مسئول منظمة الشفافية الدولية لـ (المجهر)
الحصانات واستخدام النفوذ من أكبر مسببات الفساد بالسودان
ليس السودان وحده الذي يتهم تقارير المنظمة بأنها مسيّسة
الغموض في المناقصات والعطاءات الحكومية سبب اتهام السودان بالفساد
بدأت منظمة الشفافية الدولية في ممارسة دور تثقيفي توعوي لبعض دول العالم الثالث لاسيما الدول التي دائماً ما تأتي في ذيل قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، ودافع ممثل المنظمة “عبد النبي شاهين” عن الاتهامات التي تصوبها الدول للمنظمة وتتهمها بأنها تمارس دوراً سياسياً لا علاقة له بالمهنية. وقال أن المنظمة لديها معايير محددة لقياس نسبة الفساد في الدول ودائماً ما تصدر التقارير من ميزانيات الدول أو التقارير الصحفية التي تصدر عقب تقرير المراجع العام.
حوار- وليد النور-
نبذة تعريفية عن عملك في منظمة الشفافية؟
– أنا عضو في منظمة الشفافية الدولية التابع لإدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. مهمتنا تحديداً تشجيع الحكومات العربية على مكافحة الفساد وتشجيع منظمات المجتمع المدني في الدول العربية لبث ثقافة الشفافية والنزاهة وشرح مخاطر الفساد على اقتصاديات دولهم. بالإضافة إلى عمل ندوات وورش عمل لتدريب الناس وتثقيف المجتمعات العربية على محاربة الفساد. وفي السودان التقيت برئيس الجمهورية عدة مرات وكان محور الحديث دائماً هو ضرورة قيام الدولة بمحاربة الفساد لمعالجة الوضع الداخلي فيما يلي الفساد المالي والإداري، وأيضاً للعمل على تحسين صورة السودان في الخارج وفي تقارير منظمة الشفافية الدولية لأن السودان لأكثر من خمس سنوات مضت يحتل مراتب متأخرة جداً إما في ثالث أو رابع أفسد دولة في تقارير منظمة الشفافية، وهذا يعني أن الدولة يجب أن تقوم بعمل جاد لمحاربة الفساد.
{ ما هي النتائج التي خرجت بها من لقاءاتك مع رئيس الجمهورية خاصة وأنه ليست هنالك مفوضية مسجلة؟
– آخر لقاء كان مع السيد الرئيس قبل الانتخابات الأخيرة ووعدنا بإنشاء مفوضية لمكافحة الفساد عقب أداء القسم، وهذا يعكس جدية رئيس الجمهورية مجرد إعلانه لإنشاء هذه المفوضية وبصلاحيات واسعة حسب ما أعلن. هذا يعكس جدية الرئيس في محاربة الفساد ويؤكد على الإرادة السياسية للسيد رئيس الجمهورية والدولة في محاربة الفساد، ويجب أن يكون قانون المفوضية قوي ويتجاوز عقبة الحصانات الممنوحة للدستوريين وغيرهم من أصحاب الحصانات لتجاوز الفشل الذي وقعت فيه المفوضيات العربية لمكافحة الفساد.
{ ما هي المعايير التي تحددون بها درجة الفساد؟
– منظمة الشفافية الدولية لديها معايير معقدة في قياس درجات الفساد، أولاً هنالك 13 مؤسسة دولية تقوم بإجراء مسوحات اقتصادية تزود بها منظمة الشفافية الدولية بجانب مؤشر يسمى مؤشر مدركات الفساد، وهو ينبني على المعلومات التي يتم الحصول عليها من هذه المؤسسات ويعتمد على التقارير التي تنشرها الصحف في الدولة المعنية ويعتمد على تقارير المراجع العام في الدولة المعنية ويعتمد على استطلاعات الرأي والبيانات التي تصدرها الحكومات نفسها ويعتمد على قراءة للميزانية وما تخصصه لبند الصحة مثلاً مليار جنيه والخدمات مليار جنيه، يتم قراءة ما خصص من مبالغ مقارنة بما أنجز خلال السنة المالية.
{ إلى أي درجة توجيهات المنظمة ملزمة للدول؟
– ليست ملزمة ولكن الدول المانحة والصناديق الدولية وصناديق الخليج كلها تعتمد في تقديم المنح للدولة المعنية على مدى تصنيف هذه الدولة في تقارير منظمة الشفافية الدولية لأنها تخاف أن تذهب هذه الأموال إلى الفساد. وبالمناسبة مؤسس منظمة الشفافية الدولية البروفيسور “بيقن إيقن” كان مدير البنك الدولي في أفريقيا وبعد تقاعده أسس منظمة الشفافية الدولية، لأنه أثناء عمله في البنك الدولي يرى أن كثيراً من الأموال التي يخصصها البنك الدولي لدول أفريقية تذهب إلى جيوب المفسدين ولا تذهب إلى مشاريع التنمية. فتم تأسيس هذه المنظمة ووجدت الدعم من الأمم المتحدة وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة.
{ وأين مقر المنظمة؟
– مقر المنظمة في برلين ..
