حوارات

(المجهر) في أول حوار مع وزير المالية السابق "علي محمود" بعد تركه الوزارة 2- 2

وضعنا البرنامج الثلاثي بعد الانفصال لإعادة الاستقرار للاقتصاد
رغم مرارة رفع الدعم ولكن أفضل مما نقول للشعب كل شيء تمام
خطابي لم يكن مستفزاً للمواطنين ولم أقل لهم أكلوا (كسرة)
جيت الخرطوم بـ”شنطة هاند باك” وليست “شنطة حديد”
حوار – صلاح حبيب
{ وأنت وزير للمالية.. هل مورست ضدك أي ضغوط لتحابي هذا أو تدفع مالاً لجهة أنت غير راضٍ؟
_ أبداً وهذه طبيعة الأشياء تواجهها بمفردك، فالقضية ليست قضية ضغوط لأننا لسنا أجهزة منفصلة عن بعضها البعض، فنحن أجهزة متكاملة في السياسات نقدمها كوزارة وحتى الإصلاحات التي ذكرتها لك تمت إجازتها من قبل مجلس الوزراء كما أجازها البرلمان، فنحن نقدمها إما أن يقف الناس معها أو يتم إسقاطها، ولذلك لا توجد ضغوط بالمعنى المتعارف عليه في عمليات الضغوطات على المسؤول، مثلاً عندما تقوم حرب تحتل “هجليج” وهي منطقة بترول، فالصرف على الدفاع لاسترداد المنطقة وارد، وعندما تخرج مجموعة على الدولة في “كادوقلي” و”الدمازين”، فالصرف على الدفاع والأمن وتأمين البلد واجب، وهذا ما يحصل دائماً فلم تمارس أي ضغوط على الوزير بقدر ما هذا واقع الناس يتشاورون فيه.
{ ولكن هناك ولاة يعتقدون بأنك لم تتعامل معهم جيداً ولا تمنحهم ما تتطلبه ولايتهم؟
_ هل كل الولاة يقولون ذلك.
{ بالتحديد “عبد الحميد موسى كاشا”؟
_ ليس بيني وبينه أي عداء لأحرمه من حقه الولائي، فهناك أولويات وعلاقتي بـ”كاشا” ممتازة، وليس بيننا أي صراع أو خلاف.
{ على الرغم من علمكم بانفصال الجنوب ولكن مولتم الدورة المدرسية التي كان يفترض أن تقام بالجنوب بمبلغ ضخم.. فلماذا صرفتم هذا المبلغ وأنتم تعلمون بأن الجنوبيين غير راغبين في الوحدة؟
_ أنا كوزير مالية لم أدفع أي مبلغ لتمويل قيام الدورة المدرسية بالجنوب إلا يكون هذا النائب الأول “علي عثمان”.. وإذا عدنا إلى (“اتفاقية نيفاشا) فقد حسمت الأمر، فدولة جنوب السودان مسؤولة عن الجنوب (100%) والحكومة القومية مسؤولة عن القضايا القومية حتى الجيش الشعبي والشرطة في الجنوب لم تصرف عليهم حكومة الجنوب، فمسؤولية الجنوب البنيات التحتية، وهناك موارد تركت لهم، أما الموارد البترولية والإيرادات الجمركية والضريبية المتحصلة من الجنوب (50%) منها تأتي للحكومة القومية وحتى الــ(50%) رئيس الجمهورية قال خليناها ليهم بقرار منه لإقامة مشروعات تنموية، لذلك لا إيرادات ولا ضرائب بتأتي من الجنوب.
{ البعض يتحدث عن أموال البترول.. ويقال إنكم لم توظفوها التوظيف الصحيح؟
_ هذا الحديث غير دقيق (100%) وكمان ما خطأ، فموارد كان من المفترض ألا تدخل الميزانية ولكن أول ما دخلناها اعتمدنا عليها في الفصل الأول المرتبات، فكان على الدولة أن تسيير أمورها بنفس وضعها الذي كانت عليه قبل البترول، وموارد البترول تضخ في المشاريع التنموية في الإنتاج الزراعي والتصنيع الزراعي، وكان يمكن أن تكون فائدتها أكبر بكثير ولكن دخلنا البترول في الميزانية، فالنسبة التي مشت لأغراض زيادة الإنتاج وتنويع مصادر الاقتصاد كانت نسبة ضئيلة جداً، ولما خرج البترول من الميزانية كان الأثر على الاقتصاد صعب جداً، فمثلاً كنا نستورد كميات محدودة من القمح ومن المواد البترولية والسلع الغذائية، ولكن عندما بدأنا إنتاج البترول حدث انفجار في الاستهلاك وزيادة في شراء القمح والسيارات والأثاثات ولعب الأطفال والثياب النسائية والزهور، ونستغرب كم كانت تستورد الدولة زهور وبكم دولار في السنة؟.
{ ألم يكن هناك توجيه بوقف هذا الصرف البذخي؟
_ البعض كان يعتقد بعد البترول أن هذا شعب فقير وعانى كثيراً (ففكوها عليه شوية)، صحيح تم بناء بنيات تحتية كثيرة وطرق وجسور، وأخذنا قروضاً بضمان البترول من “الصين” وأخذنا قروض مقدماً بنينا بها الكباري والطرق ومحطات الكهرباء وكل الأشياء الجميلة التي ظهرت بعد إنتاج البترول، فكانت هناك نقاش في أروقة الاقتصاديين والمثقفين عن الأنسب هل تصرف موارد البترول فيما صرفت فيه أم يترك الشعب في وضعه القديم؟
{ وماذا رأيك أنت في ذلك؟
_ أنا رأيي يترك الشعب في وضعه القديم ويستفاد من موارد البترول في مشروع الجزيرة، فبعد الانفصال كانت ستكون لدينا صادرات ضخمة، كان وضعنا سيكون أفضل بكثير من الدول التي استخرجت البترول عندما وظفتها التوظيف الصحيح فكان من المفترض أن نركز على الزراعة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد السوداني، فتعلية “خزان الروصيرص” لا تعني كهرباء فقط يمكن أن تزرع مليون فدان، صحيح تحتاج لاستثمار ولشق الترع وقنوات، وكذلك “ستيت عطبرة” يمكن الاستفادة من توليد الكهرباء لكن أيضاً يمكن أن يستفاد من الأراضي الزراعية، فعندما نعمل السدود تكون الزراعة مصاحبة لها.. صحيح عملنا خطوة ولم نكملها في ترتيب الأولويات، ولكن تم قيام الطرق كطريق عطبرة بورتسودان، والفاشر الجنينة، وطرق فرعية، وطرق ربطت بأثيوبيا حتى قرورة، هناك أشياء كثيرة تمت من عائدات البترول، صحيح لمن يتم التوظيف الأمثل، فلو دعمنا المشاريع الزراعية كانت ستنعكس على ميزان المصروفات.
{ رئيس الجمهورية في مؤتمر صحفي قال ما عايزين نجعل من وزير المالية (تختة)؟
_ صحيح لأن وزير المالية لا يتخذ القرارات بمفرده، ففي زيادة المحروقات القرارات ندرسها على مستوى المؤتمر الوطني ثم نرفعها لأمانة القطاع للمكتب القيادي والحكومة، بعد دراستها تُرفع للجنة الفنية ثم إلى القطاع الوزاري وبعد ذلك لمجلس الوزراء الذي يرأسه رئيس الجمهورية، فتدرس المسألة في الحزب وفي الحكومة ثم تُرفع للبرلمان، لذلك ما في وزير يتخذ هذا القرار بمفرده.
{ ولكن البرلمان اعترض عليها؟
_ صحيح.. ولكن أجازها بعد ذلك لأننا وضحنا للناس ضرورة ذلك.. والريس حينما عقد مؤتمره قال لا نريد أن نتخذ من وزير المالية ساتراً وقال جوني ناس وقالوا لي خلي الحكاية دي يتحملها وزير المالية رفض، فسياسة الدولة يتبناها الرئيس بنفسه وقال في أكثر من مناسبة ما في زول يجي يقول لي سياسات “علي محمود” دي سياسات المؤتمر الوطني ودي سياسات الحكومة، فمن يتحملها معانا يتحملها وألما بقدر يطلع بره.. وفعلاً خرجوا ناس (الإصلاح الآن) وهذا واضح أنها سياسة دولة وحزب.
{ عندما حدث التعديل.. هل كنت كبش فداء؟
_ أبداً فنحن ضحينا بناس ماتوا، وهناك دماء رخيصة من أبنائنا فقدناهم، فقدنا المشير “الزبير محمد صالح” و”إبراهيم شمس الدين” وعدد كبير ماتوا في سبيل الوطن، فطالما أنت وزير وفي ظروف حساسة مثل ظروف السودان، فالجرائد تكتب عنك، فهذا دليل عافية بأن هناك حرية.
{ هل تعتقد أن الإعلام ظلمك؟
_ الحكاية دي مشت مع الفات، وأسأل الله أن يجعلها لي في ميزان حسناتي، ولو شتموني بدون وجه حق تكون كفارة لذنوبي وربنا أعلم بالسرائر، ولا أريد أن أقول الإعلام ظلمني وله ما ظلمني، ويكفي أن الناس الذين عملت معهم سواء في المؤتمر الوطني أو الحكومة، كان لدينا تيم من الفنيين وهناك أشياء إمكن أنا ذاتي ما موافق عليها، لكن في النهاية مطلوب من وزير المالية أن يقف أمام الناس ويقول كلامه والصحف تكتب وتصور، وهذا نوع من التنفيس واحد يكون زهجان عندما يقرأ ليه عمود بيشتموا فيه وزير المالية يكون مبسوطاً وما يخرج في مظاهرة، وأنا فهمت الموضوع في ذاك الإطار، والآن تركت الوزارة والصفحة انقلبت.
{ كم كان راتبك؟
_ إذا كان النائب الأول لرئيس الجمهورية أعلن في البرلمان عن راتبه بعد الخصومات والضرائب لم يتجاوز التسعة آلاف جنيه، قس على ذلك من هم أدنى منه.
{ بكم طلعت من المالية فوائد ما بعد الخدمة؟
_ نظراً لسياسة التقشف التي قادتها الدولة، فمعظم الوزراء بما فيهم أنا طلعنا بـ(42) ألف جنيه.
{ ولكن يقال لك منزل فخم؟
_ أنا لا أريد التحدث عن هذه المسائل.
{ والسمسار الذي أخذ العمولة؟
_ أيضاً هذا الحديث لا أريد تناوله.
{ قبل انفصال الجنوب الإخوة الجنوبيين كانوا يرون أن مال البترول وقسمته غير صحيحة.. وهناك أخطاء في بعض المعلومات؟
_ هناك مفوضية للبترول رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب جسمان مشتركان ليس رئيس ورئيس مناوب، بل مفوضية وتدار بشفافية تامة وحتى عام 2010م كان وزير النفط جنوبي “لوال دينق”، فمعلومات البترول كانت شفافة.
{ هل المالية مولت انتخابات 2010م؟
_ لقد توليت منصب وزير المالية بعد انتخابات 2010م، ولكن إي انتخابات تمولها الحكومة حركتها تحريك الصناديق كل عمل المفوضية تموله الحكومة والانتخابات جزء من عمل الدولة.
{ هل المالية مولت المؤتمر الوطني في تلك الانتخابات؟
_ المؤتمر الوطني له طريقته وأساليبه التي يحصل بها على قروشه.
{ ما الذي كنت تحمله وأنت داخل الوزارة؟
_ كنت أحمل الهم الوطني والقومي، والاقتصاد يحتاج إلى جهد ومازالت آثار خروج البترول مؤثرة على الميزانية، والموازنة العامة للدولة تحتاج أن نعمل عملاً كبيراً حتى يتعافى الاقتصاد السوداني ويتحول إلى اقتصاد نامي ويحقق الرفاهية للشعب السوداني.
{ ما الذي خرجت به من الوزارة؟
_ خرجت بتجربة كبيرة، فنحن محتاجون إلى مزيد من العطاء حتى يتغير الأشخاص.
{ الحكومة والشعب يشكون من الديون الخارجية.. فمن دائني السودان وكم وصلت تلك الديون حتى الآن؟
_ تعرف أن المؤسسات الكبيرة كـ(صندوق النقد الدولي) و(البنك الدولي) تسيطر عليهما “أمريكا”، و”أمريكا” لا تريد أن تحل ديون السودان، فديون السودان ليست من الصندوق فقط، فهناك عدد من الدائنين كـ”الكويت والسعودية والنمسا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية”، ولذلك أمريكا ولموقفها من السودان لا تريد الحل وتحاول من الصندوق والبنك وسائل عقاب عليه، وحتى تحل تلك الديون هناك شروط فنية لابد أن يستوفيها السودان.
{ مثلاً؟
_ أن تقوم الدولة بإجراء برنامج مع (صندوق النقد الدولي) بواسطة الموظفين بعمل هذا البرنامج والإجراءات الاقتصادية، ويقوم (صندوق النقد) بمراقبة هذه الإصلاحات كالبرامج الإستراتيجية لمكافحة الفقر وغيرها من البرامج الإصلاحية، ورغم أن السودان استوفى تلك الشروط لكن كل عام تتجدد عليه العقوبات.
{ كم ديون السودان الآن؟
_ أربعون مليار دولار، أربعة عشر مليار دولار هي الديون الرسمية، أما الباقي ففوائد وهناك دول لها أضعاف ديون السودان تمت معالجتها برضا الأمريكان.
{ كيف تنظر لمستقبل الاقتصاد السوداني في تلك الظروف؟
_ إذا تحدثنا عن الفرص والمعطيات المتوفرة هل في معطيات متوفرة، وهل هنالك عوامل متوفرة في الاقتصاد السوداني فالإجابة طبعاً نعم، فالسودان بأرضه ومويته وموارده البشرية والمادية والطبيعية ومشاريعه الزراعية، إذا تم التركيز على ذلك فنحن قادرون على إنتاج السمسم والفول السوداني والقطن وعباد الشمس والأخشاب واللحوم، ويمكن أن نزرع الأرز، إذا وضعت خطط سليمة سوف نحقق نتائج كبيرة في المجال الزراعي وغيره، فالمستقبل واعد بالنسبة للاقتصاد السوداني، ولابد من برنامج إصلاح هيكلي في الاقتصاد لنحقق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يقل عن (7%) ولمدة لا تقل عن عشر سنوات، وهذا يقود إلى تحسن الأحوال الاقتصادية في البلد، وتحسن في الأحوال المعيشية للمواطنين، وتحدث نهضة شاملة تشمل كافة نواحي الاقتصاد كما حدث في “تركيا” و”الهند” و”سنغافورة”.. ونحن الآن أمام مرحلة لإنتاج بترول وذهب وأشياء كثيرة يمكن أن نوظفها لصالح الإنتاج الزراعي.

 

 

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية