رأي

الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف (6)

على السيد المحامى

هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الإسلامية إنما هي دراسة لفكر (إخوان السودان( منذ النشأة إلى اليوم أعني بها الجيل الجديد خاصة الذي أتى الدنيا في عهد الإنقاذ أو قبلها بقليل موضحاً كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .
جاء  في أول خطاب للإنقاذ ما يلي:
 أيها المواطنون الشرفاء
 لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية، وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف هذا التدهور ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية فازدادت حدة التضخم، وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل واستحال على المواطنين الحصول على ضرورياتهم، إما انعدامها أو لارتفاع أسعارها مما جعل كثير من أبناء الوطن يعيشون على حافة المجاعة، وقد أدى هذا التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة في انهيار الخدمات الصحية والتعليمية، وتعطل الإنتاج وبعد أن كنا نطمح أن تكون بلادنا سلة غذاء العالم أصبحنا أمة متسولة تستجدي غذاءها وضرورياتها من خارج الحدود وانشغل المسئولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة، وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود بسبب فساد المسئولين وتهاونهم في ضبط الحياة والنظام. وجاء أيضاً
 أيها المواطنون الشرفاء قد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام مما أدى إلى انهيار الخدمات، وقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقدم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وافسدوا العمل الإداري، وضاعت على أيديهم هيبة الحكم وسلطات الدولة ومصالح القطاع العام).وإمعاناً في التضليل حول هوية الثورة جاء في نهاية البيان الآتي:(اليوم يخاطبكم أبناؤكم في القوات المسلحة، وهم الذين أدوا قسم الجندية الشريفة ألا يفرطوا في شبر من أرض الوطن، وأن يصونوا عزتهم وكرامتهم وأن يحفظوا للبلاد مكانتها واستقلالها المجيد، وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين لا طمعاً في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب الوطني الأكبر في إيقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية من الفتنة السياسية، وتأمين الوطن من انهيار كيانه وتمزق أرضه، ومن أجل إبعاد المواطنين من الخوف والتشرد والجوع والشقاء وقواتكم المسلحة تدعوكم أيها المواطنين الشرفاء للالتفاف حول رايتها القومية، ونبذ الخلافات الحزبية والإقليمية الضيقة، تدعوكم للثورة معها ضد الفوضى واليأس من أجل إنقاذ الوطن، ومن أجل استمرار الوطن موحداً حراً كريماً، عاشت القوات المسلحة حامية كرامة البلاد. عاشت ثورة الإنقاذ الوطني. عاش السودان حراً مستقلاً والله أكبر والعزة للشعب السوداني الأبي)تمشياً مع فكر الأنظمة الشمولية كان لابد من قيام أشكال ومؤسسات تشبه مؤسسات الأنظمة الديمقراطية، فكان قيام المجلس الوطني كجهاز تشريعي، وتم اختيار أعضاءه بالتعيين ولم تكتف ثورة الإنقاذ بذلك الجهاز التشريعي الكاذب فكل التشريعات تتم مناقشتها وإقرارها داخل كيان الحركة الإسلامية ثم تأتي للمجلس للإجازة، وهذا ما عهدناه في كل المجالس التي قامت في عهد الإنقاذ المعينة والمنتخبة انتخاباً شكلياً حتى المجلس الأخير الذي جاءت كل عضويته من المؤتمر الوطني عن طريق التزوير، ولكي تتحول ثورة الإنقاذ من نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي قررت إنشاء حزب جامع لأهل السودان سمته المؤتمر الوطني، وهذا هو نظام الحزب الواحد السائد في العالم الثالث، وفي الأنظمة الشمولية العربية. فنص في نظامه بأنه يسمح بتعدد المنابر داخله في محاولة لنقل التجربة المصرية بهذا الشأن، غير أنه فشل في ذلك تماماً (لأن السودان بقدر ما كان تاريخه حافلاً بعهود الظلم والاستبداد والقهر وكبت الحريات بقدر ما كان حافلاً بالديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، ومعلوم أن كبت حرية الإنسان السوداني وإن لم يستخدم العنف كطريق مشروع، كما نري الآن، فانه يقود إلى مقاومة سلبية تتمثل في عدم الاشتراك في التنظيمات الشكلية التي تنشئها الأنظمة الشمولية)المؤتمر الوطني وهو الاسم الجديد للحركة الإسلامية، كما بينا عند تحديد أو تجديد هيكل الحركة الإسلامية، بعد حل مجلس الشورى القديم بالكيفية التي بيناها فيما سبق، هذا من حيث الظاهر أما الحركة الإسلامية بشكلها الجديد ظلت قائمة غير معروفة العدد، وليست مسجلة كتنظيم سياسي أو دعوي أو غيره حتى الآن، وتعقد مؤتمراتها سراً من حيث المكان والزمان.   أصبح المؤتمر الوطني منذ ميلاده محلاً للصراع، وكانت مؤتمراته التي تعقد متباعدة من حيث الزمن لا تمر بسلام ومخرجاته تتم بصعوبة، وتطور الصراع داخله، وهذه هي طبيعة الأنظمة الشمولية وهي تحاول الخروج من عزلتها فتخلقٍ مزيداً من الكيانات والهياكل أو تعيد ترتيبها بقدر يسمح بالمنافسة الداخلية، أو يفتح مجالاً أوسع للمشاركة، وذلك لتقليل النظرة إليه باعتباره نظاماً سلطوياً، وعادة ما تدخله هذه التغيرات في تناقضات تعجل بفنائه، ومعلوم أن الأنظمة الشمولية التي تأتي بها الجماعات الدينية، والتي تستغل الدين لأغراض سياسية وخاصة الإسلامية منها تستعجل الأمور في الوصول إلى أهدافها التي جاءت من أجلها، أو التي وعدت بها وإذا ما طال انتظار الهدف عادة ما ينشب نزاع داخل النظام الشمولي أو المنظمة العقائدية التي تديره ويكون الصراع واضحاً بين الشيوخ والشباب كما نراه الآن. وهو في حقيقته ليس صراعاً فكرياً ،ولكنه صراع من أجل الوصول إلى القيادة أو الإحساس بفقدان القيادة أو ترهلها، وإن كان يأخذ شكل الصراع الفكري، الأمر الذي يجعل الأنظمة العقائدية التي تديره تراجع الخطة من وقت إلى آخر، للإسراع بها قفزاً فوق المراحل، وذلك لإسكات القيادات الشابة التي عادة ما تجنح في نقدها للقيادة التقليدية،  رغم وفاءها لها، وذلك من أجل إفساح المجال لها في المشاركة أو تسليمها القيادة. وهذه الجماعات معروفة بأنها لا تعترف بخطأ ولا تؤمن بالنقد الذاتي لذلك تلجأ إلى تصفية خلافاتها الداخلية بصورة حادة، قد تصل إلى درجة التصفية الجسدية والتكفير، لهذا لما ضاقت الحركة الإسلامية بالحزب الجمهوري، وهو الحزب الوحيد الذي كان ينافسها ويهدد بقاء الجبهة الإسلامية، قررت تصفية مفكره الأستاذ الشهيد “محمود محمد طه” جسدياً، وذلك بوصمه بالردة والخروج عن الإسلام في محاكمة صورية، قال القضاء، أخيراً،  بعدم صحة الحكم فيها، بعد أن فارق المرحوم “محمود محمد طه “الحياة. وكانت محاكمة “محمود محمد طه “هي بداية حقيقية للتصفية الجسدية بين الجماعات الإسلامية في السودان، ومؤشراً خطيراً للعنف في العمل السياسي، ورأيي أن “محمود محمد طه” لم يقتله نظام نميري، إنما من قام بقتله حقيقة هم جماعات الجبهة الإسلامية القومية تنظيماً وقضاءً، وتنفيذاً، فقد استغلت الجبهة الإسلامية نظام نميري للقضاء على خصومها السياسيين الحقيقيين، خاصة في الحركة الإسلامية، ولتبرير أخطائها أو فشلها تعتمد على القدريات والإرهاب الفكري، والحديث عن الخروج عن الملة والابتلاءات وغير ذلك من التبريرات غير المنطقية . .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية