النقد مقابل الحياة
حزنت وتمزقت نياط قلبي والأسافير والصور المتداولة على الوسائط التي صارت إعلاماً لحظي المتابعة حاضر التفاصيل ينثر على المدونات صور الأشلاء والجثث لعشرة أو خمسة عشر مواطناً سودانياً قضوا في حادث سير عصر (الأحد) بالكيلو 215 نتيجة تصادم حافلتين (هايس) وجهاً لوجه إحداهما قادمة من مروي والأخرى من الخرطوم. كم من عائد لهؤلاء الذين قضوا لن تكتحل عيناه بأم أو شقيق وكم منهم مات وفي النفس بعض عجلة لقضاء غرض وأداء واجب وإتيان مكرمة أهدر إثباتها بعض السائقين الذين ظل التهور والــ(لا) ضمير غاية علمهم وهداهم حينما يظنون أن الطيران بالسرعة يعني آخر الأمر تحصيل وفير النقد من الأيادي المتعبة، إنه مفهوم (النقد مقابل الحياة) الذي يجعل البعض يتجاوز في السرعة ويتخطى المحطات بتكسير الرقاب من أجل لعاعة من عائد النقل والترحيل.
لم يكن هذا هو الحادث الأول ولن يكون الأخير ففي كل منعطف وزاوية طريق تقف شواهد الموتى والشهداء وكأنما مساحات هذا الوطن لا تكتمل إلا وقد غدت مشربة بنجيع الدماء! فمن لم يمت بسيف النضال وغدره مضى مسحوقاً بين الإسفلت والحديد وبأس الطرقات الشديد، وكل حادث سير يمضي وينتهي إلى معلوم القانون ومخرج طوارئ بحجية (التأمين) الذي يعني أن لكل سائق مركبة عرضاً أو بإهمال أن يدق عنق من يشاء وينتهي به الأمر بالخروج وضاح المحيا طلق الوجه والضمير طالما أن شركات التأمين ستحضر في عرس الجنازات تمارس نظرية (تلتو ولا كتلتو)، فينال المصاب ولو كان ميتاً نقداً شحيحاً بعد أن يغمس في بيروقراطية الموظفين وجدل المحامين الذين سيثبتون في كل حادث أن القتلى من ارتطموا من تلقاء أنفسهم بالمركبات!!
إن هذه الفجائع لن تتوقف أو تقل في الحد الأدنى أن لم تتشدد القوانين في كل شيء إذ لا يكفي أن يحوز أحدهم رخصة ثم يخرج يتمطى ثاني عطفه يدخل الطرقات والمدينة على حين غفلة من أهلها وشرطتها فيرتكب الحادث والحادثين، ولا يقيد الأمر في سجله أو توفر مراصد اليوميات أن الشخص المعني يستحق سحب الرخصة، وقد رأيت قبل يومين في الحي الذي اقطن أحد الذين حولوا لحظة إفطار رمضاني إلى مأتم عريض حينما دهس في رمضان جمهرة من الصائمين لحظة الإفطار فقتل بعضهم وأصاب البقية ثم ويا للعجب يندفع الآن بذات التهور على الطريق المتهالك لأن سراحه قد أطلق بحصانة الرخصة وشفاعة التأمين.
إن على بعض السائقين أن يتقوا الله في أرواح المواطنين، وعلى السلطات الشرطية التشدد حد التطرف في ضوابط واشتراطات منحهم صلاحيات القيادة خاصة على الطرق السريعة والخطوط الطويلة، هذا فضلاً عن شروط السلامة الفنية للمركبات نفسها إذ أثق أن كثيراً من الفجائع التي وقعت ثمة إشكالات في السيارات نفسها لأن الترخيص نفسه يبدو وكأنه في فهم السلطات حصالة للنقد والتحصيل أكثر من كونه حماية للسائق والراكب ومستخدم الطريق.