حوارات

المهندس "خالد علي خالد" مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم لـ(المجهر)

زيادة التعرفة ستعالج مشاكل الهيئة فقط.. وبيئتنا في العمل متدنية والأثاثات قديمة
التحصيل الالكتروني أفقدنا أكثر من مليار جنيه خلال شهر
الشبكات القديمة تتسبب في إهدار حوالي (30%) من المياه المنتجة و(83) مليار جنيه لإحلالها
من المستحيل وجود قطوعات كلية بأي حي.. وهذا ما نفعله إذا حدث شح كامل
حوار – نجدة بشارة
شهدت ولاية الخرطوم خلال الفترة الماضية صيفاً قاسياً على خلفية المعاناة التي أوجدتها ندرة مياه الشرب بعدد من أنحاء الولاية، أدخلت معها المسؤولين بالدولة في امتحان حقيقي حتى تصدرت قضية المياه قائمة المهام لوالي الخرطوم عقب توليه لمنصبه، ورغم الجهود التي بذلتها حكومة الولاية إلا أن الأزمة مازالت تراوح مكانها ببعض أحياء الولاية.
وللوقوف على أبعاد المشكلة (المجهر) جلست إلى مدير الهيئة، وللشهادة فإنه كان دقيقاً في مواعيده بخلاف بعض المسؤولين بالدولة، وتحدث إلينا بشفافية مطلقة عن جذور الأزمة وإمكانية حلها، ويرى أن السبب الرئيسي لندرة المياه تكمن في الإسراف وعدم ترشيد الاستهلاك من قبل المواطنين، بالإضافة إلى الشبكات القديمة التي تساهم في إهدار جزء من المياه داخل باطن الأرض وقبل أن ترى النور.. أعتقد مهندس “خالد” أن العجز في إيرادات الهيئة أقعد الهيئة عن التنمية وأنهم يحتاجون إلى مبالغ طائلة لتوفير إمداد مستقر بلا أزمات أو قطوعات فإلى الحوار..
{ شهدت الولاية الفترة السابقة أزمة مياه حادة ومازالت تعاني منها بعض الأحياء.. بما تفسر ذلك؟
_ الأزمة أزمة استهلاك.. الاستهلاك الزائد في فصل الصيف، بالإضافة إلى تذبذب التيار الكهربائي أثر في المحطات والآبار بالإضافة إلى المشاكل الفردية، مثل الكسورات في بعض الأحياء، أيضاً أشجار (الدمس) حيث كانت تقوم بقفل الشبكات بصورة كاملة.
{ كم تبلغ الطاقة الإنتاجية والاستهلاك بالولاية؟
_ ما في إنتاج، لأن المنتج كله مستهلك والحاجة الفعلية لتغطية استهلاك الولاية تقدر بحوالي (2) مليون متر مكعب يومياً والمنتج حالياً حوالي (1500) متر مكعب يومياً يعني أن هناك عجزاً بحوالي (500) متر مكعب يومياً.
{ ما تقديركم لاستهلاك الفرد يومياً؟
_ نقدر (150) لتر يومياً هو متوسط استهلاك الفرد، وفي خطتنا رفع استهلاك الفرد إلى (250) لتر يومياً، كما أننا نواجه إشكالية أحياناً يستهلك بعض الأفراد حصة أكبر من (150) لتراً متغولاً بذلك على استهلاك فرد آخر، ولكن أعتقد أن هذه الكمية مناسبة إذا وضعنا في الاعتبار أن الفرد يستهلك فقط (4) لترات أو أقل يومياً للشرب.
{ مازالت بعض الأحياء تشكو من العطش رغم أن شهر أغسطس كان الإمداد فيه مستقراً عن السابق؟
_ ذلك يعود لتأخر فصل الخريف هذا العام إذا وضعنا في الاعتبار أن الاستهلاك للمياه في الخريف يكون أقل مقارنة بالصيف من حيث ارتفاع درجات الحرارة.
{ ما هي المعالجات التي أُجريت لتحسين الإمداد المائي ومعالجة القطوعات؟
_ وضعنا ثلاث خطط فرغنا من الخطة الأولى وكانت خطة عاجلة لإطفاء الحرائق بدأت في شهر رمضان، وكان الهدف منها معالجة شح المياه وكانت بكلفة (10) ملايين جنيه.. انتقلنا الآن إلى الخطة العاجلة.. والتي تهدف لتحسين الإمداد في الصيف المقبل بكلفة (630) مليون لمدة عام، وهذه الخطة موجهة لمناطق الأزمة في (الكلاكلات، الحلفايا، الأزهري، الفتيحاب).. والخطة الثالثة خطة متوسطة المدى بدأت من أغسطس الجاري وتمتد إلى العام 2018م وقدرت كلفتها بحوالي (340) مليار دولار و(200) مليون جنيه، وهذه الخطة تم عرضها لمجلس الوزراء القطاع الاقتصادي وتمت إجازتها.. وهذه الخطة تهدف لتشييد محطات نيلية، بالإضافة إلى إنشاء محطات جديدة ومحطات إعادة ضخ خطوط ناقلة جديدة.. بالإضافة إلى إحلال وإبدال بعض الشبكات.
{ هنالك حديث بأن الشبكات القديمة عمرها الافتراضي انتهى منذ 40 عاماً ويفترض تجديدها حتى لا تسبب أضراراً؟
_ صحيح أن هنالك شبكات قديمة في وسط الخرطوم ووسط بحري وأم درمان والمدن القديمة.. لكن في منتصف التسعينيات وبدية العام 2000م تم إجراء إحلال لكثير من هذه الشبكات.
{ ما مدى صحة أن الهيئة لا تملك خرط لمسارات الشبكات القديمة وأنها استعانت بقدامى العاملين لتحديد المسارات؟
_ حقيقة في بداية هذا العمل في العام 2003م تقريباً استعنا ببعض العاملين، حددوا لنا المسارات وكان معهم (تيم) من الموظفين بالهيئة وتم تحديد أماكن الشبكات القديمة ومساراتها ومعرفة عمقها وأنواعها (حديد، اسبست، هايبست)، وصنفّنا أنواعها وأطوالها ومن ثم حفظنا البيانات بالحاسب الآلي.
{ ولكن ألا تعتقد أن للشبكات القديمة أضراراً؟
_ نعم من ضمنها قد تؤدي إلى إهدار ما يقارب (30%) من المياه بباطن الأرض، لا تتحمل الضغط العالي للمياه لأن حجم الأنابيب صغيرة مما تؤدي إلى الكسورات في بعض المناطق في حالة الضخ بكميات كبيرة، فمثلاً إذا ضخينا كمية كبيرة من في محطة بحري لمعالجة العطش في الحلفايا قد يحدث كسر في منطقة “شمبات” وهكذا.. لكن إذا قارناها بالشبكات الحديثة فإن عددها ليس كبيراً، وأيضاً الشبكات الحديثة ساهمت في تقليل الكسور.
{ ما هي خططكم بشأن هذه الشبكات القديمة؟
_ الهيئة قامت بعمل كبير فيما يخص هذه الشبكات خاصة وأن هذه الشبكات تكون عبئاً على الهيئة في زيادة الاستهلاك.. لذلك نحن ساعون ضمن الخطة الإسعافية لإحلال جزء كبير من هذه الشبكات.
{ هل هنالك عجز في إيرادات الهيئة شهرياً؟
_ طبعاً الإيرادات مقارنة بالمنصرفات هنالك عجز كبير لأن الهيئة مسؤوليتها الصيانة والإحلال والتشغيل وتملك (1600) بئر إذا حدث لـ(10%) فقط عطل أي لـ(160) بئراً قد نحتاج لمبالغ كبيرة جداً لإجراءات الصيانة.. الهيئة تجلب مواد عينية بواقع (2) مليون دولار مثلاً، قديماً الدولار بواقع (2) جنيه حالياً بواقع (6) أو (7) جنيهات والتعرفة واقفة يعني لا تغطي كل هذه المنصرفات، وكل أعمال الصيانة والتشغيل تتم من إيرادات التعرفة ولا تدخل في عمليات التنمية للهيئة.
{ كم تبلغ نسبة العجز تحديداً؟
_ تقريباً ثلاثة أضعاف الإيراد.
{ كيف تتم معالجة هذا العجز خاصة وأن هنالك صمتاً حول زيادة التعرفة؟
_ حالياً ما يلينا نقلل من المنصرفات، وإذا حدثت تنمية فعلياً سنقلل من العجز بتقليل الآبار الموزعة، فمثلاً يرى الناس أن كلفة حفر الآبار أقل مقارنة بالمحطات ولكن كلفة تشغيل الآبار عالية.
{ المواطن يرى أنه يدفع الفاتورة كاملة في ظل قطوعات امتدت لقرابة (3) شهور ببعض المناطق؟
_ أرى أنه من المستحيل أن تكون هنالك قطوعات كاملة بأية منطقة كانت، بعض الشكاوى التي تردنا تقول إن أحد الأحياء به قطوعات وعند المراجعة تجد أن هنالك عطلاً قد يكون أثر لمدة يوم أو يومين.
أما الإمداد فغالباً ما يكون في فترة من الفترات خلال اليوم صباحاً أو في الليل وليس انقطاعاً كلياً.. يعني تمشي الحال ولكن قد تكون الكمية الكافية غير متوفرة.. ولكن إذا شعرنا بوجود شح كامل بإحدى المناطق نتدخل لمعالجة فورية كإرسال (التانكر) إلى تلك المنطقة.. وهناك من يرفض شرب مياه الآبار بحجة أنها مالحة ويفضل شراء المياه بقيمة عالية خاصة وأن السودانيين يفضلون شرب مياه النيل وهم يتذوقونها، بالتالي هذه إحدى الإشكالات التي تواجهنا في توفير مياه النيل لكل المناطق بالعاصمة.
{ هل أثر التحصيل الالكتروني في فقد الهيئة لجزء من إيراداتها؟
_ له أثر كبير جداً لأن لدينا آباراً خارج الشبكة ولدينا مناطق ليست بها كهرباء.. ولم تكتمل الأجهزة التي يتم التحصيل بها.. وإلى الآن مازال الأثر ممتداً ببعض المناطق.. وقدرنا الفقد في الإيرادات في الشهر الأول ما يفوق المليار، وكلما استمرت الفترة فقدان الإيرادات يزيد.
{ كيف ستتم معالجة هذه المشكلة؟
_ ناس المالية وعدونا بإعطائنا أجهزة للتحصيل.
{ قطوعات الكهرباء أثرت على المياه هل يوجد تنسيق بينكم ووزارة الكهرباء والسدود بخصوص القطوعات التي تؤثر على الإمداد المائي؟
_ نعم لدينا اتصالات مباشرة بيننا وبينهم ونجد استجابة سريعة منهم.. وبالنسبة لهم من الصعب إجراء برمجة للآبار داخل الأحياء لأنهم يتعاملون مع الآبار الرئيسية.. وهنالك حوالي (40%) من الإيرادات تذهب للكهرباء لتشغيل المحطات.
{ ما هي الميزانية التي قدرتها الهيئة لإحلال الشبكات القديمة وتوفير إمداد مائي مستقر؟
_ ميزانية كبيرة جداً.. الهيئة بحاجة لحوالي (83) مليار جنيه.
{ هل تعتقد أن زيادة التعرفة يمكن أن تساهم في استقرار الإمداد المائي وصيانة الشبكات؟
_ الزيادة بشكلها لن تحل مشكلة التنمية.. الزيادات في التعرفة تعالج مشاكل الهيئة.. الناس يتحدثون عن أن بيئة العمل بالهيئة سيئة ومتدنية والمكاتب (وسخانة) والأثاثات قديمة و”سخانة”، يمكن أن تنظف ليست هنالك مشكلة ولكن القديمة من أين يمكن استبدالها لذلك نحن نخطو خطوة خطوة.
{ أين دور الحكومة.. لماذا تزيد الهيئة التعرفة للمواطن لتجديد الأثاثات وبيئتها؟
_ الحكومة تبنت خطة وكونت لجنة في وزارة المالية برئاسة وكيل وزارة المالية للإشراف على تمويل الهيئة وقطعت وعوداً بتنفيذ كل المشاريع بمسؤولية كاملة على الرغم من أنه من الصعوبة الآن تنفيذ المشاريع بتمويل الحكومة في ظل الظروف الاقتصادية، ولكن قد تم عن طريق المعينات الخارجية.
{ هنالك حديث عن اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي في بعض المناطق؟
_ الصرف الصحي إذا اختلط بمياه الشرب يعني إصابات معوية ومستشفيات.. ولكن الناس يتحدثون بشكل عام لأنهم يشتمون الرائحة.. ونحن لدينا الآبار على امتداد النيل الأبيض والمياه رائحتها تشبه رائحة البيض الفاسد، وهذه مسموح بها لدى المواصفات، وإذا وجدوا أن الرائحة كميتها أكثر من المسموح بها يوقف استعمالها.. لكن الكمية المعالجة إذا وضعنا كمية من الماء بـ”جردل” تختفي هذه الرائحة وهي غير ضارة.
{ المياه أصبحت ذات رائحة وطعم ولون تجردت من خواصها.. ما ردك؟
_ ماء زمزم له طعم.. بالنسبة إلى اللون يحدث ذلك في الخريف لزيادة نسبة (العكورة)، فمثلاً الأمريكان يقيسون نسبة العكورة بأنه عند قراءة نسبة صفر تعني المياه خالية من العكورة وتتوالي النسب (5%)، (10%) إذا وصلت إلى (15%) فهذا يعني أن المياه عكرة.. أما بالنسبة للرائحة وهذا نلاحظه في محطة (جبل أولياء) لأن الإمداد المائي في الخزان والمياه الراكدة تتغير رائحتها بفعل الطحالب.. لذلك نعالج ذلك بوضع الفحم المعالج، ولكن أيضاً ليست للدرجة المطلقة، وأؤكد أنه أي بئر نقوم بحفرها في أي منطقة لابد أن يكون حسب المواصفات.
{ ما هو موقف مواد التنقية؟
_ تستخدم مادة “البولي ألمونيوم كلورايت” وهي مادة معروفة من مواد التنقية، وكل مواد التنقية تدخل في صناعة الطعام كأهم شرط لاستخدامها.
{ ما استعدادكم لفترة الدميرة؟
_ التجهيزات للدميرة تسير على قدم وساق ولا أعتقد وجود إشكالية في الدميرة، لدينا المواد الكافية للتعامل مع أي طارئ.
{ هل هنالك اتجاه لإدخال برنامج العدادات في المياه.
_ هنالك اتجاه لذلك مستقبلاً لإدخال العدادات في المياه، ولكن يجب أولاً أن نضع خطتنا الإستراتيجية وهذا يحتاج إلى أهمية ثقافة الترشيد والتوعية.
{ هل عانى المهندس “خالد” من قطوعات المياه؟
_ حصل.. كنت مديراً للمياه.. وهددوني ناس المياه بالقطع، عندما جاء إنذار لمنزلي أعطي الإنذار لابنتي الصغيرة وأنا كنت بالهيئة وعندما عدت للمنزل أخبرتني بأن ناس المويه عايزين يقطعوا منا المياه، فناديتهم بالمكتب وسألتهم وقالوا لي الفاتورة تعطى لعامل التحصيل وهو المسؤول، فكانت فرصة للتوجيه وقلت لهم هذا خط، يجب أن يعطى المستهلك فرصة (3) أشهر لدفع الفاترة فإذا لم يدفع يوجه له إنذار.. ثم كان أن ربطنا التحصيل بفاتورة الكهرباء وهذا الربط ساعدنا كثيراً لحل جزء من مشاكل التحصيل.. وحقيقة لدينا مسجد بالحي عندما أدخل المسجد وأجد المصلين لا يستطيعون الوضوء لانقطاع المياه فذلك يمثل بالنسبة لي شيء مزعج جداً.
{ رسالة أخيرة فيما توجهها؟
_ أعتقد أن الكمية المتاحة للفرد إذا كانت (150) لتراً فهناك مستهلك يستهلك أكثر من حصته وبذلك يساهم في قطع الإمداد عن مستهلك آخر، لذلك أوصي بعدم الإسراف والترشيد في الاستهلاك، وحدث أن كنت يوماً أعالج مشكلة القطوعات بإحدى المناطق.. وبعد المعالجة وانسياب المياه في الأنابيب وأنا عائد في الطريق لاحظت أن بعض الأفراد بالمنطقة من الذين تمتعوا بالانسياب واطمأنوا لإمداد المياه بدأوا في رش الحوش بالمياه وإهدارها في الوقت الذي المياه لم تغط كل المنطقة،وكان الأحرى أن يترك المجال لمستهلك آخر ليتمتع بانسياب المياه. حقيقة نحن شعب مسرف.. مسرف.. لذلك نتمنى أن يذهب الإعلام معنا في اتجاه الترشيد لنتمتع بإمداد مستقر.

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية