مجرد سؤال ؟؟؟
رحل وبقي أثره الطيب… كونوا مثله
رقية أبو شوك
من الأشياء الملازمة للإنسان منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى “آدم” و”حواء” هو الموت، وقد قتل قابيل هابيل لتبدأ مسيرة الموت والحياة. يموت إنسان ويولد آخر وهكذا. ولكننا لا نحب كلمة الموت ،ونبغضها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، ولكننا ما نلبث أن ننسى أو نتناسى ،لأننا سمينا إنساناً … نتناسى، ولكننا ما نلبث أن نتذكره لحظة رحيل آخر عزيز علينا.
فالخلق الحسن والأثر الطيب الذي يتركه الميت خلفه هو خير دليل لبقائه في الدواخل طال الزمن أو قصر .. لذا كثيراً ما كنت أقول إن التطبع بالخصال الحسنة ،التي أمرنا ديننا الحنيف بها وأمرنا رسولنا الكريم بها أيضاً لابد أن نتحلى بها ليذكرنا الآخرون ونحن نودع الدنيا ونعيمها الزائل … فالدنيا غشاشة وخربانة في ذات الوقت (خربانة أم بناياً قش)… فقد شبه بنيان الدنيا (بالقش) لأن (القش) هش سريع الزوال والاحتراق.
فالافتراء والغرور والكذب والخداع والجري وراء الدنيا كله زائل ،لتبقى فقط الكلمة الطيبة والتي هي صدقة ..فشجرة الصندل تعطر فأس قاطعها ،وشجرة النخيل دائماً ما تكون مترفعة عن الأحقاد، فنحن نرميها بالأحجار لتعطينا دروساً وعبراً بعد أن تمدنا بالثمر …نتمنى أن نكون مثلها ،وهي ـ أي النخيل ـ هي الشجرة التي أشار الله سبحانه وتعالى إلى السيدة مريم للذهاب إليها والأكل منها لتسهيل عملية المخاض (هزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا )ـ سورة مريم الآية 25
فهذه دعوة عبر هذه المساحة للتحلي بالصفات الجميلة حتى تكون أثرنا الطيب.
أقول هذا وفي الخاطر رحيل عمنا الجليل، ذي الصفات الحسنة والأعمال الجليلة ،”سليمان علي الحسن كمبال”، الذي توفي الأسبوع الماضي متأثراً بجراحه، اذ كان أحد ضحايا الحادث الذي وقع بالولاية الشمالية والذي أودى بحياة أكثر من (20) شخصاً.
لا أزكيه على الله بل الله يزكي من يشاء… كان هاشاً باشاً صاحب رأي سديد ..عندما تقصده تجد عنده الحل لمشكلتك سواء كانت مشكلة مادية أو مشكلة تحتاج لفهم ورأي.
كانت (جنينته البستانية) بمدينة كورتي بالولاية الشمالية ، مرتعاً للكل. لا يتضجر من طلاب مدرسة كورتي الثانوية وهو يشاهدهم يحملون ما طاب لهم من المانجو والبرتقال … كل الطلاب الذين درسوا بكورتي الثانوية يعرفونه حق المعرفة ،ويعرفون برتقاله والمانجو الذي ينتجه بستانه … فعندما يأتي موسم حصاد البلح ،حيث اعتاد الناس هنالك أن يحصدوه عن طريق(الحش واللقيط)، و(اللقيط)هذا كان يتم عن طريق مجموعة كبيرة من الناس ، رجالاً ونساءً، فالكل كان يتسابق نحو (سليمان علي) ،يوم حصاد بلحه …. لا أظنكم تعرفون السبب .. لأنه كان يضاعف العطاء.
حكت لي شقيقتي “نايلة” ،عندما كانت تدرس بالجامعة الأهلية ،وقد كان هنالك احتفال بالجامعة أقامته رابطة أبناء مروي، وهي تستقبل طلابها الجدد ..فقد كان حضوراً بعد أن جاء برفقة ابنته سارة للاحتفال .. فأعطى فرصة للتحدث … أتدرون ماذا قال ؟ فبعد أن حث الطلاب على الجد والمثابرة وبر الوالدين قال لهم: (أنا عفيت لأي زول منكم أكل من جنيتني، وأنا عارف أغلبكم قد درس بكورتي الثانوية)، حينها صفق له الطلاب وحيوه بعد أن سجلوا اعترافات، بنهلهم من ينابيع خيره وعطائه.
لا أنسى سؤاله عني ،عندما يقابل أي شخص من أسرتي .كان يحبني وأحبه حباً أبوياً صادقاً، كان كثيراً ما يقول لي أنا بفتخر بيكم وبحب التعليم وأحب كل من تعلم وعلم أولاده.
فالعلم يرفع بيتاً لاعماد له
والجهل يهدم بيت العز والشرف
عندما زار والدي ،وهو طريح الفراش بمستشفى الأطباء، قال في حق والدي كلمات ستظل حية في ذاكرتنا جميعاً. قال بعد طرق على باب غرفة العناية المكثفة (الله يعلم أنك أنجبت وربيت وأدبت وعلمت، فالله كفيل بك)، إنه العم الجليل “سليمان علي الحسن كمبال”.
الرحمة والمغفرة له ،ونسأل الله أن يجعل البركة في ذريته (نصرة وابتسام ومحمد وسارة وسهير وأحمد ووليد) ،وفي أشقائه أحمد ومريم وفتحية ،وجميع أبناء عمومته، ونقول لهم (فقط اسألوا له الدرجات العلى من الجنة)، فرجل مثل سليمان يستحق منا جميعاً أن نسأل الله له الرحمة والمغفرة ،وأن تكون الدرجات العلا من الجنان مقره ومكان إقامته، فهو رجل استثنائي لا شبيه له في هذا الزمان.