إشكالية عمل الخادمات بالخارج – بين الحق الدستوري ومخالفة الشرع
هيئة علماء السودان اعتبرته أقرب للاسترقاق
تقرير – نجدة بشارة
أثارت قضية سفر السودانيات إلى الخارج وعملهن في مهنة (عاملة منزلية) حفيظة الرأي العام.. نسبة لارتباطه بكرامة الإنسان السوداني ورفضه لأي ممارسة قد تقلل من مكانة المرأة أو تمس إنسانيتها.
والهجمة الكثيفة التي صوبها الشارع تجاه الحكومة.. جعل وزارة العمل تأخذ موقفاً ارتجالياً بإصدار قرار إيقاف أي عقودات لخدم المنازل في الدول العربية والأجنبية، في قرار أقرب إلى شهامة السودانيين وسخونة الدماء التي تجري في أوردتهم.
وفي زخم المشاعر المتضاربة واستهجان الفعل، تتداعى الظروف الاقتصادية التي دفعت ببعض الشباب من الجنسين إلى درجة العوز والحاجة وهم في قمة عطائهم.. حتى دفع بالبعض إلى الهجرة قسراً وهو يحمل الشهادات والأمنيات العريضة بواقع أفضل.. ثم ليصطدم بعضهم بالواقع المرير.
ولكن في ظل هذه الأوضاع تظل حقيقة مجردة ماثلة أمامنا بأن كل مهنة لا يُمتهن فيها الشرف والأخلاق، فهي بلا شك مهنة شريفة وكسباً عفيفاً نظيفاً.. لكن لابد أن نعترف بأن الشعوب لا تقبل أن توصم ببعض المهن.. التي تلاحقها بعض الممارسات المسيئة للعاملين بها، والتي تصنف، في نهاية الأمر، من قبل البعض، بأنها غير كريمة أو غير لائقة .
وهذا ما يقودنا للتساؤل: هل من حق الحكومة أو وزارة العمل منع سفر أي سوداني أو سودانية إلى خارج البلاد للعمل في مهنة توصف أو تصنف من البعض بأنها مهينة، وهل هناك نص في الدستور يحرم عمل المرأة كخادمة. وكان وزير العمل والإصلاح الإداري “أحمد بابكر نهار” قد أصدر قراراً بإيقاف عقودات خدم المنازل بأي دولة سواء كانت عربية أو أجنبية.
واعتبر أن وزارته صارمة في هذا الأمر وتمنع سفر أي سوداني أو سودانية إلى خارج البلاد للعمل، إلا وفق الضوابط والإجراءات المعمول بها في قانون العمل والهجرة.
الشيء الذي دفع ببعض الجهات إلى الحديث عن كفالة الدستور والقانون سواء للمرأة أو الرجل للعمل بأي مهنة دون أن تلحق بالمنع من مزاولتها إلا إذا كانت غير شريفة.
وفي ذلك يرى أمين الأمانة العدلية بالمؤتمر الوطني والقانوني د.”الفاضل حاج سليمان” في حديثه لـ(المجهر)، أن وزارة العمل جهة معنية بحفظ حقوق المرأة ومكانتها.
والدولة ككل، مسؤولة عن حماية مواطنيها وحفظ حقوقهم وشرفهم. وقال بأنه دستورياً أو قانونياً يحق لأي مواطن السفر لأي دولة والعمل بأي مهنة.. ولكن على الوزارة مراجعة المهنة أولاً، والتأكد من عدم انتهاكها للشرف.
وبالتالي فالحق الدستوري موجود، أما تنظيمه والإجراءات التي يتم بموجبها التصديق لها، وضمان أن العمل الذي تمارسة المرأة مشروع ولا يخالف الشرع أو الدستور.. خاصة وأن هنالك بعض النساء اللائي يقمن بممارسات غير أخلاقية بتلك الدول.
وحسب د.”حاج سليمان” فإن بعض الدول لا تخضع للقانون الوطني الذي يحمي الوطنيات، وهذا ما يجعل المهن عرضة لكثير من الأمور المسيئة، لذلك فالدولة متى ما تنبأت بأن خروج مواطنها إلى دولة أخرى قد يعرضه، حسب أعراف وتقاليد، تلك الدولة للانتهاك، يمنع من السفر. ويرى أن الظروف والمستجدات المعيشية جعلت من وسائل السفر- بالنسبة للمرأة – أكثر أماناً، وحتى دون محرم، لذلك لم يعد من الشروط المعقدة، بأن يقف أمر المحرم حائلاً،الآن، دون سفر المرأة، واستدل بذلك في بعثات الحج. وطالب د.”الفاضل” وزارة العمل بمراجعة قوانين الدول التي تتعامل معها، ومحاولة سن قوانين تدرج ضمنها الشروط المتعلقة بالمهن في تلك الدول.
ورغم تنصل وزارة العمل من مسؤولية ما حدث للعاملات السودانيات، بإعلان الوزير “نهار” بأن وزارته ليس لها صلة بعمل أي سودانية خارج السودان في مهنة (عاملة منزلية)، إلا أن الشواهد تقول غير ذلك.. والتاريخ يحفظ ما يدرجه الصمت في مدارج النسيان. ومازال الناس يذكرون ذلك الإعلان الذي تصدر أحد الصحف السودانية العام المنصرم، والذي يطلب فيه وظائف (لخدم منازل) سودانيات مرفق بالشروط (الطول، القوام، واللون)، ذلك الإعلان الذي فتح الباب واسعاً وقتها وأدخل رياحاً ساخنة للوزارة.. حتى ذهبت في ذات الاتجاه الذي تسلكه الآن برفضها، ومنعها لعمل المرأة السودانية، كخادمة بالدول الأجنبية والعربية، إلا أن الأحداث، لم تهدأ إلا قليلاً، حتى عادت للسطح مجدداً.. وهي تؤشر بأن قرارات المسؤولين غالباً ما تجد طريقها للأدراج وتظل حبيسة ورهينة الظروف. ونسبة لتداعي الظروف الاقتصادية والضغوط المعيشية.. والحاجة الماسة للعمل عند بعض الأسر تلجأ بعض النساء للعمل، حتى في أحلك الظروف، ولكن يبدو أن الأحداث الأخيرة كانت أشد إيلاماً، حتى أن البرلمان قد بدأ يتجه لوضع تدابير جديدة تحكم سفر وعمل المرأة خارجياً، حيث كشفت لجنة الشؤون الاجتماعية عن ترتيبات جديدة لتنظيم سفر المرأة للخارج.، وأعلنت عن نيتها مراجعة كافة القوانين التي تنظم ذلك، مع إعادة النظر في اللوائح.. والتدقيق في المستندات.
وكان رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية قد كشف عن تكوين لجنة عاجلة للتقصي حول ما يتم تداوله إعلامياً، عن حادثة الفتيات العاملات بالسعودية وبشأن ما وجدنه من معاملة.. شكلت تحدياً ومسؤولية اجتماعية.
وقال لابد من وضع تحوطات وضوابط تحول دون استغلال حق المرأة للسفر بحسب الدستور والقانون. وحسب قانونيين فإن هذا الاتجاه من البرلمان، سيخرس الألسن التي ترتفع مطالبة بحق المرأة دستورياً وقانونياً للسفر والعمل بأي مهنة شاءت.. والبرلمان يشدد بذلك على أهمية صون كرامة المرأة وليس عدم حرمانها من حقها في السفر أو العمل. ويرى “الشايب” أهمية وجود ملحق عمالي خاص بدول الخليج كأحد المعالجات بشأن صحة المهنة، إذ تشير الإحصائيات الاقتصادية إلى أن نسبة البطالة للقادرين على العمل تتجاوز (20%)، وأن نسبة السكان تحت خط الفقر يتجاوز (46,5%) وهذه الظروف الضاغطة لا تنبئ بانفراج على الصعيد القريب، وهذا ما يجعل أي فرصة للعمل سواء كانت في الداخل أو الخارج، بمثابة طوق نجاة يتعلق عليه عدد كبير من الجالسين على رصيف الانتظار.
أما من ناحية المهنة، فإن ذلك يعود للفرد في مدى تقبله لامتهانها، وما لا تقبله أنت قد يرتقي به آخر، وهذا ما يجعل عدم حق أي حكومة أو سلطة في التدخل أو التحكم في اختيار الأفراد، ما دامت الوظيفة مشروعة وليس بها استعباد، ولأن الممارسات الفردية لا تعمم، ولذلك فإن قرار منع العقودات للخادمات في الوزارة، قد يكون قراراً مجحفاً بحق أصحاب المهن الذين يسعون لاستقدام عوائلهم للسفر والالتحاق بهم، مما يضطر كثيراً منهم إلى إلحاق صفة خادم بزوجته أو أمه ليسمح لها بالسفر والإقامة معه بتلك الدولة.
وحسب الخبير القانوني “أسامة صالح” في حديثه لـ(المجهر) فإن قرار وزارة العمل بحظر عقودات الخادمات مخالف للدستور والمواثيق الدولية باعتبار أن حرية الكسب لا تقيد، وقال إن دستور السودان الانتقالي كفل الحريات في المادة (27) الفقرة (3) التي تشير بوضوح إلى كفالة حرية المواطن في التنقل وحق العمل. ووفقاً للدستور يلزم حكومة السودان بحماية حقوق مواطنيها بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة (3)، يحق لكل شخص اختيار العمل الذي يناسبه، أيضاً البند (6-7) من العقد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تناولت حقوق تساوي العمل بين المرأة والرجل.
المادة (3) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، تحدثنا عن حرية العمل وتكافؤ الفرص، وبما أن السودان طرف في هذه الاتفاقيات فتلزم بتطبيقها لأن حسب الهيئة العامة للأمم المتحدة لسنة 1960م، فإن الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية تصبح ملزمة للعمل به – وهذا ما يجعل السودان مخالفاً للأعراف الدولية وللدستور، لذلك فعلى الدول حفظ حقوق مواطنيها بدلاً من حرمانهم من حقوقهم التي كفلها لهم الدستور. وفقاً لهذه المعطيات فإنه يبدو أن قضية عمل السودانيات كعاملات في المنازل بالدول العربية والأجنبية مازال يشوبه اللغظ وتداخل المواقف بين الرفض للسلوك والممارسات التي توجدها تلك المهنة، وبين الحاجة الحقيقية لهؤلاء النسوة اللائي تقهرهن الحاجة وتضطرهن المعيشة للجوء للعمل. وبين هذا وتلك تظل الدولة، هي المتهم الأول لما يجده رعاياها من الاضطراب والرهق النفسي للحصول على العمل.، لأن الظروف التي تجدها الخادمات في تلك الدول، قد يتعرض لها بعضهن في ممارسات أقرب لتلك المنتهجة خارجياً، ولكن بالداخل، وهذا هو المسكوت عنه.
وفي المقابل نجد أن الشريعة قد تصطدم ببنود الدستور أحياناً وهذا ما يراه علماء السودان، وحسب د.”إبراهيم أحمد صادق الكاروري” الأمين العام لهيئة علماء السودان في حديثه لـ(المجهر)، فإن القانون كضابط يجب أن يكون متوافقاً مع الشريعة الإسلامية.. التي تقرر شرعاً بعدم جواز سفر أو عمل المرأة في بيوت بها رجال أو شباب أجنبي. وقال إن ما حدث قائم على غير أسس شرعية.. لأن الشريعة رتبت العلاقات وحفظت للمرأة كرامتها من خلال أدب الاستئذان بالنسبة للمحارم.. فكيف للمرأة العمل في دولة أخرى وبعيدة عن محارمها. ووصف الحالة بأنها أشبه بالاسترقاق واعتبره يخالف الشريعة.
ويرى “الكاروري” بأن الفقر ليس مبرراً لهذا الفعل، وقال إن الدولة مسؤولة أن توفر لها كرامتها من خلال إحصائيات دقيقة من خلال المؤسسات الاجتماعية والزكاة والمنظمات النسوية لحصر المرأة الفقيرة، ومحاولة توفير عمل لها بما يحفظ كرامتها، لأن المرأة الباحثة عن المال يتوقع فيها الضعف. وبناءً على هذا يجب على الحكومة إصدار قانون بمنع سفر المرأة، بناءً على حلول توفرها والسعي لتعديل الدستور حتى يتواءم وينسجم مع الشريعة، لأن الدستور المؤسس على الشريعة الإسلامية يكفل الحقوق والمواطنة كاملة.