{ دائماً الحكومة السودانية تنظر إلى أي تصنيف يصدر من المنظمة بأنه سياسي؟
– ليس السودان وحده الذي يتهم منظمة الشفافية بالتسييس وعدم الحيدة.. عندما أصدرت المنظمة تقريرها قبل الأخير عن الفساد في دول العالم وكان السودان في المرتبة الرابعة من أفسد الدول صادف ذلك مؤتمر في عمان وكان رئيس المنظمة موجوداً وكنت مشاركا في المنصة فاعترضت على تصنيف السودان وقلت أنه ليس دقيقاً لأن حضارتنا ممتدة لأكثر من سبعة آلاف عام ولا يمكن وضعنا مع دول ليست لديها حكومات مثل الصومال أو تخوض حروب مثل العراق وأفغانستان وأن الأمر يحتاج إلى مراجعة، فقال إن تقارير المنظمة هي تقارير مهنية بحتة وأن الاحتجاج ليس من السودان فقط معظم دول العالم وقادة دول العالم تحتج على رئيس المنظمة ويعبرون عن احتجاجهم للتصنيف الذي وضع فيه بلدهم .. الفساد موجود في كل دول العالم حتى في ألمانيا التي يوجد بها مقر المنظمة والولايات المتحدة كل دول العالم بها فساد ولكن بدرجات، هنالك دول متقدمة جداً في الشفافية والنزاهة مثل الدول الاسكندينافية وهنالك دول في ذيل القائمة مثل الصومال وأفغانستان والسودان والعراق. وفي السودان الفساد لا يرتبط بنظام معين منذ عهد الحكومات الوطنية والفساد موجود في كل العالم ولكن في السودان يختلف من نظام إلى آخر ومنذ الاستقلال درجات الفساد تختلف حسب كل حكومة واجتهادها في محاربة الفساد. بالنسبة لقضية التسييس منظمة الشفافية لا علاقة لها بالسياسة وهي منظمة غير سياسية ولا مسيسة وتقاريرها مهنية بحتة ولكن معظم الدول تحتج لدى المنظمة وليس السودان.
{ أين أوجه الفساد في السودان
– بالنسبة للدول العربية معظمها أو ثلثي الدول العربية تحت خط الفساد في تقارير منظمة الشفافية. بما فيها دول الخليج والدول العربية. أوجه الفساد في السودان تتمثل في الغموض الذي يصاحب الإجراءات المتعلقة بالمناقصات الحكومية والعطاءات..
ودعنا نتحدث عن الفساد الملياري.. أوجه الفساد تتعلق بعدم الشفافية في العطاءات، والمناقصات الحكومية لا تتم بطريقة شفافة إطلاقاً. وتتعلق بالمشتريات الحكومية تذهب إلى جهات ولا تعلن على الملأ.. وتتمثل في تنفيذ الشركات مشاريع الدولة بطريقة غير مهنية وغير دقيقة بمعنى يتم إرساء عطاء لإحدى الشركات لإنشاء طريق وفي أقرب خريف يكون الطريق قد انهار. وأيضاً من أوجه الفساد في السودان ما تم نشره من قضايا وملفات مثل شركة الأقطان والأسمدة الفاسدة وخط هيثرو وهنالك ملفات كثيرة تعكس أوجه الفساد في السودان .
{ وهل استخدام النفوذ من أوجه الفساد ؟
– استخدام النفوذ من أسوأ أنواع الفساد في الدول والعربية بالذات في السودان .. واستخدام النفوذ من أبشع أنواع الفساد وهنالك الرشوة وتبديد المال العام والواسطة أيضاً.
{ ضعف القوانين هل يساهم في الفساد؟
– القوانين بصفة عامة في السودان جيدة لكن الخلل في التطبيق وهنا تظهر أهمية الإرادة السياسية لدى الدولة لمحاربة الفساد. بمعنى أن هنالك عدم التزام بالقوانين لا في المشتريات الحكومية ولا في العطاءات والمناقصات وتذهب إلى ذوي القربى والمحسوبيات.. القوانين جيدة ولكن هنالك ثغرات كبيرة في اللوائح الداخلية، والتلاعب في المال العام يتم بصورة بشعة لاسيما اللوائح الداخلية التي تضعها مؤسسات الدولة.. لأن اللائحة هي قانون ولكنه لا يخضع للرقابة لأنه يضعه الوزير مع موظفيه ليتم بموجبه تجنيب الأموال وصرف الحوافز وهنا يتم تبديد المال العام وصرفه في غير أوجهه. لذلك يجب على مفوضية مكافحة الفساد أن تصوب أعمالها لمراجعة اللوائح الداخلية لكل الوزارات ومؤسسات الدولة من منظور مدى مطابقتها لقيم الشفافية والنزاهة.
{ ما السبيل لتجاوز هذه الثغرات؟
– التصنيف المتأخر للسودان والتشوهات التي تصاحب حالة الفساد في السودان يمكن تجاوزها من خلال تقوية قانون مفوضية مكافحة الفساد، إذا كان قانون مكافحة الفساد قوي ويخدم أعمال وأهداف المفوضية فهذا يعبر عن الإرادة الحقيقة للدولة وليس بالكلام بل بالواقع. أهم خطوة يجب على قانون المفوضية أن تعالج موضوع الحصانات التي يتمتع بها أصحاب النفوذ لأن الشخص المتنفذ هذا سواءً كان أمنياً أو عسكرياً أو سياسياً أو برلمانياً هو يستمد قوته من الحصانة وعندما ترفع عنه الحصانة يصبح مواطناً عادياً يمكن محاكمته.. الحصانة في التشريع السوداني وضعت لتحصين الوظيفة وليس الموظف، والآن هنالك خلط في الحصانة والناس يحصلون على الحصانة لحماية أنفسهم ولممارسة أعمال الفساد دون محاسبة وتجاوزات دون محاسبة ولكن الحصانة في القانون هي للوظيفة وليست للموظف ولا يمكن أن يتمتع مسئول ما بحصانة وهو خارج أوقات العمل وفي بيته .. أنت خارج وقت العمل أنت شخص عادي والحصانة في مكان العمل فقط. الآن اللجنة التي شكلها وزير العدل لوضع قانون المفوضية تعمل على وضع قانون قوي، والآن عالجت هذه اللجنة موضوع الحصانات والآن الكرة في ملعب البرلمان إذا لم يتمكن من تمرير المادة الخاصة بالحصانة فهذا يشكك في وجود إرادة سياسية للدولة.
{ بالنسبة للجدية من خلال لقاءاتك مع الجهات ذات الصلة في تنزيل مسألة الشفافية؟
– أنا التقيت برئيس الجمهورية وهو أعلى سلطة في الدولة ورئيس الجمهورية يؤكد على وجود إرادة سياسية في الدولة لمحاربة الفساد، ومشروعه في المرحلة القادمة هو محاربة الفساد، يبقى على البرلمان أن يجيز المادة الخاصة بالحصانات في قانون مفوضية مكافحة الفساد لإنجاح المشروع وإلا فالبرلمان يكون قد أجهض مشروع الرئيس لمكافحة الفساد.
{ هنالك قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه هل يكفي؟
– هذا يقودنا لسؤال عن هياكل المفوضية وأنا تصوري الشخصي للمفوضية أن يتم تجميع النيابات الموجودة في الدولة .. نيابة الثراء الحرام والمال العام ونيابة المصارف وغسيل الأموال ونيابة حماية المستهلك تحت مظلة المفوضية لمنع تشتيت الجهود وتكون هذه النيابات بكوادرها وخبراتها تحت مظلة مكافحة الفساد بجانب تأسيس شرطة لمكافحة الفساد مثل شرطة المحاكم والنظام العام .. وشرطة مكافحة الفساد يجب أن تتلقى توجيهاتها من رئيس مفوضية مكافحة الفساد يعني تتبع إداريا للشرطة السودانية ولكنها فنياً تتبع لمفوضية مكافحة الفساد. أيضاً نيابة مكافحة الفساد تتلقى تعليماتها من رئيس نيابة مكافحة الفساد.. أيضاً التصور الذي قدمته للسيد رئيس الجمهورية يتضمن إنشاء محاكم متخصصة لمكافحة الفساد حتى يتم تسريع عمليات المحاكمة وبهذه الطريقة تكون قد أنشأت مفوضية لمكافحة الفساد تتمتع بصلاحيات واسعة وبنفوذ قوي لديها شرطة ولديها نيابة وهنالك دوائر قضائية مستقلة ومتخصصة في محاكمات الفساد. تكوين المفوضية بهذه الهيكلة يترجم إرادة سياسية حقيقية للدولة لأن منظمة الشفافية ستنظر في هياكل المفوضية ومدى تمتعها بالنفوذ والقوة وستنظر في آليات عملها.
{ كم من الزمن تحتاج تكوين المفوضية؟
– قانون المفوضية حسب اجتماعي مع اللجنة قبل يومين تم وضعه والانتهاء منه وسيتم رفعه لوزير العدل وبعد ذلك يحال إلى رئيس الجمهورية إلى إجازتها أو رفعها للبرلمان.. المفوضية الآن بعد وضع القانون سيتم وضع الهيكلة التي تحدثنا عنها قبل قليل وسيتم الإعلان عنها.
{ هل الحكومة الإلكترونية جزء من آليات مكافحة الفساد؟
– الحكومة الإلكترونية جزء مهم في عملية مكافحة الفساد ومعظم الدول العربية التي تقدمت في ملف مكافحة الفساد تقدمت لأنها أنشأت برنامج الحكومة الإلكترونية وقامت بحوكمة مؤسسات الدولة وأصبح كل شيء يتم عبر التقنيات الحديثة، هذا مهم وسيحدث في السودان ولكن ما يشكل ذلك في السودان هو عدم وجود بنية تحتية تقنية لهذا المشروع ولكن المفوضية ستبدأ عملها وعندما يتم بالتدرج الانتقال إلى مرحلة الحكومة الإلكترونية.