رأي

النشوف اخرتا

استغنوا.. تسعدوا
سعد الدين ابراهيم
المعروف أن غرائز الإنسان الرئيسية أربع الأمومة وبالضرورة الأبوة ثم العطش والجوع والجنس.. أما الغريزة الأولى فيمكن الاستغناء عنها بعد أن تشبعها بأن توصل الأبناء حتى يتزوجوا ويكونوا أسرهم..بعد ذلك تداعب أبناءهم (أحفادك) مثلك مثل أي بلاي (ستيشن) أما العطش فلا ضير أن تستمر في الإشباع فحتى لو استخدمت (موية  صحة) فإن تكاليف ذلك ليست كثيرة أما الجوع فالعلماء يجتهدون الآن في جعل الإنسان  إنساناً أخضر، بحيث يعتمد في غذائه مثل ما يفعل  النبات والتجارب تجري حتى يعتمد الإنسان كلية على الماء والضوء.. وبالتالي تكون أزمة الغذاء قد اتحلت .. الغريزة الرابعة.. أرى الناس بعد الستين يجتهدون في إشعال أوارها مع  أن البحث عن ما بجعل الغريزة نشطة أصعب بكثير من الاستغناء  عنها.. فطالما للسن أحكام.. وطالما أصبح من الممكن الاستغناء عنها تماماً فهذه سعادة ما بعدها سعادة.. إنك أخيراً تخلصت من غريزة تستعبدك وتجعلك في حالة من تقديم التنازلات وفي النهاية لن تحصل على ما تصبو إليه.. إنها عندئذ حيلة نفسية لإثبات التواصل في الحياة لكن في الواقع هي تحصيل حاصل فلماذا لا نهنأ بالاستغناء عنها.. هذه الأيام (الوهمة) التي تحاصرني هي سياسة الاستغناء.. وهي أن تتعاهد مجموعة من أصحاب المصلحة الحقيقية في أن تجتهد في الاستغناء عن واحدة من الغرائز التي تسبب بلاوي، ويمكن أن تتطور نظرية الاستغناء فتتواصل فنستغنى عن كثير من الأشياء التي تؤرقنا فيصبح ذلك  أسهل إذا ضغطنا غرائزنا الأربع إلى ثلاث.. ومن ثم يمكننا السيطرة على حاجاتنا الثانوية مثل حاجاتنا إلى المحبة .. فيحب الإنسان منا نفسه ويكتفي بذلك وحاجتنا إلى التقدير يمكننا إشباعها بتقديرنا لأنفسنا على نحو (العارف عزو مستريح)، تصبح أهم الحاجات هي حاجتنا إلى الأمن وهذه لا يمكن الاستغناء عنها.. إلا بتحقيق  مجتمع معافى.. لا يهدد فيه أحد أمن الآخر .. مجتمع بلا حروب.. بلا كوارث.. وهذا مستحيل طبعاً .. عندئذ فالحاجة الوحيدة التي لا يمكننا الاستغناء عنها هي حاجتنا إلى الأمن.. بدورنا لا نستطيع أن نعيش حياة يمكن فيها الاستغناء عن كل شيء… قد يقول لي قائل: طيب يا فالح نحن نستغنى وناس تغنى.. كده ما بنكون فرطنا في حقوقنا للآخرين.. نقول: الذي يبحث عن الغنى واستمر في إشباع غرائزه فهو عندئذ يصل بها إلى حد التخمة.. فيشرب ما يشاء..ويأكل حد التخمة ويتزوج ويصاحب فوق الطاقة.. وحتى الأمومة والأبوة يفرط فيها فينحرف الأبناء ويتعاطون المخدرات ويغرقون في ملذات تطيح بحيواتهم ذاتها.. إذن الغنى مقابل الاستغناء لا يضير ولا يجعلنا نقدم على كون أحدهم أو جماعة من الناس استغلت حالة الاستغناء فأثرت وغنت.. إنها عندئذ تقتل نفسها بما يجعل الاستغناء فضيلة يجب الحصول عليها والاستمتاع بها وجعل الحياة هانئة نبحث فقط عن الأمن واستقراره دون استعباد لغريزة أو حاجة المستغني حر، حرية الطيور التي تحلق في السماء لا تخشى إلا الصقور والصائدين.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية