رأي

الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف (3)

على السيد المحامى

هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الإسلامية، إنما هي دراسة لفكر (إخوان السودان) منذ النشأة إلى اليوم، أعني بها الجيل الجديد خاصة الذي أتى الدنيا في عهد الإنقاذ أو قبلها بقليل موضحاً كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .  الحركة الإسلامية والانقلابات العسكرية
وللتاريخ أن فكرة الاستيلاء على السلطة بالقوة كانت فكرة قديمة عند الإخوان المسلمين، ففي فترة ما قبل الاستقلال كانت حركة الإخوان المسلمين ضعيفة، بالمقارنة بالأحزاب السياسية الكبيرة فتملكهم اليأس إلى الحد الذي فكر فيه “الرشيد الطاهر بكر”، ووقتها كان المراقب العام للإخوان المسلمين أن يرشح نفسه في قائمة حزب الأمة في انتخابات 1956، إلا أن طلبه هذا قوبل بالرفض ولما تمكن اليأس منه فكر “الرشيد الطاهر” مرة أخرى في التخطيط لانقلاب عسكري ضد الفريق “عبود”، غير أن الانقلاب فشل وحوكم فيه “الرشيد” بخمس سنوات سجن، وفي فترة سجنه انتقلت قيادة الإخوان للصادق عبد الله عبد الماجد. الجدير بالذكر أن “الترابي” كان ضد فكرة الانقلاب العسكري التي خطط لها “الرشيد الطاهر”، وهذا يعني أن فكرة الانقلاب العسكري والاستيلاء على السلطة بالقوة كانت فكرة قديمة  عند الإخوان المسلمين، ويبدو أن هذه الفكرة التي بدأت بذرتها الأولى عند “الرشيد” اقتنع بها “الترابي” بعد عقود من الزمان بعد أن أصبح هو المرجعية الفكرية للإخوان المسلمين.  يقول “حيدر طه” في مؤلفه (الإخوان والعسكر) يصف الطريقة التي أتى بها “الترابي” لقيادة الإخوان المسلمين (قد وصف عهد الترابي مابين 59-1964 بعهد الكمون الأول حين فزعت الحركة إلى حذر بالغ دون أن تلاقي أي ابتلاء، وانفعلت انفعالاً شديداً وكمنت كموناً حاداً حتى جمدت نفسها،  وانتقلت للانفعال بالأحداث  مرة أخرى وإلى الطلاب في جامعة الخرطوم وصادف هذا الانفعال عودة قيادات جديدة إلى الانضمام إلى الحركة بعد غياب دام أكثر من أربع سنوات في الخارج، كان ضمن العائدين الدكتور “حسن الترابي” الذي نال دبلوم الدراسات العليا ثم الدكتوراه  في القانون العام المقارن سنة 1964، وعاد ليواصل عمله محاضراً فعميداً لكلية القانون بالجامعة كان من ضمنهم الدكتور “جعفر شيخ إدريس” الذي أكمل دراسته لنيل الدكتوراه في الفلسفة بانجلترا .
           هذه القيادة الجديدة جاءت تحمل معها الأسئلة الصعبة عن التنظيم وماهية الحركة؟وهل تكون القيادة فردية أم جماعية، وهل الحركة هيئة للضغط السياسي أم حزب يسعى للسلطة؟وهل للحركة الحق أن تستخدم القوة أم هي دعوة بالحسنى؟ وطرحت لأول مرة قضية العلاقة بالسياسة والأحزاب السياسية الأخرى .
انتهت هذه المسائل الصعبة إلى إجراء تغييرات في شكل القيادة، كما جرت مراجعات دستورية مست التفاصيل التنظيمية، وكان عهداً جديداً للحركة قد بدأ بعد ثورة أكتوبر 1964، فقد لمع نجم الدكتور “حسن الترابي” لأول مرة لدورة في ندوة عن مشكلة الجنوب بهجومه السافر ضد الحكم العسكري ودعوته لعودة الحرية والديمقراطية وحكم الشورى، ومن ثم انتخابه في ديسمبر 1964 أميناً عاماً لجماعة الإخوان المسلمين وجبهة الميثاق الإسلامي وهو لم يتجاوز (33) عاماً من عمره .
مبررات المصالحة مع نظام “نميري”
وهناك من يرى أن فكرة الانقضاض على النظام  من قبل الجبهة الإسلامية القومية أياً كان نظام الحكم بدأ  من 1985 أي في عهد الديمقراطية، حيث أن فكرة الاستيلاء على السلطة عنوة ترسخ في فكر “الترابي” منذ زمن بعيد على الأقل منذ أكتوبر 1964، حيث يقول “الرشيد محمد إبراهيم”: (التفكير بالأعداد للعمل العسكري بدأ عقب فشل العمل المشترك مع الأحزاب (فيما عرف بالجبهة الوطنية) والتي كونت لإسقاط نظام مايو في العام 1976، القرار كان هو قرار الحركة الإسلامية ممثلة في مكتب شورى الحركة الذي فوض الأمين العام د.”حسن عبد الله الترابي” بالإشراف والإعداد لهذا العمل العسكري بغرض الاستيلاء على السلطة على أن يستعين “الترابي” بستة من أعضاء مجلس الشورى كمساعدين في أداء هذه المهمة وهم (يسن عمر الإمام –عوض الجاز – علي عثمان –  علي الحاج – إبراهيم السنوسي- عبد الله حسن أحمد) بمساعدة التنظيم الخارجي للعمل العسكري بقيادة “عثمان عبد الوهاب”. وكان التنظيم جاهزاً لإحداث الانقلاب العسكري في العام 1985 بعد اعتقال قيادات الحركة في سجن كوبر إبان نظام مايو، إلا أن قيام الانتفاضة أوقف التنفيذ كما كانت هنالك بعض الكوادر المسؤولة عن الإشراف على هذا التنفيذ مثل “محمد أحمد الفشاشوية” –علي كرتي -علي الروي –محمد حسن المقلي –عمر عبد المعروف.  يقول “الرشيد محمد إبراهيم” إن ساعة الصفر الأولى كانت عام 1985والثانية في 22يونيو 1989 والثالثة 30/يونيو 1989 فكانت الأخيرة . قلت إن فكرة الإتيان للسلطة بالقوة فكرة قديمة عند الحركة الإسلامية، وعند “الترابي” بصفة شخصية، ونسبة لتأثير “الترابي” على فكرة الحركة الإسلامية تحولت الفكرة لعقيدة سياسية راسخة في ذهن كثير من قادة الحركة الإسلامية، خاصة بعد أن عانوا من السجون والمعتقلات في الأنظمة الشمولية، أثناء مشاركة الحركة في نظام نميري، تمكنت من تجميع خلايا العسكريين بصورة سرية استعداداً للانقلاب على الحكم في أي وقت وتكونت لهم القوة الكافية للانقلاب على السلطة، خاصة بعد أن حققوا مكاسب كبيرة بعد إعلان الشريعة، وتمكنهم من توجيه النظام برمته نحو أهداف الحركة الإسلامية، لما قامت الانتفاضة في أبريل 1985، كان قادة الحركة في السجون  وكان من بينهم “الترابي” لهذا لم يكن للحركة الإسلامية أي دور في انتفاضة أبريل 1985، غير أنهم استفادوا من الضباط الكبار الذين تم تجنيدهم لصالح الحركة الإسلامية في تكوين مجلس الثورة مثل المشير “سوار الدهب” الذي كان عضواً في الحركة الإسلامية وكذلك الدكتور “الجز ولي دفع الله” .

الجبهة القومية الإسلامية
بعد الانتفاضة وعودة الحياة الديمقراطية قررت جبهة الميثاق الإسلامي، وكان هذا هو الاسم السياسي للحركة الإسلامية التوسع نحو المجتمع واستقطاب القوى المتدينة من الطرق الصوفية وبعض البيوتات الدينية، ولمزيد من العمل الجبهوي قررت أن تتحول إلى الجبهة الإسلامية القومية كما بينا استعداداً للانتخابات القادمة، وهي في نفس الوقت كانت تخطط للاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلاب العسكري،  إلا أن الضربات التي أصابت الحركة في أيامها الأخيرة من قبل نظام نميري لم يمكنها من ذلك. لقد كانت فكرة الانقلاب العسكري مخمرة في فكر الحركة حتى بعد عودة الحياة الديمقراطية عام 1985، ولأسباب كثيرة تم تأجيل الفكرة حتى عام 1989. وفي هذا يقول “الرشيد محمد إبراهيم”: (بدأت الحركة في التحول إلى المجتمع في فترة الديمقراطية والحريات، فانتقلت من تنظيم نخبوي إلى تيار شعبي عريض هو (الجبهة الإسلامية القومية) الذي جاء تكوينها بميدان عبد المنعم بالخرطوم (2) وترأس جلستها البروفسير “التجاني حسن الأمين”. وفي هذه المرحلة مدت الحركة أواصر التواصل مع قطاعات المجتمع، وبهذا الاسم الجديد خاضت الحركة الإسلامية الانتخابات وحصلت على (50) معقداً عن طريق التزوير بواسطة دوائر الخارج، واكتسبت بذلك الموقع الثالث في البرلمان، ولكنها كانت تعلم أن هذا كسب غير حقيقي تم عن طريق التزوير، وأن مصيره للزوال، فقررت الانقضاض على الديمقراطية بحجة تضافر الأحزاب عليها لإخراجها من الحكم، فكان انقلاب 1989 الذي نفذه المكتب التنفيذي للجبهة الإسلامية القومية. يقول “الرشيد محمد إبراهيم”:  (يجدر بنا أن نشير إلى أن إمارة الإخوان داخل الجيش، حسب الأقدمية العسكرية، هم:
1/ اللواء الهادي مأمون المرضي –أحيل للتقاعد أيام نميري  2/ العميد طيار /مختار محمدين –استشهد في سماء الناصر بطائرته في فترة الديمقراطية الثالثة  3/ العميد عثمان أحمد حسن –تم استبعاده لأنه اشترط أن يكون ولاؤه للجيش بعد التنفيذ، وليس للحركة الإسلامية  4/ العميد عمر حسن البشير –تولى أمر تنفيذ ثورة الإنقاذ الوطني)  العضوية الملتزمة من الإخوان في مجلس قيادة الثورة) 1/ عمر حسن أحمد البشير 2/ الزبير محمد صالح 3/ عثمان أحمد حسن 4/ فيصل مدني مختار 5/ محمد الأمين خليفة 6/ إبراهيم شمس الدين – ساعة الصفر الأولى -1985 وساعة الصفر الثانية 22 يونيو 1989 – ساعة الصفر الثالثة 30/يونيو 1989.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية