مسألة مستعجلة
ذكرى رحيل “قرنق”
نجل الدين ادم
تمر اليوم الذكرى العاشرة لرحيل قائد الحركة الشعبية دكتور “جون قرنق “دي مبيور” الذي لقي حتفه في تحطم طائرته في طريق عودته من يوغندا إلى جنوب السودان في ظروف اكتنفها الغموض، مياه كثيرة جرت تحت الجسر ومتغيرات كبيرة طرأت على الساحة منذ ذلك الوقت، انشطر السودان الكبير إلى اثنين وذهب الجنوبيون إلى سبيل حالهم دولة وليدة بعد أن صوتوا لصالح الانفصال بنسبة (100%).
“قرنق” عرف عنه بأنه كان وحدوياً ينشد الوحدة في كل تصريحاته كخيار أفضل، وفي مثل هذا اليوم يعيد الناس سؤالاً راتباً .. كيف كان سيكون مصير السودان الكبير لو قدر الله للراحل قرنق أن يظل حياً يرزق؟.. ، البعض يجيب بأنه ما كان للانفصال أن يجد طريقه للنفاذ ويصوت الجنوبيون له خياراً، والبعض يقول بأن الانفصال كان مسألة وقت ليس إلا، وأنه أمر حتمي تم التخطيط له وأن الاتفاقية نفسها بنيت على الانفصال.
على أية حال فإن رحيل “قرنق” وبما عرف عنه بأنه شخصية قوية وصاحب (كارزما) لم يكن فقده لأنصاره من الجنوبيين ولا عناصر قبيلة الدينكا، بل كان فقداً لمشوار اتفاق أراد له الجميع أن تكون نهايته سعيدة وليس حرباً جديدة، وهذه المرة بين أبناء الجنوب أنفسهم وبين دولة جنوب السودان والوطن الأم السودان، وتدخل في معمعة ذلك حركات دارفور. مات “قرنق” فأول ما حل في ذلك اليوم كراهية الجنوبيين للشمال، والكل يذكر يوم (الاثنين) الأسود الذي شهد دماراً شاملاً نفذه الجنوبيون انتقاماً، ولكن على ماذا فإنهم أنفسهم لم يجيبوا على هذا السؤال وبقي الكربون عالقاً في النفوس.
مضت الأيام والسنون وهدأت النفوس واختار الجنوبيون بنسبة غير متوقعة الانفصال مصيراً لهم فحملوا أمتعتهم إلى أرض الميعاد، ولكن كان الميعاد موتاً وجوعاً ودماراً وتشريداً، رغم ما آل لهم من خيرات البترول الذي أصبح (90%) منه داخل دولتهم الوحيدة.
لم تمضِ أيام إلا واختلف رفقاء الأمس من الجنوبيين الذين جمعهم “قرنق” تحت مظلة الحركة الشعبية بعد شهور قليلة بعد تسلمهم دولتهم، فخرج نائب رئيس الحركة “رياك مشار” وهو يشغل وقتها نائب الرئيس معارضاً بالسلاح، بينما اختار الأمين العام للحركة الشعبية “باقان أموم” و”دينق ألور” وآخرون في معارضة سياسية بعد أن اتهمهم “سلفا كير” بالقيام بمحاولة انقلابية، اليوم عادوا معززين إلى مواقعهم بتوجيه خارجي.
الراحل “قرنق” حمل معه أسراراً وأسراراً في رحلة موته، وبات حال الجنوبيين الذين فرحوا لمقدمه للخرطوم عبر اتفاقية نيفاشا كمن فقد أباه. ضاعت أحلام الاستقرار وأرض الميعاد والعيش في بحبوحة، فما كان لبعضهم إلا أن خرجوا في شوارع “جوبا” مطالبين بعودة الوحدة مع السودان، فهل يقبلها السودان هذه المرة خياراً ويعيد المياه إلى مجاريها؟ ودمتم.