"قطبي المهدي" : مؤسسات الوطني عجزت عن تطوير نفسها
* وجودي أصبح غير مريح لبعض النافذين في الحزب والدولة
* ما حدث لـ”غندور” لو حدث لـ”نافع” لكان حدثاً كبيراً جداً
* قيادات الفترة الماضية مسؤولون عن ما وصلنا إليه الآن
* القيادات الجديدة صلاحياتها منقوصة أو مشتركة مع القيادات التي خرجت
* لماذا لم يبق “غندور” في موقعه نفس الزمن الذي قضاه “نافع”
* الحركة الإسلامية لم تحافظ على ثوابتها ومواقفها
* الصورة الآن واضحة تماماً أمام الرئيس
* مؤسسات الوطني عجزت عن تطوير نفسها
كان مديراً للمخابرات، ورئيساً للقطاع السياسي بالحزب الحاكم، وممسكاً بكثير من الملفات الحساسة، ولكن رغم ذلك عندما ذهبنا لنحاوره وجدناه هناك في مبنى شديد التواضع في ركن قصي في ضاحية “الطائف” تعلوه لافتة باهتة (مركز دراسات البادية)، جلسنا إليه في مكتب ،معلقة خلف مقعده ،لافتة تحمل مسدار الصيد الشهير لشاعر البطانة الأشهر “الحاردلو” (الشم خوخت بردن ليالي الحرة.. والبراق برق من منا جاب القرة).. تفاصيل قد تغني عن كثير من الإيضاح للموقع المتباعد الذي يتخذه الآن الإسلامي العتيد الدكتور “قطبي المهدي” من حزبه وحركته الإسلامية بل ودولته برمتها. صراحة متناهية يتحدث بها عن حال كل ما سلف، ومرارة تنضح بها نبرة صوته وهو يعلن عجزه حتى عن إقناع أبنائه بتفيؤ ظلال الحركة التي أفنى فيها الرجل زهرة شبابه، ودبلوماسية نُمسك عن بعضها يتحدث بها عن ملفات حساسة، لكنها لم تمنعه عن إعلان مخالفته، ورفضه لبعض المعلومات المهمة ،التي بسطها للناس قبل أيام، مدير جهاز الأمن السابق الفريق “صلاح قوش”.. هذا وغيره في طيات هذا الحوار.
حوار – عقيل أحمد ناعم / محمد قندول
{ أنت الآن غائب تماماً عن مؤسسات الحزب والحركة الإسلامية ومؤسسات الدولة.. وأنت الآن لست عضواً حتى في المكتب القيادي.. هل ابتعد دكتور “قطبي” أم أُبعد؟
– الإجابة على هذا السؤال معقدة.. أولاً هناك غياب طبيعي وطوعي والسبب أن الإنسان في كل مرحلة تكون له أولويات مختلفة.. وشخص في عمرنا بعد الفترة الطويلة التي قضيناها في العمل التنفيذي في الحزب أو الدولة، مؤكد أنه سيترك المجال لآخرين ويحاول العمل في مستوى آخر، سواء أكان استشارياً يستفاد من تجربته الطويلة وتقديره للأمور، هذا بخلاف الأشياء الشخصية وأنت كلما تكبر تتغير اهتماماتك قليلاً.
{ هل كل الأمر متعلق بالأسباب الشخصية.. أم إن هناك أسباب متعلقة بالحزب والدولة؟
– نعم هنالك أسباب أخرى، فالوضع الذي فيه الحزب الآن والحركة الإسلامية لم يعد مريحاً بالنسبة لإنسان يريد أن يعطي عطاءً معيناً، ويجد نفسه خارج اهتمامات الناس في الفترة المقبلة، فالعلاقات اختلفت في الحزب والحركة، وما عادت كما كانت في السابق وروح العلاقة نفسها تغيرت.
{ العلاقات الشخصية تقصد؟
– نعم العلاقات الشخصية والعلاقات في العمل لم تعد كما كانت في السابق ويمكن أن تلاحظ بعض الظواهر، مثلاً أين ذهب الدفاع الشعبي وهو مدرسة معينة وثقافة معينة وكان لديها علاقات معينة وهي الآن غير موجودة، لكن عموماً علاقات الناس بصورة عامة اختلفت عن الماضي.
{ ربما يكون الأمر متعلقاً بطبيعة شخصية “قطبي”؟
– حتى أكون صريحاً يجوز لأن وجودي داخل المؤسسات لم يعد يتناسب مع الأوضاع الجديدة، أيضاً بالنسبة للآخرين يمكن أن يكونوا غير مرتاحين لوجود شخصي وطريقة تفكيري والتزاماتي وتجربتي الثابتة.
{ ما هو الوضع غير المريح الذي يجعل “د. قطبي” لا يستطيع ممارسة نشاطه؟
– أولاً كثير من الثوابت تغيرت في الحزب والحركة.. ثانياً روح التعامل التي كانت تقوم على نكران الذات ووالإيثار والتفاني في خدمة القضية في تقديري ضعفت كثيراً جداً وبدأت تظهر أشياء وديناميكيات أخرى.
{ الديناميكيات الجديدة هل في تقديرك هي خارج إطار الحركة الإسلامية ومبادئها التي تأسست عليها الدولة؟
– نعم الديناميكيات الجديدة خارج إطار الحركة.
{ وهل السبب ضعف في الفكرة من أساسها أم انحراف من القائمين على إنفاذ مشاريع الحركة؟
– تستطيع القول الاثنين.. لأن المناخ السلطوي والضغوط الحاصلة على النظام أثرت كثيراً جداً.. الأمر الثاني من خلال هذا المناخ تخرج مفاهيم جديدة غير المفاهيم القديمة.. ثالثاً أصبح هنالك عجز في طرح رؤى جديدة تخاطب التحديات والمشاكل الموجودة لأن الناس انشغلوا بأشياء أخرى.
{ في تقديرك من يتحمل مسؤولية هذا الوضع؟
– في مثل هذه الحالات لا تستطيع أن تشخصن المسألة.. بشكل عام المؤسسة كمؤسسة مسؤولة وهذا ما ذكرته خلال الثلاث سنوات الماضية، وكنت أحمل المؤسسة في الحزب أو الحركة أنها لم تستطع أن تطور نفسها وتستوعب الأشياء القادمة، ولم تستطع أن تحافظ من خلال النزاع الشرس على ثوابتها ومواقفها.
{ ذكرت أن وجودك لم يعد يتناسب مع كثير من الممسكين بزمام الأمور.. هل لأنك تقول رأيك بصراحة أم لأنهم يتخوفون من تمسكك بأفكار هم بدأوا يتخلون عنها؟
– السبب الأساسي هو السبب الثاني هم بدأوا لا يتفاعلون ولا يرتاحون للأفكار التي أطرحها، في نفس الوقت أصبح وجودي نفسه كممثل أفكار هم ابتعدوا عنها، وهذا لم يعد مريحاً بالنسبة لهم. مثل “أن يكون هنالك شباب يريدون أن يغنوا ويرقصوا ويأتي شخص كبير يجلس معهم ويقيدهم”.
{ يا دكتور يتردد أن “قطبي” قريب من السيد الرئيس “البشير”.. هذا القرب إذا صح ألم يكن سبباً في أن يعرض عليك أي منصب في الحزب أو الدولة.. أم تم تصنيف “د. قطبي” ضمن الجيل الذي خرج أو أخرج “علي عثمان” و”د. نافع”؟.
– حقيقة أنا علاقتي بالرئيس لا تختلف عن علاقتي بالآخرين، ولا يوجد شيء معين يجعلني أقرب من الآخرين.. والمسألة قائمة على ثقة كبيرة في قيادة السيد الرئيس وفي شخصه، وأنا اعتبره إنساناً أميناً وإنساناً على قدر كبير من الوعي بمشاكل البلد ومشاكل المواطنين، وهو سوداني عادي يعرف كل مشاكل وهموم المواطن السوداني واكتسب تجربة كافية في هذا، وفوق ذلك هو مقبول على كافة المستويات سواء في الحزب أو المجتمع السوداني أو في القوات المسلحة، لذلك أنا متمسك بقيادته ولدي ثقة بأنه في هذه المرحلة قادر على أن يقود الناس حتى يخرجوا من هذا الوضع، هذه الثقة متبادلة وطيلة الفترة الماضية هو الذي كان يرشحني للمواقع، وفي النهاية أنا الذي طلبت منه أن يعفيني من المناصب.
{ رجل بالصفات التي ذكرتها والتي دفعتك للثقة فيه لهذه الدرجة كيف تحت قيادته وصل الأمر إلى ما تحدثت عنه أنت الآن؟
– هو إنسان ديمقراطي جداً ويفوض كثيرًا جداً من السلطات والصلاحيات للناس الذين حوله، وكثير من الأحيان يقول رأيه بوضوح، ولكن يحترم ذكاء الآخرين وصلاحياتهم ودورهم وبالتالي تمضي الأمور أحياناً بصورة هو غير راضٍ عنها ويفتكر أن هذه هي استحقاقات الشورى.
{ مؤخراً هل بدأ ينتبه لهذه المثالب التي انتبهت أنت لها؟
– اعتقد ذلك والصورة الآن واضحة جداً أمامه.. لأن الأمور بنتائجها وعواقبها، ومؤكد سياسات الفترة الماضية وقيادات الفترة الماضية كانت مسؤولة إلى حد كبير من هذه النتائج التي وصلنا إليها، وأعتقد هو كان في الفترة الماضية في حالة مراجعة، وأنا أتوقع أنه في الفترة المقبلة سيأخذ زمام المبادرة ويحاول أن يصلح الكثير .
{ المؤتمر الوطني منذ فترة طرح برنامجاً للإصلاح داخل الحزب والدولة.. هل ترى فعلاً أن المؤتمر لديه رؤية واضحة للإصلاح وبدأ فيها فعلياً؟
– أصلاً الوثيقة تتحدث عن الإصلاح.. لكن يبقى السؤال إلى أي مدى استطاعت الوثيقة أن تخاطب المشاكل بالشكل السليم وهل فعلاً يمكن أن تحدث تغييراً.. وهم يفتكروا أن هذه رؤيتهم والحكم في النهاية هو ماذا ستفعل هذه الوثيقة.
{ أي رئيس مهما كانت قدراته الشخصية يحتاج إلى رجال حوله يعينونه .هل من حول الرئيس الآن قادرون على أن يعينوه على هذه المراجعات والإصلاح المرجو؟
– عندما انتخب “البشير” رئيساً للجمهورية الناس شعروا أن رئاسة الجمهورية أصبحت تقع عليها مسؤولية كبيرة وبالتالي الرئيس يحتاج إلى مستشارين، وبالفعل عين مستشارين في ذلك الوقت، وكلهم عينوا لاعتبارات ليس فيها مكان للمحاصصة والقبلية والجهوية والحزبية، وكان كل مستشار لديه حقيبة محددة.. مستشار اقتصادي كان “بدر الدين سليمان” وغيره، ولسوء الحظ أن هؤلاء المستشارين تم تعطيلهم من بعض الجهات التي شعرت بأن الرئيس أصبح محاطاً بالمستشارين وهم يلعبون دوراً كبيراً، ليس في اتخاذ القرار ولكن في صناعة القرار، ولكن جهات كثيرة أخرى شعرت بأن هذا الدور دور خطير يعطي المستشارين دوراً كبيراً ربما تتضرر منه تلك الجهات، فتم تعطيل دور المستشارين ومع الأسف الشديد بعدها مباشرة جيء بمستشارين فقط لأجل المحاصصة الحزبية.
{ بصراحة ما هي هذه الجهات التي تسببت في تعطيل دور المستشارين؟
– يمكنك أن تتخيلها، هي كل القيادات التنفيذية العليا والتي كانت ممسكة بالملفات والتي اعتقدت أن دورها أخذه المستشارون.
{ إذا حاولنا إجراء مقارنة بين عهود مرت على المؤتمر الوطني اتسمت بتأثير الشخص الممسك بزمام الأمر على المستوى الأعلى.. كيف تقارن بين عهد “د. نافع” وعهد “د. غندور” و”إبراهيم محمود “الآن.. المؤتمر الوطني هل هو في حالة تطور أم تراجع؟
– أنا لم ألحظ أن هنالك تغييراً كبيراً لأن الشيء الوحيد الذي حدث هو خروج القيادات التي أشرت لها أنت وكانت موجودة في القرار السياسي ورسم السياسات وموجودة أيضاً في القيادة التنفيذية، هذه القيادات لم تذهب للتقاعد ولم تترك السياسة، هذه القيادات بحكم ما اكتسبته من تجربة وعلاقات هي موجودة في المستوى السياسي بكل ثقلها، سواء في الحزب أو الحركة الإسلامية، وفي المكتب القيادي والأمانة العامة للحركة الإسلامية وحول الرئيس أيضاً موجودون، وهذا جعل من القيادات الجديدة صلاحياتها السياسية، لا أريد أن أقول منقوصة ،ولكنها مشتركة، والقيادات السابقة لم يكن يشاركها أحد، أما الآن سواء أكان في فترة “غندور” أو “إبراهيم محمود” هنالك أخوة كبار موجودون على هذا المستوى بشكل عام أنا لا أقول هذا عيب ولكن تعتبر إضافة.
{ هذا يفرض سؤالاً.. كان طبيعياً أن يكون لدكتور “نافع” أو “ا. علي عثمان” نفوذ كبير بحكم المواقع التي يشغلانها.. ولكن ما المعنى لاستمرار تأثيرهما على المشهد السياسي والتنفيذي في ظل تبوء أشخاص آخرين نفس تلك المواقع؟
– هذا كان يقتضي تغييرات، ولكن المؤتمر لم يواكب الأوضاع الجديدة بأن يجدد، فترك الوضع يكون هكذا.. أنت لا يمكن أن تقول لشخصيات كهذه اذهبوا لابد أن تستفيد منهم في المجال السياسي، لكن في أي صيغة، وأنت أثرت موضوع المقارنة وهو مهم جداً، لماذا لم يبق بروفيسور “غندور” في موقعه نفس الفترة التي كان فيها دكتور “نافع”.. أو دكتور “الترابي”.. ما معنى هذا؟
{ يشير إلى ماذا في تقديرك؟
– المنصب نفسه لم يعد كالسابق، من يشغل منصباً مهماً مثل نائب الرئيس لشؤون الحزب ومساعد رئيس الجمهورية في نفس الوقت لا يمكن أن يمر ذهابه مرور الكرام ،مثل ما حدث لـ”غندور”، وهذا لو حدث لـ”نافع” لكان الأمر حدثاً كبيراً.. هذا يوضح أن الموقع لم يعد هو الموقع القديم بصلاحياته.
{ هذا يعني ربما أن الموقع أصبح يأخذ نفوذه من الشخص نفسه وليس من الوصف الوظيفي للموقع.. من يعتلي المنصب هو الأهم؟
– لا.. أنا قلت إن المناخ كله تغير وتركيبة الحزب كلها تغيرت.. وأنت فجأة أصبح لديك قياديون كبار أصحاب تجربة وعلاقة وأصبحوا موجودون معك في القيادة.. وأنت أغرقت الموقع بوضع جديد.. وكان يفترض في هذه الحالة أن الهياكل يحدث لها تغيير يحفظ للموقع ألقه القديم.