية،رغم أن مشاكل الاضطهاد موجودة بصورة أسوأ في بعض حلفاء الولايات المتحدة مثل باكستان.الدول الأخرى، التي لا تزال تحت العقوبات ، هي “كوريا الشمالية” و”إيران” وذلك بسبب الأنشطة النووية. لعل من المثير للسخرية أن العقوبات الأمريكية صعّبت مسألة الحوار حول الحريات الدينية والسياسية.
من أكثر الآثار الضارة للعقوبات أنها شجعت حكومة الخرطوم على البحث عن صداقات أخرى، وزير الدولة “يحي حسن بابكر” قال: (لقد بدأنا باستيراد معظم معداتنا الثقيلة من الصين)،صار من المعتاد مشاهدة الصينيين في الخرطوم، بل إن المطاعم والفنادق هناك تعرض الأطباق الصينية، ففي الشارع المقابل هنالك مطعم”باندا” الصيني، الخرطوم تستحق النقد المستمر، لكن العقوبات لم تعد تخدم المصالح الأمريكية،على واشنطن أن ترفع العقوبات الاقتصادية عن السودان.