"أنس عمر".. هذا الفارس!!
{ في النصف الأول من تسعينيات القرن المنصرم، كان “أنس عمر” الطالب بجامعة أم درمان الأهلية، النجم الأول بالجامعة رغم انتمائه لتنظيم (الإسلاميين) في وسط طلابي كان غالبه خاصة الطالبات، مضاداً لحكم (الكيزان) المتطرف الذي يحرك الجيوش للجهاد والموت في جنوب السودان، ويأمر البنات بالحجاب بالقوة مستخدماً شرطة النظام العام الباطشة في زمن العقيد- الفريق أول حالياً- “هاشم عثمان”.
{ هكذا كانت الصورة المرسومة عن (تنظيم أنس عمر) في أذهان (الحناكيش) أو هكذا كان يوصف منسوبو (الأهلية) و(الأحفاد )، لدرجة تأليف النكات حولهم، قبل أن يعرف الناس الدكتور “مأمون حميدة” وجامعته!!
{ ورغم الطقس العام المعادي لـ(الكيزان) الأفظاظ حملة (السيخ)، فإن الطالب جهور الصوت “أنس” كان يجذب المئات من (الحناكيش) لركن نقاش حركة الإسلاميين الوطنيين، الجناح الطلابي للحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني، فالفتى كان مصادماً وشجاعاً وساخراً لاذعاً. وكان مناديب (الجبهة الديمقراطية)، الفرع الطلابي للحزب الشيوعي السوداني، وأحزاب الأمة القومي، الاتحاديين، البعثيين، الناصريين وتنظيمات المحايدين وغيرها، يقفون في (الركن) عاجزين عن الرد على “أنس” صاحب (اللسان السليط) الذي رغم مساجلاته الساخنة معهم، كان الأكثر تواصلاً وتسامحاً في علاقاته مع طلاب (المعارضة) دون غيره من إخوانه المتشددين في التنظيم.
{ بعد أن تخرج ابن “المناقل”، توقعت أن يستوعبه الحزب في أمانته السياسية المركزية، لكنه أهمل لسنوات إلى أن التحق بجهاز الأمن ضابطاً، رغم أن طبيعته (سياسية جماهيرية) وليست (أمنية مغلقة).
{
قلت لأحد كبار قادة (المؤتمر الوطني) قبل سنوات إن شاباً مفوهاً مثل “أنس عمر” مارس السياسة في جامعة كانت تفور بتنظيمات (اليسار) أكثر من جامعة الخرطوم، كان يفترض أن يكون (الأمين السياسي) للحزب أو على الأقل (أمين التعبئة السياسية) وليس حبيساً في قوات الطوارئ بجهاز الأمن، على أهمية الدور الذي تقوم به هذه القوات، ولكن قدرات الرجل أكبر من (رتبته)!!
{ وقد أثبتت الأيام ما ذهبت إليه، فها هو الآن (والياً) على ولاية شرق دارفور برتبة “عقيد أمن” ومدير أمن الولاية برتبة “عميد” ولا شك أن قائدي المنطقة العسكرية وشرطة الولاية برتبة (اللواء)!! لكن حاله يشبه حال الشهيد العقيد “إبراهيم شمس الدين”، كان أقل القادة (رتبة) وأرفعهم قدرة على القيادة وتجييش الكتائب والألوية و(الرمي لقدام)!
{ آخر مرة التقيته قبل أكثر من أربع سنوات، كنت برفقة الأستاذ الكبير “أحمد البلال الطيب” في رحلة قادها النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية الأستاذ “علي عثمان محمد طه” إلى منطقة “فلوج” حيث حقل بترول شركة “عدارييل”، وفي مقرها كانت مفاوضات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الجنوب، ورأس وفدها يومذاك الدكتور “رياك مشار” حول الترتيبات النهائية لتأمين البترول قبيل انفصال الجنوب، بحضور قادة عسكريين من الطرفين.
{ بعد الاجتماع الأول، اصطحبنا “أنس”- الأستاذ “أحمد البلال” وشخصي- وكان أحد ضباط تأمين البترول بالحقل، لأخذ قسط من الراحة في غرفته الخشبية الصغيرة، وأيضاً كنت أرى أن هذا الشاب إمكانياته أكبر من تأمين مقر شركة بترول.
{ تذكرت هذا الشريط الطويل والفتى الأسمر متحدثاً في (ركن نقاش) في إحدى زياراتي للجامعة الأهلية، قبل أكثر من (عشرين عاماً)، وأنا أتابع نهار أمس الحلقة الثانية من برنامج (في الواجهة) الذي قدمه “البلال” من قلب الأحداث من قرى وفرقان ولاية شرق دارفور بمشاركة والي الولاية العقيد “أنس عمر”.
{
لقد قدم الأستاذ “أحمد البلال” عملاً إعلامياً ووطنياً متميزاً وغير مسبوق مجتهداً ومحاوراً عامة الناس من بسطاء دارفور (بالصورة والصوت) لصالح (تلفزيون السودان)، وفيه عكس حال عودة الأمن والاستقرار والمصالحة بين أهلنا في قبيلتي (الرزيقات) و(المعاليا)، محمية بـ(قوات الردع) لكل متفلت ومخرب وقاطع طريق.. واسمحوا لي أن أسميها (قوات الردع) رغم أن أهلها سموها (القوات العازلة) بين القبيلتين، لأن (العزل) يكون بين قوات بلدين، بين الأجانب، وليس بين مواطني ولاية واحدة وبلد واحد يفترض أن يتعايشوا بسلام بل ويتصاهروا، ويتبادلوا المنافع كما كان العهد بهم منذ عقود.
{ ما فعله “أنس عمر” في شرق دارفور يؤجر عليه عند الله تعالى قبل الرئيس والحكومة والمؤتمر الوطني وجهاز الأمن، لأنه حقن دماء الآلاف من أبناء القبيلتين اللتين ذهب منهما المئات ضحايا مبكياً عليهم في قضايا لا تساوي دم شاة!!
{ إنه مولد زعيم سياسي وقائد أمني، ويبدو أن سنوات الخدمة بجهاز الأمن قد صقلت السياسي الشاب “أنس” وجوّدت قدراته الإدارية، فها هو الآن بعمله يشرّف كل شباب السودان قبل أن يشرّف جهاز الأمن والمخابرات.
{ التحية للوالي الفارس “أنس عمر” وسبقه في بيته فرسان مثل اللواء “دخري الزمان”.. والتحية والتهنئة الحارة للأستاذ المثابر رغم تطاول سنوات الخبرة “أحمد البلال الطيب” على هذا العمل الإعلامي العظيم، نقولها ويستحقها رغم أنه في وسطنا هذا لا يهنأ الناجحون.. ولا يشكر الفاضلون.. ولا يكافأ السباقون.. بل يحسدون وتبخس أعمالهم وتنسب (للحظ) لا لعرقهم وكدهم!! ثم يشتمون في بوستات المحبطين والفاشلين من سكان (النت)!!
{
“أنس”.. أنت في نظري (الأول) حالياً.. بلا طرق ولا كبارٍ ولا مستشفيات.. فكل الدولة قبلك عجزت لسنوات عن وقف شلالات الدماء.. وفقك الله.