حوارات

رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة "هاشم هارون" لـ(المجهر):

* أنا الآن… خارج أي منظومة حتى الحركة الإسلامية
* توزيع الحكم على أساس قبلي أدخل السودان في نفق مظلم!
* إغراءات السلطة أضعفت الحركة فلم تعد متشبعة بالمبادئ الإسلامية
* بعض السياسيين لا يتفرغون للتكليف وإخلاص النية هو أساس النجاح
حوار { أمل أبو القاسم
بالرغم من أن الأستاذ “هاشم هارون” رئيس اللجنة الأولمبية رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ووزير الثقافة والشؤون الاجتماعية سابقاً، بالرغم من أنه ولد فكرياً من لدن الحركة الإسلامية وانخرط فيها بكلياته عقب إنهاء هجرته من “المملكة العربية السعودية”، وهو ينشد دفع عجلتها مع القائمين بأمرها، إلا أن ثمة ما يشي في حديثه بأنه ناغم عليها وغير راضٍ عن كثير من الأمور التي يعتقد أنها غيرت مسيرتها التي عهدها في بداياتها، والتي استطاعت تحوير فكره وانتمائه الذي بدا يسارياً حد ولعه بقراءة صحيفة (الميدان) في بواكير صباه، بيد أنه سرعان ما انقلب على عقبيه بانضمامه إليها مناهضاً لحكم العسكر، وقد شهد أحداث شعبان وقاد إبان عضويته في إتحاد جامعة الجزيرة كثيراً مما هو على شاكلة ذلك.
في حواره مع (المجهر) تطرق الوزير الأسبق للرياضة والثقافة والشؤون الاجتماعية لموضوعات متباينة بحكم تقلده لوزارة كانت وقتها تنضوي تحتها أربع وزارات من التي تفرقت أيدي سبأ الآن، فكان الحديث ثراً طاف فيه متحسراً على الماضي ومتطلعاً لغد أفضل وفق معايير معينة يجب أن تتبع وهو لا ينفك يرجع
كثير من الأمور لثغرات ومؤاخذ حسبها على نظام الحكم وأن المحاصصة والمجاملات والنعرات هي التي فتكت به وإن استمرت فستقود البلاد إلى نفق مظلم.. كل هذا وغيره خلال عبر هذه المساحة..

{ بطاقة تعريفية؟
–    “هاشم هارون أحمد” من شمال السودان محلية (مروي) قرية “السدر”، وبحكم عمل الوالد تنقلنا في عدد من المناطق منها السجانة وانتقلنا منها للشمالية ثم عدنا لمدينة “ود مدني” في الفترة 1961م – 1974م بعدها رجعنا الخرطوم.
{ أين كانت الدراسة؟
–    درست في “الفاشر” ثم مدرسة (الهوارة الثانوية) بمدينة “ود مدني”، انتقلت لدراسة الجامعة بـ”القاهرة” كلية الآداب والدراسات العليا في التربية جامعة (أم درمان الإسلامية) والماجستير في جامعة (الجزيرة)، وعملت معلماً لفترة طويلة داخل وخارج السودان وفي الخرطوم، وبعد تخرجي عملت سنتين في مدرسة (القولد الثانوية) بالولاية الشمالية، ثم مديراً لمدرسة خاصة بعدها اغتربت لمدة ثماني سنوات بـ”المملكة العربية السعودية”.
{ كيف ومتى دخلت معترك السياسة.. وثمة حديث يقول إنه كانت لديك ميول يسارية قبيل الانخراط في الحركة الإسلامية؟
– نعم في بداية المرحلة الوسطى ونحن شباب كانت لدي ميول يسارية حد أننا كنا من قراء صحيفة (الميدان) وقتها، وفي المرحلة الثانوية انخرطنا في الاتجاه الإسلامي وحركة الأخوان المسلمين، وشهدنا أحداث (شعبان) التي كانت ضد نظام “نميري”.
{ كنتم ضد أم مع؟
ـ كنا ضد.. ووقتها كنت عضواً في الإتحاد بجامعة (الجزيرة) وشكلّنا معارضة للنظام القائم.. ويمكن تأثرت بشقيقي السفير “خضر هارون” واستمريت في الحركة الإسلامية حتى الآن.
{ كيف دخلت السلطة التنفيذية؟
ـ بعد قيام ثورة الإنقاذ 1989م عدت عودة طوعية لأساهم في دفع برامج الثورة ومن هنا كانت البداية باللجان الشعبية، وأصبحت رئيساً منتخباً لبلدية الخرطوم، بعدها انتقلت إلى “كسلا” أميناً عاماً لمحليتها، أيضاً محافظاً لمحافظة “كوستي”، ومنها محافظاً لـ(ديوان الحكم الاتحادي)، ثم محافظاً للخرطوم و”جبل أولياء”، ثم وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية في الفترة من 2001 ـ 2006م، بعدها رئيس المجلس الأعلى للرياضة بدرجة وزير من العام 2006م حتى العام 2010م.
ووقتها كنت فقدت الرغبة في مواصلة النشاط السياسي، بجانب أنه من بدري كانت لدي اهتمامات رياضية، لعبت لفريق رابطة مدني جنوب “الوادي” ثم فريق “الشعلة” سنار، وحتى وقت قريب كنت أمارس الرياضة كهواية.
{ حدثنا عن تجربتك في الحركة الإسلامية والمناصب التنفيذية التي شغلتها؟
– حقيقة تأثرت في بدايات المرحلة الأولى بالحركة الاشتراكية والطبقات الكادحة سيما أننا لم نكن من أسرة غنية نهتم بحقوق الغلابة، وكنت أعتقد أنه وبعد الإطلاع على الفكر الإسلامي والحركة الإسلامية وجدت أن الإسلام اهتم بهذه الشرائح.
الحركة الإسلامية في بداياتها كانت حركة قوية، حركة يسودها تماسك قوي ومشبعة بمبادئ وقيم الإسلام، عشنا فيها فترات كانت مقاربة بين السلطة، أستطيع أن أقول الحركة الآن ليست كتلك التي دخلناها وتشربنا بقيمها وأفكارها خاصة بعد دخول السلطة كعامل إغرائي.
{ كيف ذلك.. وفي أي الأمور ترى التباين؟
ـ عندما كنا في الحركة الإسلامية كانت الأمور كلها تكليفاً وطاعة وليس هناك أي جانب مرتبط بالسلطة أو المنصب أو الجاه، لكن بعد التجربة ودا أمر طبيعي بدخول الحركة الإسلامية في الناحية السياسية وتشعبها بانضمام عناصر وأجيال جديدة صنعت فارقاً بين قوة الالتزام الأول وقوة التأثير الإسلامي نفسه على الشخص، والعوامل الأخرى أضعفت عوامل السلطة وطلب المكانة أثرت تأثيراً سالباً، نحن إلى الآن ما زلنا نعتقد أن الإسلام هو دين الخاتم وهو المخرج لكثير من الأمور.
{ إلى أي من التيارات الإسلامية تنتمي؟
ـ أنا الآن خارج المنظومة وحتى الحركة الإسلامية بمفهومها التنظيمي أنا خارجها بقناعات شخصية ومبررات، صحيح الإنسان لابد أن يكون داخل في جماعة لكن أحياناً تختلط الأمور.
{ ثمة مساعٍ في الفترة الأخيرة لتوحيد الإسلاميين إلى أين وصلت؟ وأين موقعك منها؟
– ليست لدي عنها فكرة، أنا أسمع أو اقرأ لكن يفترض المسألة ما تبقى توحيداً فقط  لكن على أي قاعدة يوحد الإسلاميون، كما أعتقد أن التجربة التي مرت بها الحركة الإسلامية وتجربتها في الحكم وبمنظومة كالعالمية لابد أن تكون قد استفادت من ذلك ورتبت نفسها على التعامل مع كل المتغيرات وكل الظروف.
{ هل تعتقد أن التشعب والتشظي ودخول أطراف جديدة والصراعات داخل تيار الحركة الإسلامية أثرت على طريقة وسير الحكم؟
{ طبعاً الحكم نفسه من أهم العوامل التي أدت إلى الانقسام وربما الحركة انقسمت إلى أربعة، وبعد الخلاف بين الشيخ “حسن الترابي” والدولة ممثلة في الرئيس وسبب الخلاف في الأصل على السلطة، وما أعيبه على الطرفين أو الأطراف أنه كان ينبغي أن يكون الحكم على المسألة وفقاً للنظم والمبادئ التي يتعامل بها الناس ولا تنحصر في الصراع على السلطة، لذلك أعتقد أن موضوع الوحدة لابد من دراسة الأسباب والعوامل التي أدت إلى انقسام الإسلاميين والعمل على تلافي ذلك حتى لا يؤثر مستقبلاً وحتى تكون وحدة مبنية على أسس قوية يحترمها الجميع.
{ الانقسام أصبح ديدن الأحزاب وليس قاصراً على الحركة الإسلامية فكثير منها انقسمت وتشتت وتناحرت؟
–    نعم.. كل الأحزاب تشظت وتشتت ودخل عامل وأحسبه أخطر العوامل وهو العامل القبلي والجهوي والتطلع إلى تولي المناصب الذي أصبح هدفاً وغاية، لذلك الآن حتى التحالفات قائمة على المحاصصة وعلى اقتسام السلطة أي كان وزنها أو حجمها وقوتها، وبعضهم يحمل السلاح وفي النهاية لما يقبل يحسب كم نصيبه من هذه العملية، وهذا يضعف السلطة ويضعف السودان، لأنه وفي ظل القبائل والتنوع والتعدد القبلي لا يمكن إرضاء جميع الناس أو تقسيم السلطة، ولما تقسم بهذا الشكل تصبح سلطة مقسمة على أساس هش وضعيف دون النظر للكفاءة أو القدرة، ولابد أن يعود الناس للمواطنة ونحن كسودانيين طالما هناك تباين عرقي ديني وقبلي لابد أن تكون المواطنة هي الأساس باعتبارنا سودانيين ثم بعدها يتنافس الناس حسب مقدراتهم ومؤهلاتهم وكفاءاتهم وهذا هو المخرج.
{ حسناً.. لكن ألم تستفد أنت سيما أن دراستك وعملك كمعلم لا علاقة لهما بالمناصب التي شغلتها في السلطة التنفيذية؟
– أنا استفدت لكن لماذا؟ لأني أصبت نجاحاً في المواقع المتعددة التي شغلتها وذلك لأسباب منها محاولتي أن أكون للجميع حتى في اختيار المعاونين والوظائف، وفي الاختيار حاولت بقدر الإمكان النأي عن الاستقطاب الحزبي أو الحركة على اعتبار أن الكفاءة هي المعيار، ثانياً أنا كُلفت بعدد من هذه المناصب ووظفت كل طاقاتي وجهدي حتى أقوم بالدور المطلوب مني، بيد أن هناك من تغلب عليه المسألة السياسية ولا يتفرغ لما كلف به وإعطاء المنصب حقه، وأفتكر أن إخلاص النية في أي من الأعمال هو أساس النجاح ولا شك أنني استفدت الكثير خاصة التنوع فيما شغلته من مناصب. حقيقة فقد أضاف ليّ الكثير لكن في النهاية كنت من الرافضين وحتى الآن لتسييس الأمور، وحتى الخدمة المدنية وما أصابها من خلل كان أيضاً لمحاولات التسييس إعطاء الفرصة ليس للكفاءة إنما للانتماء، وهذا يجعل الكثيرين يدخلوا المنظومة دون تأهيل لذلك طمعاً في منصب وموقع، حتى في الجانب الرياضي وأنا وزير للشباب والرياضة كنت من أكثر الذين يقفون ضد تسييس الرياضة باعتبارها أن آوى إليها الناس بسبب فرارهم من السياسة وما فيها من مسالب.
{ في الآونة الأخيرة ظهرت نعرات دعك من الولايات حتى في الخرطوم بدأت هذه النعرة في الظهور.. إلى ماذا تعزي ذلك؟
ـ السودان كان بلداً واسعاً وكانت القبلية فيه ضعيفة رغم نظامه القبلي، لكن زمان كان لدينا الكشف الموحد للموظفين والضباط الإداريين، والمعلم يؤتى به من أقصى الشمال كيما يشتغل في أقصى الغرب ويحتك بالناس، الآن وبمجرد ما وزعنا السودان ووزعنا السلطة على أساس قبلي ظهرت من جديد، والسودان به أكثر من 500 قبيلة وداخلها كم فرع، وبالرجوع للإنسان السوداني نجده مجموعة من القبائل ما في شخص خالص، الآن التوجه القبلي في التقسيم الجديد يتم تداركه لأنه ثبت بالتجربة أن تقسيم السلطة على أساس قبلي هو الذي أدخل السودان في هذا النفق المظلم، وهذا أيضاً يحتاج إلى عمل ثقافي تسخر له كل أدوات الثقافة من (مسرح.. شعر.. دراما)، ولابد أن يوظف بصورة منهجية لمحاربة هذه النعرات، ونحن لا نقول ليست هناك قبائل، لكن قبلية ليست متعصبة لأنه ممنوع حتى في الدين، وأعتقد أنها  واحدة من المهددات الكبيرة للسودان.
{ إذن فلنعرج على منصبك السابق وأنت وزير للثقافة والشؤون الاجتماعية.. لكن قبيل الخوض في ذلك ألا تعتقد أن الثقافة مدخل للسياسة.. وأن كثيراً من الدول تضع ذلك نصب أعينها ولكن هنا لدينا العكس؟
ـ صحيح.. كان يقول أخونا “عبد الحليم” وهو يتمتع بعقلية متوازنة يعتقد أن مدخلنا للسياسة ينبغي ألا يكون بالشعارات إنما بالتنمية سوى بشرية أو تحتية وهو ما يستقطب الناس، لكن لا يمكن أن تقوم سياسة دون أدوات، والثقافة والرياضة إحدى أقوى أدوات العمل السياسي، وإذا أهملت سنجد عملاً سياسياً ضعيفاً فقط في شكل مبانٍ وليست معاني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية