تقارير

مغزى الإشارة لضعف قواعد المؤتمر الوطني في خطاب الرئيس!

 هل هو مقدمة لتغييرات على صعيد الحزب والدولة؟
فاطمة مبارك
حديث الرئيس في مجلس شورى المؤتمر الوطني حول أن هناك ضعفاً في عمل الحزب على مستوى القواعد بالقرى والأحياء، يعتبر أول حديث يطلقه الرئيس “البشير” جهراً. قد يكون هذا الحديث قيل في الاجتماعات واللقاءات المغلقة داخل مكاتب المؤتمر الوطني، لكن أن يطلق في مناسبة  يعلم الرئيس أنها ستنقل  لعامة الناس عبر الإعلام، يدل على أن هناك رسالة أريد إرسالها  تتجاوز الحزب إلى مستويات أخرى.  كما أن التوقيت الذي أطلق فيه “البشير” هذا القول يشير إلى أن إطلاقه كان مقصوداً، حيث أنه جاء متزامناً مع المرحلة الثانية من انطلاقة الحوار، وإعلان “البشير” استعداده للمضي قدماً في موضوع الحوار الذي يجد مقاومة من بعض منسوبي حزبه. وليس مستبعداً أن  يفضي ذلك إلى متغيرات جديدة على مستوى السلطة والحزب، على ضوء أن السلطة والقرار  الآن في يد الرئيس “البشير”،  مثلما ظلت تؤكد كثير من القيادات في المؤتمر الوطني،   أن لا أحد يملك سلطة غير الرئيس. وقد يكون “البشير”  شعر أن  الحزب أصبح لا يدعمه كما كان في السابق، بل أن بعض القيادات كانت قد أظهرت عدم مناصرتها لترشيحه للرئاسة مرة أخرى، وحدث حينها جدل في الساحة  وداخل الحزب حسم لصالحه.  وقد يكون هذا الحديث بمثابة تنبيه وتمهيد من الرئيس لقواعد وقيادات حزبه، لما ستؤول إليه الأوضاع حال الاستمرار على هذا النهج .
إلا أن رئيس الأمانة العدلية في المؤتمر الوطني “الفاضل حاج سليمان” قال لـ(المجهر) أمس، حينما سألناه عن السياق الذي يمكن فهمه من حديث الرئيس “البشير” قال: الرئيس هو رئيس الحزب، وفي حديثه ينطلق من تقارير ترفع من القواعد نفسها من خلال المتابعة، وينتهي الأمر عند المكاتب المركزية. وما أعلنه الرئيس يعبر عن حقيقة الأوضاع في الحزب التي تحتاج إلى الجلوس، وقراءة الأوضاع بصورة سليمة  ووضع العلاج . وأكد  “الفاضل” تماسك حزبه على المستوى الأعلى من خلال وجود مكاتب مُشكلة واجتماعات راتبة، فيما كانت للبروفيسور “حسن مكي” رؤية مختلفة، حيث قال لـ(المجهر) إن اتهام القواعد لا يسنده دليل، وأعتقد “مكي” أن المشكلة في القيادة وليس القواعد.  وأشار إلى أن المؤتمر الوطني حزب محكوم وليس حاكماً. ورأى أن اختصار المشكلة في القواعد فيه التفاف على القضية الأساسية.
وحول إمكانية ما سيحدث لتصحيح الوضع لم يستبعد “الفاضل حاج سليمان” أن يقود الوضع إلى إحداث إعادة هيكلة في الحزب على مستوى الأمانات والقطاعات، بعدما يجلس رئيس الحزب ونائبه ويقومان بمراجعة أداء القطاعات والأمانات والمكاتب الأدنى. وأكد أن الرئيس الذي ستنتهي دورته الرئاسية في 2020 حريص على مستقبل الحزب. ويريد أن يكون له وجود على مستوى القواعد حتى لا يكون مصيره كمصير الاتحاد الاشتراكي، ويعزل عن الجماهير لذلك تحدث بصدق.
وأكد أمين الأمانة العدلية في رده على سؤال الأسباب التي أدت إلى ضعف القواعد، على أن  قوة وتماسك الحزب في وحدة قياداته، وعندما تنشغل قياداته بالصراعات، ويبقى هم كثير منها هو الكرسي ينعكس ذلك على القواعد،  وعندما تغيب الأهداف الأساسية، ويدور الصراع بين المجموعات تنشغل هذه المجموعات بإدارة الصراع مع بعضها البعض، كما حدث في الانتخابات الأخيرة مع بعض المجموعات.
حديث “البشير” عن ضعف قواعد الحزب أعاد إلى الأذهان ما تم تداوله على صعيد الساحة السياسية والحزبية، عقب الانتخابات التي أجريت في أبريل من هذا العام، وأظهرت ضعفاً على مستوى الذين أدلوا بأصواتهم، وشمل هذا الضعف قواعد المؤتمر الوطني حيث لم يصوت بعضهم للحزب. وقيل إن الرئيس “البشير” كان غير راض عن الأداء في الانتخابات. وأكد الرئيس أول أمس على ذلك، حينما قال في اجتماع مجلس شورى حزبه، إنهم أرسلوا فرق تفتيش سرية للولايات لمعالجة القصور في العمل القاعدي، الذي كشفت عنه الانتخابات الأخيرة،  مشيراً إلى أن لجان التفتيش ستأتي بالمعلومة إن كان الناس شغالين، ويقومون بتنشيط قواعدهم أم لا.
بعض  المراقبين  للمشهد والأداء الحزبي للمؤتمر الوطني توقعوا أن يكون كلام الرئيس حول ضعف الحزب بداية لتخلي “البشير” عن حزب المؤتمر الوطني،  على خلفية ما راج عقب فوز “البشير” في الانتخابات الأخيرة، وحديث بعض المواقع الإعلامية عن أن الغرب وبعض دول الإقليم خاصة دول الخليج والسعودية  ربطت تحسين علاقتها مع حكومة “البشير” في دورته الجديدة بتخليه عن الإسلاميين، ممثلين في حزب المؤتمر الوطني. وحال اتخذ هذا القرار ستتدخل هذه الدول لإبطال قرار المحكمة الجنائية ضد الرئيس “البشير”، إلا أن آخرين استبعدوا أن يكون حديث “البشير” عن ضعف الحزب له علاقة بهذا الموضوع، كما استبعدوا أيضاً أن يُقدم “البشير” على هذه الخطوة، لأن منسوبي الحزب قابضون على مفاصل الدولة وهم من يديرون الأجهزة الحساسة فيها.
إذاً ووفقاً للمعطيات إذا أردنا الغوص في تفاصيل ما قاله الرئيس  “البشير” حول ضعف أداء القواعد في حزبه، نجد أن هناك ثمة إشارات يمكن أن يفهم في سياقها ما أطلقه الرئيس حول ضعف الحزب أولها ما شهده حزب المؤتمر الوطني في الفترات السابقة من تراكمات عديدة، أدت إلى بروز تيارات داخله، وظهر هذا الاصطفاف بصورة واضحة عقب المذكرات التي طالب متبنوها بالإصلاح ومحاولة بعضهم فرض الإصلاح بالقوة من خلال القيام بمحاولات انقلاب.ثم  جاء موضوع إبعاد القيادات التنفيذية الكبيرة، أمثال “علي عثمان” و”عوض الجاز” و”نافع”، نتيجة لصراع داخل الحزب. والآن يبدو أن الحزب متأثر  بالتصنيف الإنتمائي لهذه القيادات، مما أثر على القواعد وربما أضعف دورها التنظيمي هذا إلى جانب التأثيرات القبلية التي انتبه لها الحزب مؤخراً، حيث أصبح الولاء إلى القبيلة أكبر من الولاء إلى الحزب وربما اختار “البشير”العلاج بالكي كما فعل مع الولاة.
الأمر الثاني نجاح الحوار الوطني يتطلب تنازلات من حزب المؤتمر الوطني، وإذا كان الرئيس مستعداً لتقديمها يمكن أن تقود إلى إعادة نظر ومراجعة  بالنسبة للحزب. وعموماً الرئيس رمى الحجر في البركة الساكنة ستتحرك مياهها في مقبل الأيام.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية