أخبار

خوفي منك

العنوان ليس مقدمة لنعي لسان حال الشعب سابقاً ومطرب أفريقيا الأول “محمد عثمان وردي” الذي رحل عنا في زمان الغياب الأبدي وافول النجوم.. لن أردد (خوفي منك تنساني وتنسى الليالي) وليه ينسى تلك الأيام.. وخوفي منك السماء التي أمسكت عنّا دموعها.. وعن المزن الذي كان يظلل سماء السودان في مثل هذه الأيام.. خوفي أنا اليوم من الثاني عشر من يوليو والأرض يابسة والأودية جافة والمزارعين يبحلقون في سماء صافية.. لا رعد .. ولا برق ولا مطر والجوع يتسلل لعظام الماشية التي تبكي في الليالي المظلمة وتناجي رب السماء أن ينزل الغيث وتبتل الأرض وينبت العشب.. علماء المناخ الذين يتمركزون الآن في قسم التنبؤات الجوية يقولون إن خريف هذا العام (دون المعدل) وقسم التنبؤات الجوية بهيئة الإرصاد الجوية غشيته سنة التطور لكنه أيضاً يستخدم العبارات التجميلية لأنه مؤسسة حكومية والحكومة بارعة جداً في اشتقاق المحسنات اللفظية للكوارث والمصائب.. يقولون للمجاعة فجوة.. وللمتمرد منفلت ولقطوعات المياه والكهرباء (برمجة).. وتعبير دون المعدل يفهم منه نقص وشح في الأمطار والذي يؤدي لفشل الموسم الزراعي وقلة الإنتاج وغلاء العيش.. وحتى اليوم الحادي عشر من يوليو لم تشهد كل كردفان الشمالية هطول أمطار في فصل الصيف.. ولا فصل الرشاش ولا فصل الخريف الذي يبدأ من 7/7 بحلول (منزلة) الضراع وهي بداية الخريف التي تسبقها أمطار الرشاش التي تبدأ في الخامس من مايو (منزلة) البطين وبعدها منزلتي (الثريا) والعطشانة والرويانة.. كل تلك الفصول لم تشهد هذا العام هطول أمطار لزراعة الذرة والدخن.. كما شحت الأمطار في فصل الصيف الذي يبدأ بمنزلة الحوت.. ثم النطح الذي قال فيه الحاردلو شاعر البطانة الشهير”غاب نجم النطح والحر علينا اشتدّ.. صيفنا قصّر ليلو ونهارو امتد” وهطول الأمطار في فصول الصيف هي شاهد على أن الخريف مبشر بالماء الغزير، ولكن هذا العام ثمة مؤشرات تثير الخوف من حلول عام جدب وجفاف نسأل الله اللطف بعباده وأن يرسل من السماء ماءً يحي به الأرض بعد موتها.
في الأسبوع الماضي كنت في كادوقلي عاصمة جنوب كردفان وهي تقع في عمق السافنا الغنية.. الأرض لا تزال ما بين الخضرة التي تذهب عنا الكدر.. وجفاف أشجار الطلح والعرديب.. لم تزرع (الجباريك) بعد ولم ينبت (عيش الريف) أو الذرة الشامية التي في سنوات المطر الوفير تخرج حصادها للفقراء في الأسبوع الأول أو الثاني من شهر أغسطس.. الأبقار عجفاء تبحث عن العشب في الأودية.. حينما شاهدت الزميلة “رشان أوشي”، وهي قادمة أقاصي شمال السودان، الأرض خضراء يكسوها العشب قالت: الأبقار تأكل من هذه النجيلة.. ضحك النائب البرلماني السابق ومعتمد هبيلا الحالي “مضوي إبراهيم” لجهل “رشان” بالرعي والأرض التي يكسوها العشب.. ومع قلة الأمطار وشحها هناك أزمة جازولين حقيقية.. في القضارف وجنوب كردفان ودارفور.. وتعثر انسياب الجازولين لمناطق الزراعة وأسباب ذلك معلومة بالضرورة. فالحكومة تعاني  بشدة في الحصول على الدولار لاستيراد الجازولين والبنزين وعائدات البترول تناقصت.. وصادرات الحاصلات الزراعية تدنت.. رغم أن إنتاج الموسم الماضي فشلت الحكومة في تسويقه خارجياً.. وداخلياً.. لكن بوادر فشل الموسم الزراعي القادم تُرى بالعين المجردة.
إذا هطل المطر بعد منتصف يوليو فإن السماء لا تمطر جازوليناً.. وإذا حصلت حكومتنا على قرض أو هبة من العرب وتم توفير الوقود فإن التدابير الأمنية في مناطق النزاعات تجعل انسياب الوقود متعثراً للمزارعين.. اللهم كذب (المنجمين) .. وأنزل علينا بركات من السماء لتنبت الأرض فولاً وذرة وعدساً وتسد الثروة الحيوانية رمقها من الأرض.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية