رأي

المشهد السياسي

الصين في عيد نصرها السبعين
موسى يعقوب


وافى الأسبوع الماضي احتفاء جمهورية الصين الشعبية بمرور سبعين عاماً على نصرها على (الفاشية) وما تبعها من حملات قصد بها فرض العزلة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً على الصين، الحال الذي تجاوزته تماماً الآن وصارت أحد الـ(5+1) في مجلس الأمن الدولي ولها اقتصادها وعلاقاتها المتميزان منذ مؤتمر (باندونق) في 1953 ثم عبورها (طريق الحرير الجديد) إلى العالم العربي والأفريقي.
العاصمة الصينية شهدت توافد الكثير من رؤساء دول العالم الثالث وغيرهم في إشارة إلى أن ما قيل بعد انهيار المعسكر الشرقي من أن العالم صارت تتحكم فيه قطبية واحدة هي القطبية هي (القطبية الأمريكية)، يشهد الآن قطبية لها دورها وفاعليتها وهي جمهورية الصين الشعبية.
لقد كان الاحتفاء بالعيد السبعين لنصر الصين على الفاشية في الحرب العالمية الثانية وما تبعها من أشكال الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية، رسالة إلى الآخرين وهي الدول التي قادت تلك الحرب بأن ميزان القوة آخذ بالتغيير. ولنضرب مثلاً واحداً لذلك هو جمهورية السودان التي كانت علاقتها بالصين قد بدأت قبل (56) عاماً عندما بدأت العلاقة الدبلوماسية والصين يومئذٍ في حالة عزلة.
وكما هو معلوم فإن السودان نفسه عبر هذه المدة نصف القرنية وزيادة كانت قد مر في سنوات ما بعد إعلان الشريعة الإسلامية في 1983 بعقوبات ومقاطعات اقتصادية ودبلوماسية مارستها الولايات المتحدة الأمريكية وما تزال.
ففي 1984 وكانت شركة (شيفرون) الأمريكية تعمل لاستخراج النفظ بعقد خاص في حقل الوحدة أغلقت ما أنجزت من آبار بعد الاحتفاء بزجاجة واحدة وغادرت البلاد.. إلى غير عودة.. وذلك ما جعل ثورة الإنقاذ الوطني تفكر عند وصولها السلطة وفي أول تسعينيات القرن الماضي، في الاتجاه بعلاقاتها شرقاً أي صوب الصين والهند وماليزيا وغيرها لتعويض الفارق في صناعة النفط.. وقد نجحت تلك التجربة وقادت إلى أشكال سياسية ودبلوماسية ودفاعية وغيرها.. فلم يعد السودان معزولاً أو أسيراً للمقاطعة والعقوبات الأمريكية والأوروبية التي أخذت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر – أيلول 2001 تعد الحرب على الإرهابTerrorism  الذي جرَّ إلى ما بعد ذلك من تعويق لوسائط النقل البري والجوي والمعاملات البنكية …الخ..
الأسبوع الماضي وفي مناسبة وإطار احتفاء جمهورية الصين الشعبية بنصرها على (الفاشية) قبل سبعين عاماً، كانت زيارة الرئيس السوداني “البشير” ووفده الكبير إلى الصين لتصل العلاقة التي عمرها (56) عاماً مع السودان إلى مستوى أرفع وأكبر أي علاقة (إستراتيجية) وخاصة بين البلدين، فالمتابع والراصد إلى ما تم في تلك الزيارة من مشاريع عمل وتفاهمات يجد أن الصين قد دعمت السودان بما يجب وزيادة.. لا سيما وأن جمهورية الصين اليوم غيرها بالأمس.. فهي الآن قطب دولي له وزنه واعتباره.
وبالتالي فإن جمهورية السودان تكون قد كسبت الكثير بل عبرت مشكلاتها وأزماتها المحلية والدولية تقريباً. ذلك أن فرص الحصار على مطلوبات قطاع النقل (الجوي والبري) مثلاً قد أنهاها تقريباً اتفاق (طائرتي أير بص – وقطارين) وأكثر من ذلك تأكيد الطرفين – الرئيس الصيني والرئيس السوداني على خصوصية وديمومة العلاقة بينهما ودعمها بكل المطلوب اقتصادياً ودبلوماسياً وسياسياً وغير ذلك.
والإشارة بعد ذلك كله إلى أن القطب الأمريكي قطَّب جبينه أو أظهر عدم رضاه عن زيارة الرئيس “البشير” إلى الصين لأكثر من سبب:
الأول: إن الاحتفاء بالنصر على الفاشية مناسبة لا تسر القطب الأمريكي.
الثاني: مخرجات الزيارة ونتائجها هي الأخرى ليست في صالح سياسات القطب الأمريكي في السودان وغير السودان.
هذا كله صحيح وعين الحقيقة إلا أن القطب الأمريكي كان يتعين عليه أن يساير المتغيرات ويبدأـ في تصحيح وإعادة ترتيب علاقاته الخارجية.. وهو الذي يعلم أن جمهورية الصين الشعبية قد خرجت إلى العالم بإمكانات وقدرات وسياسات تجد قبولاً في المنظمة الدولية بل تفرض نفسها. فخروج الصين من العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليها لأن تصبح أحد أعضاء (5+1) المؤثرة على قرارات مجلس الأمن الدولي بحق النقض (الفيتو) الذي سبق أن انفرد به تحالف الحرب الكونية الثانية لفترة طويلة واختلفت الصورة الآن..!
إن العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تقول بأن الميزان في ذلك يرجح لصالح الصين التي غمرت السوق الأمريكي بمنتجاتها.. وهذا أمر طبيعي لا سيما بعد ظهور الأزمة الاقتصادية الدولية التي تأثرت بها أمريكا وأوروبا أكثر من غيرهما.
السودان بعلاقته التاريخية والإستراتيجية الجديدة مع الصين دخل في مرحلة جديدة تدفع به إلى الأمام إن شاء الله.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية