امين بناني نيو، القيادي الاسلامي،مؤسس حزب العدالة القومى في بوح استثنائي للمجهر
*”علي عثمان” دفع ثمن رؤيته لبناء حزب خلف الأسوار
*طردت مرتين بسبب الفساد ، مرة من البرلمان، ومرة من الوزارة!
* الفجوة كبيرة بين ما كنا نطمح إليه وبين ما نقبع فيه الآن!
* الإخفاقات التي أزمت تجربتنا كإسلاميين ، أصابتني بشيء من الإحباط
حوار ـ هبة محمود
لم يعد بذات الهمة والعزيمة السياسيتين المعهودتين فيه، مدافعاً عن الحق منافحاً عنه. إذ يبدو وكأن حالة من الإحباط السياسي تعتريه، فالسياسة لم تعد فاتنته التي عشقها منذ الصغر، وأفنى سنوات عمره في دروبها الوعرة والشائكة، مدفوعا بإسلاميته الخالصة ومشروعه الإسلامي الكبير لإرساء دولة إسلامية عريضة.
لقد بدا لي “أمين بناني” ذلك القيادي الإسلامي المعروف، للحظات وهو يجلس في مكتبه المتواضع ،والذي قد لا يتناسب مع قامة رجل ملأ الدنيا يوماً وشغل الناس، حينا من الوقت. لقد بدا لي وكأنه حين يسترجع تاريخ الإسلاميين في السودان يقلب كفيه حسرة على ما ضاع منهم، وهو يلهبهم بسياط نقده اللاذع ،بعد أن تغلبت عليهم روح السلطة وخطفت أبصارهم أضواء الشهرة ،بحد وصفه، ونحن نقلب معه الأوراق القديمة نسترجع معه نقاط البداية ومآلات الانشقاقات ،التي تصدعت بها جدران حزب المؤتمر الوطني ،وتشظى عبرها تنظيم الحركة الاسلامية ، وتفرق الإسلاميون بين الاحزاب والتنظيمات المختلفة.
{ يبدو أن حالة من الإحباط تعتريك.. هل قلت شهيتك للعمل السياسي؟
– لقد بدأت صلتي بالعمل السياسي تضعف شيئاً فشيئاً، لم تعد شهيتي للعمل السياسي بالقدر الذي كان.
{ لماذا؟
– بحكم أن العمل السياسي ما عاد يستهويني كما كان في السابق، العمل السياسي كان بالنسبة لي جزء من الدين، فيه أشواق تتجاوز مجرد طموح شخص يريد أن يعمل، ويتولى الوظيفة العامة، لقد كانت السياسة مشروعا إسلاميا ضخما، لكن الإخفاقات التي أزمت تجربتنا كإسلاميين ،ربما أصابتني بشيء من الإحباط ،وجعلت اهتمامي بالعمل السياسي ليس بذات القوة، ولا بذاك الدفع القديم، وكذلك ربما يكون للعمر الذي بدأ يتقدم بنا شيئاً فشيئاً أثره على ذلك.
{ إخفاقات مثل ماذا؟
– يعني، نحن منذ الصغر كنا نتحدث عن مشروع كبير لتغيير السودان نحو الأفضل، وهذا التغيير أهم عناوينه الإسلامية هي الحريات والعدالة والطهارة والتسامح في المجتمع وبناء دولة أنموذج إسلامي وطني حديث، فأخفقنا في هذا الجانب وعندما أنظر إلى واقعنا الذي نعيشه اليوم، أجد أن الفجوة كبيرة بين ما كنا نطمح إليه وبين ما نقبع فيه الآن، وبين المثال الكبير للإسلام في الدولة الراشدة الأولى، وبين أنموذج الدولة القائمة الآن، أنا حقيقة أصبحت مصاباً بشيء من الإحباط.
{ هل هذا قنوط؟
– ليس هذا قنوطاً من رحمة الله، أنا ما زلت أبادر بإبداء آرائي في مختلف المجالات من خلال هذا المنبر الذي أسسته (حزب العدالة القومي) حتى لا أنسحب من الحياة العامة والحياة السياسية.
{ أنتم الإسلاميون سبب هذه الأزمات والإخفاقات التي تتحدث عنها.. وربما كنت أنت أحد الأسباب ،لأنك عجزت عن إيصال صوتك والدفاع عن فكرتك؟
– المسألة ليست تقييماً شخصياً في هذه الإخفاقات، أنا أقول تجربتنا بصورة عامة كإسلاميين، وتجربتنا بصورة عامة كقوة وطنية سودانية لم تكن بالقدر الذي نطمح إليه، أنا أعتقد أننا الآن أدخلنا الأجيال التي من بعدنا وجيلكم في محنة، يعني حتى معالم الطريقة التي ورثناها من الآباء المؤسسين للدولة السودانية، كادت أن تنطمس، ولذلك عندما أنظر إلى هذا الجانب أصاب بقدر من الإحباط واليأس.
{ نادم؟!
– أنا لست نادماً على أي شيء، بل أنا أذكر الماضي السياسي والدعوى بقدر كبير جداً من الفخر واسأل الله أن يتقبل منا.
{ كثيراً ما كنت تتحدث عن الفساد وتطالب بالكشف عنه.. والآن صارت هناك مفوضية للكشف عن مواطنه؟
– أنا طردوني مرتين بسبب الفساد من البرلمان ومن الوزارة، ومع ذلك لم أغضب ولم أذهب لأحمل السلاح.
{ وأنت تتحدث عن الفساد.. هل كنت تمتلك ملفات؟
– كنت أتحدث من موقعي في البرلمان بالمستندات والملفات ومن موقعي في الوزارة، والمجتمع كان يتجاوب معنا فكان يملكّنا مستندات رهيبة.
{ لماذا لم تحاول إبراز هذه المستندات حين لم يعيروك اهتماماً؟
– أبرزها لمن؟!.
{ للرأي العام.. عبر الإعلام مثلاً؟
– الفساد لديه محاور ومرتبط بمؤسسات وفي غالبه مرتبط بمراكز قوى داخل النظام، فلا يمكن أن نعالجه من خلال الإعلام، أنا أعتقد أن الإعلام أيضاً سبب في الفساد، فهو لديه جرائده وكتّابه وصحفيوه!.
{ هذا لا ينفي وجود إعلام نزيه؟
– لا لا، بالتأكيد يوجد إعلام نزيه وصحفيون نزيهون، وتوجد صحافة لعبت دوراً كبيراً في الحديث عن الفساد وكشفه، وأنا شخصياً مدين للصحافة السودانية لوقوفها معي في تلك المرحلة الأولى واستمرارها معي خلال السنوات الماضية واستنطاقي حول عديد من القضايا، ولولا الصحافة أنا نفسي لما استطعت أن أطل للمجتمع بأفكار وآراء تتعلق بإصلاح نظام الحكم أو المجتمع.
{ شيخ “علي عثمان” في قولته الشهيرة (ليس ذلك حزباً محترماً الذي يرميه أبناؤه والمتنفذون من خلف الأسوار).. كأنما يعني أنك لا تملك مستندات وتبهت الحزب لذلك فصلوك؟
– ليس صحيحاً.. هو في ذلك اليوم شتمني لمجرد أن أبديت رأيي في حزب المؤتمر الوطني، فشيخ “علي” كان يريد أن يبني سوراً وسياجاً لهذا الحزب يعزله عن الشعب ويقفله في داخله التيار الإسلامي ويتحكم فيه، أنا كنت أرفض ذلك، وكنت أدعو لحزب جماهيري عريض منفتح تجاه الجماهير يكون الخطاب فيه مفتوحاً، أدعو فيه للحريات والنزاهة والعدالة، ودعوت الأخ الرئيس في تصريحاتي التي سبقت إقالتي أن ينفتح تجاه الشعب السوداني كله بكل تياراته، ولذلك هم رأوا أن في كلامي هذا خطراً واعتبروا أنني أريد أن أتنفذ وأن أتولى منصباً تنفيذياً باسم الحزب، أنا كنت اعتبر نفسي وزير العدل لكل السودانيين والعدل لكل الناس، أنا لم أرد أنا أتنفذ على الشعب من خلال حزب ولا أريد حزب أن يتنفذ على الشعب، كنت أريد حزباً لكل الشعب، أريد الوزارة أن تكون لكل المواطنين، فالرجل غفر الله له وهو أخونا الأكبر وأنا أكن له كل الاحترام، فقد اخطأ ووقع في حفرة النفوذ، وهو بعد سنوات وجد نفسه معزولاً وحملوه كل أخطاء الماضي.. أنا لا أريد أن أتشفى كنت أريد الحزب بدون أسوار، وأعتقد أن “علي عثمان” دفع ثمن رؤيته لبناء حزب خلف الأسوار.
{ الآن كل ما ناديت به سابقاً ينادي به الرئيس.. أليس هذا من شأنه أن يدخل في نفسك السرور؟
– مرحب بحديث الرئيس الأخير، أعتقد أنه اهتدى إلى الحق بعد حين، ولذلك أنا أكثر انفتاحاً وأكثر انبساطاً، ولكن كما قلت لك خلال السنوات الماضية تراجع أدائي السياسي.
{ لقد كنت جزءاً من صراع مذكرة العشرة وأحد المؤيدين لها ولخروج الترابي.. وأتيت بعدها أنت وخرجت؟
– مذكرة العشرة هي عنوان لصراع سياسي، تطور مستقبلاً إلى صراع أشمل بداخل مؤسسات الدولة وفي داخل الجماعة المسلمة أفضى إلى الانشقاق، أنا كنت جزءاً من هذا الصراع، وقد انحزت للطائفة التي ترى أهمية بقاء الدولة واستمرارها، لكن أنا نفسي عندما أحسست أن مسألة الانشقاق لم تعالج الأزمة ولم تحدث إصلاحات في نظام الحكم ارتفع صوتي بالتغيير ولم أبق طويلاً في صف السلطة ولا في صف المعارضة، أنا عبرت عن نفسي بحزب العدالة.
{ وعندما أسستم أنت والراحل “مكي بلايل” هذا الحزب أيضاً انشققتما؟
– كان دافع الانشقاق ربما ، تباينات في رؤيتنا لمعالجة بعض القضايا السياسية الموجودة في البلد، وطبعاً هناك عوامل أخرى لا أستطيع التحدث عنها، ولكن بقيت فكرة العدالة نفسها كفكرة تسري في المجتمع، وهي بالفعل سرت لأننا عندما أسسنا هذا الحزب لم يكن هناك من كان يتحدث عن العدالة، وأنا ما زلت أرى أن العدالة هي قاعدة فكرية وروحية للعمل السياسي، وهي قيمة يجب أن يتأسس عليها المجتمع وتتأسس عليها الحياة وتتأسس عليها الفكرة السياسية.
{ المتتبع لحركتكم كإسلاميين منذ قيام ثورة الإنقاذ وحتى الآن يجد أن الانشقاق ديدنكم.. تتحدثون عن شعارات وتأتون بأفعال منافية.. وما حدث في حزبكم (العدالة) يعضد ما أقوله.. أنتم أول من ناديتم بالعدالة عقب المفاصلة وخرجتم.. ثم انشققتم ألا يدل هذا على أنكم – أي الإسلاميين – أنفسكم تنادون بشعارات فقط؟
– الانشقاق وارد هذه سنة الحياة، وبعدين هذه الأشياء هي أمراض مثلما الإنسان يصاب بمرض عضوي، كذلك في الحياة السياسية وغيرها هذه الأمراض تصيب الناس، لكن الإنسان يجب أن لا يركن إليها ونحن كإسلاميين أصابتنا أمراض السلطة وأمراض شهوة المال والانتماء إلى هويات أصغر كالقبيلة وخلافه، كل هذه أمراض لا نبريء أنفسنا منها، ولكن لا يعني هذا أننا نسير في الاتجاه الخطأ دائماً، أنا ما زلت أفخر دائماً أنني لست متعصباً إلى إقليم لا قبيلة ولا كدا، بل أنا فخور بأني كنت وفياً جداً للشعارات الإسلامية الأصولية وخاصة فكرة الطهارة ومحاربة الفساد على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع، ومتمسك جداً بقضية الحريات وبقضية محاربة العنصريات والجهويات وخلافه.
{ دائماً ما تجذبون الناس بشعاراتكم الرنانة إلى أن وصل بالناس حداً أصبحوا لا يعيرونها اهتماماً.. تركوها؟
– هذه الشعارات حتى الإسلاميين تركوها لفظاً، كل هذه كانت شعارات (ديماجوجية) ونعترف بأنها لم تكن شعائر نحن أصلاً دخلنا العمل السياسي باعتباره عبادة وسقنا مشروعنا على هذا الأساس، لكن العبادات تحولت إلى شيء مختلف .ويجب أن نعترف بهذا، ولكن قاعدة الإسلاميين على مستوى القواعد هم من أفضل الناس في المجتمع، ولا يمكن أن نحكم عليهم بأخطاء شرائح معينة تولت السلطة وأثرت، ونحاكمهم بها، أنا أعتقد أن الصراع والانشقاقات التي تمت كانت على مستوى القيادات، وما زالت القواعد الإسلامية بخير، كذلك المجتمع السوداني قدم للإسلاميين الكثير، ودعم التجربة بشكل غير عادي، والتجربة الإسلامية ربما لم تكافئ هذا المجتمع، بل قد تكون أساءت إليه ولكن مع ذلك صبر الناس الطويل ورغبتهم في التغيير بالطرق السلمية وإدراكهم للمخاطر التي تقع على السودان، حتى في حالة سقوط هذا الحكم، هي التي جعلت المجتمع يصبر أكثر فأكثر، وأنا أعتقد أن الصحوة الحالية التي يعيشها الإسلاميون ويعيشها السودانيون بالحوار كفيلة أن تتجاوز بالسودان المرحلة الحرجة الحالية.
{ هل تعتقد أن الحوار يمكن أن يجدي؟
– بالتأكيد وأعتقد أنه سيؤتي أكله، الواحد لو نظر لما يجري في العالم العربي والإسلامي من حولنا وكل سوداني ينظر إلى هذا الواقع الذي من حولنا سيدرك تماماً أنه لا سبيل من غير الحوار إلى تلافي الوقوع فيما وقعت فيه المجتمعات من حولنا. نحن الآن كلما نظرنا للواقع الإقليمي والدولي، كلما خفنا أكثر. وهذا الخوف لا يمكن معالجته إلا من خلال جلوس السودانيين بعضهم إلى بعض لحماية البلاد، وأعتقد أن هذه الروح التي أسمعها الآن من الأخ الرئيس للتأكيد على الحوار والتأكيد على محاربة الفساد وإصلاح أجهزة الدولة وخلافها ما هي إلا عملية نابعة من إدراكهم لفشلهم من جهة، وللمخاطر التي يمكن أن تقع على البلاد من جهة ثانية، ولذلك نحن نريد أن نتجاوب عبر الحوار مع هذه الروح السائدة داخل هذا النظام.
{ كيف تنظر إلى موافقة “د. الترابي” على الحوار.. هل ترى أنه يريد إصلاح البلاد أم يسعى لاسترجاع سلطته التي فقدها؟
– لا أعتقد ذلك ولكن الإحساس بالخطر الواقع على البلد والإيمان بأن استخدام العنف في التغيير ليس هو الوسيلة المناسبة، هذا الأمر هو الذي يجعل “الترابي” وغير “الترابي” يركن لعملية الحوار، وهي أيضاً التي تجعل السلطة تركن لعملية الحوار، لأنها لا يمكن أن تحكم الناس بقوة الحديد والنار ،وهي في كل يوم تفشل، أعتقد الآن أن هنالك قناعة واسعة حتى عند الأطراف التي لا تريد حواراً، بل أنا أعتقد أنه بالنسبة للحالة السودانية، فالمجتمع الإقليمي والدولي حريص على إجراء حوار في السودان لان بلدا مثل السودان إذا ثارت فيه الأوضاع على نحو ما نشهده في “مصر” أو في “سوريا” وغيرهما من دول الربيع العربي، ربما تكون الآثار السالبة على الاستراتيجيات الدولية نفسها أكبر، السودان بلد مهم جداً والاستقرار فيه مهم جداً لإدارة ملفات في مناطق كثيرة من العالم ،وهذا هو الأساس، الملف السوداني مثله مثل الملفات الأخرى التي تدار الآن من الخارج مهم جداً بالنسبة لهذه القوة الإقليمية والدولية، وأرى أنهم يتجاوبون معنا بقدر كبير من الجدية. وهم في نهاية المطاف سيتعاونون معنا للوصول إلى تسوية يمكن أن تحفظ للسودان وحدته ووجوده ،إن لم يكن على المستوى البعيد ،على الأقل على المستوى المتوسط.
{ عن أي وحدة تتحدث في ظل كثرة الحركات المسلحة وانشقاقات الأحزاب وأهم شيء انفصال الجنوب، وعودة الجنوبيين بأعداد كبيرة؟
– وهذه هي أحد أهم عوامل إنجاح الحوار بالنسبة لنا ولغيرنا، فهذا التشظي الشديد في الساحة السودانية والضعف الشديد في النسيج الاجتماعي في السودان وفشل تجربة الانفصال في الجنوب، بالإضافة إلى الاضطراب الشديد للواقع من حولنا تجعلنا نحن ،وتجعل بعض العقلاء في الغرب يميلون إلى إحداث نوع من الاستقرار في السودان، هذا البلد ذو الإمكانات الضخمة إذا انفجرت الأوضاع في السودان على نحو ما نشهده في المناطق الأخرى ربما يكون الزلزال كبيراً ،وربما تتأثر به أفريقيا كلها وتصبح السيطرة على الأمور صعبة ،حتى على أصحاب المصالح الكبيرة.
{ إذا تحدثنا عن فشل تجربة انفصال الجنوب.. ما هي معاييرك لهذا الفشل؟
– الجنوب ليس فيه مجتمع مدني، فمن الصعب أن تبني فيه دولة بين يوم وليلة، هو عبارة عن مجموعات قبلية مسلحة وقبائل متناحرة في غياب مقومات الدولة الأساسية، وهي وجود بنية تحتية وطرق ومواصلات وخلافه وغياب مؤسسات أساسية كالصحة والتعليم والفقر في الموارد، لأن البترول ليس مورداً ضخماً لبلد ولدولة جديدة، الجنوبيون انفصلوا على وعود أن تأتيهم خيرات الدنيا، كل هذه الأشياء أدت أيضاً إلى إحباط كبير جداً للساسة الجنوبيين، إذا أضفنا إلى ذلك الصراع الفطري بين المجموعات المختلفة حول السلطة وبريق السلطة هذا أدى إلى الانفجار الشديد في الجنوب عموماً، فالجنوب لم يعد إعداداً جيداً ليحكم نفسه فهو كان يحتاج لسنوات طويلة حتى يكون نفسه.
{ هناك من يرى أن كل الأنظمة العسكرية التي حكمت السودان كانت على استعداد لأن تعطي الجنوب حق تقرير المصير وينفصل، إن أراد ذلك.. والرئيس قال عقب انفصال الجنوب إن الجنوب كان عبئاً على الشمال؟
– انفصال الجنوب نفسه ليس فكرة قديمة .صحيح بعض الناس يقولون إن السودانيين نادوا بالانفصال منذ سنوات، لكن الحركات المسلحة التي قادت الحرب بين الشمال والجنوب لم تتبن قضية الانفصال فقط وآخرها “جون قرنق” ،الذي كان يطمع في حكم السودان ككل وتغييره ككل من هوية إلى هوية أخرى ،ومن نظام إسلامي إلى نظام علماني، ففكرة بناء الدولة الجنوبية هي فكرة ليست عميقة والإيمان بالانفصال في نفوس الجنوبيين لم يكن عميقاً بأي حال من الأحوال، يعني مسألة أخذ الشعب الجنوبي بالتصويت بنسبة 99% للانفصال كان بتأثير الساسة والسلطة والتأثير الإعلامي، لكن المواطن الجنوبي العادي لم يكن ميالاً لهذا الانفصال، ولذلك بدأوا يعودون إلى الشمال قبل حتى اندلاع الحرب، لأنهم يعلمون أن لا دولة هنالك.